دروسه

تكاثرت وتنوعت دروس سماحته - رحمه الله، فحياته من بدايتها حتى نهايتها كانت حافلة بدروس العلم، هذه الدروس منها ما كان في المسجد، ومنها ما هو في البيت، ومنها ما كان للطلاب في الجامعة الإسلامية ومعهد الرياض العلمي، وقد تخرج من بين يديه علماء ودعاة منتشرون في كثير من أصقاع الدنيا.
هذه الدروس منها ما كان في التفسير، ومنها في الفقه، ومنها في العقيدة، ومنها في الحديث وعلومه، ومنها ما كان في غيرها من العلوم.

مراحل دروسه العلمية:
  • المرحلة الأولى: في مدينة (الدِّلم) منذ تولي القضاء بها من سنة 1357هـ إلى سنة 1371هـ، وقد انتظم في الدروس في أوقات كثيرة، وتتلمذ عليه وقتها أمم من الناس، وصار لمدينة الدلم مقام رفيع، ومنزلة عالية، يتردد الطلاب إليها لطلب العلم، والتتلمذ على الشيخ، من جنسيات كثيرة؛ من السعودية، واليمن، والعراق، وفلسطين، ومصر، والحبشة، وغيرها.
  • المرحلة الثانية: في مدينة الرياض منذ انتقل إليها للتدريس بالمعهد العلمي ثم كلية الشريعة، وقد نظم رحمه الله خلال هذه الفترة دروسًا متعددة، وكان يمتاز وقتها بالاشتغال بكتب الحديث، وخاصة بلوغ المرام، وكذلك نزهة النظر في شرح نخبة الفكر، وكلاهما للحافظ ابن حجر، وقد اجتمع عليه خلالها أفاضل الطلاب وخيار التلاميذ من عام 1371هـ حتى سنة 1380هـ.
  • المرحلة الثالثة: في مدينة رسول الله ﷺ، لما تولى إدارة الجامعة الإسلامية وتأسيسها هناك، فقد رتب رحمه الله دروسه في الجامعة والحرم وغيرهما، واجتمع له الطلاب من كل حدب وصوب، وصار أستاذًا لأخلاط الجنسيات الإسلامية التي تتوافد إلى المدينة من المقيمين والحجاج والمعتمرين والزائرين والطلاب الوافدين للجامعة، وكانت هذه المرحلة من مراحل حياته الذهبية، التي اجتمع له فيها من العلوم والمعارف، والعلاقات والاتصالات، ما لم يكن قبل، من عام 1381هـ إلى سنة 1395هـ.
  • المرحلة الرابعة: في مدينة الرياض بعد أن عاد إليها مرة ثانية، رئيسًا للإفتاء، فنظم الحلقات العلمية بها سنة 1397هـ، واجتمع له في هذه الدروس بالجامع الكبير بالرياض خلائق كثر، وكانوا حلقًا متراصة بين يديه - رحمه الله، وكان - رحمه الله - إمامًا للجامع، وخطيبه الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ، وانتظمت هذه الدروس، اثنين وعشرين عامًا، أربعة أيام في الأسبوع، كلها بعد الفجر يوم الأحد والإثنين والأربعاء والخميس، ثم زادت درسًا خامسًا بعد الجمعة في منزل سماحته، في إرواء الغليل للعلامة الألباني، واستمرت دون انقطاع حتى نهاية عام 1419هـ، حيث سافر آخر ذي الحجة، معتمرًا، ثم قاصدًا المصيف بالطائف. [1]
يقول الدكتور حمد بن إبراهيم الشتوي: "وكنت واحدًا من المواظبين على الحضور في دروسه - رحمه الله، وكان عدد الحاضرين يقرب من ألف نفس، وكان يحضر هذه المجالس كثير من أهل العلم والفضل والدعوة والتعليم، وكان فيها من النشاط في الطلب ما لم ير مثله، وكان الناس يتزاحمون على الشيخ على شكل دوائر مغلقة، لا يستطيع داخلها الحركة، وخاصة في الشتاء إذا كنا في الخلوة الشرقية للجامع أيام بنائه الذي كان من عهد الملك سعود، رحمه الله.
وكانت هناك سؤالات علمية عالية، تلقى على الإمام - رحمه الله - بعد القراءة في الكتب المقررة، فيجيب عنها، ويوضح ما تحتها من المسائل والدلائل والأحكام، ومع هذا كان يستقبل المناقشات الرفيعة، والمباحثات المؤدبة، التي كانت تدور في تلك المجالس، وخاصة فيما يتعلق بالحديث والرجال والمصطلح، وكنا نرى فيه طرازًا جديدًا لم نره ولم نسمع به من قبل، وكانت دروسه تذكرنا ما كان ينقل لنا عن دروس سعيد وقتادة والحسن وأيوب، ثم مالك والسفيانين وابن مهدي والقطان، ثم الشافعي وأحمد وإسحاق وابن معين، تلك الدروس العظيمة التي لم نسمع مثلها في زماننا". [2]

صفات تلك الدروس:
كانت دروس سماحة الشيخ - رحمه الله - تغشاها الهيبة من حيث وقار الشيخ وتعظيمه للعلم، وجلوسه الطويل للطلاب، وحسن طرحه للدرس وسعة صدره ورحابة نفسه في قبول السؤال، وتحمل تكرار السؤال عليه والإنصات من طلابه والمواظبة على المتابعة في أثناء الدرس والإصغاء التام لكلام سماحته، ويزين ذلك دموع طيبة تغلب الشيخ في بعض المواقف خاصة في مواقف السيرة النبوية على صاحبها أتم الصلاة والتسليم، فقد كان - رحمه الله - سريع الدمعة تسبق عبراته عباراته في كثير من المواقف.
ومن الهيبة والوقار أن الطالب إذا حضر في درس سماحته، يشعر بشعور روحاني، ولعل ذلك من نزول السكينة وغشيان الرحمة وإحفاف الملائكة بتلك الحلقة. [3]

الاستعداد قبل الدرس بالتحضير الجيد:
كان - رحمه الله - مهتمًا بالدروس العلمية التي يلقيها على طلابه، ولذا كان يستعد لها فيحضر للدرس الذي يلقيه، ويراجع المادة وما يتعلق بها قبل حضوره، وإذا أشكل شيء أثناء إلقاء الدروس كلف من يبحث ذلك، أو سأل من كان حاضرا من أهل العلم، وإذا سئل عن أمر لا يعلمه قال: لا أدري، لا أعلم، تحتاج المسألة إلى تأمل، سنبحثها إن شاء الله، وهذه العبارات اعتاد طلابه عليها، وذلك لتواضعه وخوفه من القول بغير علم. [4]
يقول عبدالعزيز السدحان: "ترى الشيخ في بيته مع أمين مكتبته الشيخ صلاح - أثابه الله - معتكفًا على التحضير وعلى البحث، فهذا كتاب يقرأ في الحديث، وهذا كتاب يقرأ في التفسير، وهذه مسألة من درس البارحة تحتاج إلى زيادة إيضاح.
ومما يلاحظ على سماحة الشيخ أنه يحرص على سماع البحوث التي يكلِّف بها، بل قد يطلب إعادة القراءة مرتين أو ثلاثًا بل وأحيانًا يسأل الطلبة من يعرف؟ هكذا هو العالم الرباني، وهذا هو التواضع، وهذا هو الخلق الذي كان عليه سلف الأئمة رحمهم الله.
وإن المرء ليعجب من شدة حرص سماحته على الفائدة والإنصات التام من سماحته عند سماعها وطلبه الاستزادة من القراءة فيما يتعلق بها، بل قد يكلِّف سماحته الباحث أو القارئ بزيادة التتبع والاستقراء لأجزائها". [5]
ومما يحسن إيراده في هذا الأمر، وهو متعلق بحرص الشيخ على تحصيل الفائدة ما جاء في هذا الموقف:
كان سماحة الشيخ - رحمه الله - في مجلس ما وكان الشيخ عبدالله بن جبرين يقرأ في كتاب لابن القيم، وسماحة الشيخ عبدالعزيز يعلق على القراءة، فمرت جملة استشكلها سماحة الشيخ، ولم تتضح له وغلب على ظنه أنها سبق قلم من ابن القيم - رحمه الله - فأوضح الشيخ عبدالله بن جبرين مراد ابن القيم من سياقه تلك الجملة، فسرَ سماحة الشيخ عبدالعزيز، وقال هذه فائدة، ثم أمر الشيخ عبدالله أن يعيد كلامه ليستفيد جميع الحاضرين. [6]

عنايته بالدروس العلمية:
اعتنى الشيخ - رحمه الله - بالدورس العلمية للطلاب، وكان يوليها اهتمامًا بالغًا ويفرغ لها من وقته كثيرًا رغم المسئوليات العظمية التي يقوم بها، حتى تخرج عليه جماعة من العلماء، واستفاد من علمه خلق كثير.
ومما يدل على عنايته بها ما ذكره فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي عن سماحته أنه قال: "الدروس أحبُّ شيء إلى نفسي". [7]

أوقات إلقاء الدروس:
أغلب أيام الأسبوع كانت تلقى فيها دروس الشيخ رحمه الله سواء في الفترة الصباحية أو الفترة المسائية، وهذا دأبه من أول ما عين قاضيًا في الدلم ثم رجوعه إلى الرياض مدرسًا في معهد الرياض العلمي، ثم انتقاله إلى المدينة المنورة نائبًا لمدير الجامعة الإسلامية، ثم مديرًا لها بعد وفاة مديرها، ثم الرجوع إلى الرياض عندما عين رئيسًا لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
وقد ذكر جل من ترجم له أن أوقات دروسه كانت بعد صلاة الفجر، إلى أن ترتفع الشمس، وبعد صلاة العصر، وبعد صلاة المغرب وبعد أذان العشاء إلى إقامة الصلاة، وفي يوم الجمعة درس بعد صلاة الجمعة في منزله إلا في رمضان وموسم الحج فإن له برنامجًا آخر في هذه المواسم. [8]
 
الكتب التي قرئت عليه:
قرئت كتب كثيرة على سماحته في مجالسه العلمية ودروسه التي كان يعقدها، من تلك الكتب ما أكمل قراءته، ومنها ما لم يكمل، ومنها ما أعيد قراءته مرات، وهذه الكتب التي كانت تقرأ عليه ذكرها تلاميذه ومن ترجم له، وقد فصل بعضهم في المرحلة التي كان ملازمًا للشيخ فيها وأشار إلى الكتب التي لم يكمل قراءتها، ولكنه لا يدري عن المراحل الأخرى التي سبقت ذلك أو لحقت ماذا تم من قراءة تلك الكتب، ولذا فنذكر هذه الكتب بصفحة إجمالية:
  1. صحيح البخاري وشرحه فتح الباري.
  2. صحيح مسلم وشرحه للإمام النووي .
  3. سنن أبي داود.
  4. جامع الترمذي.
  5. سنن النسائي.
  6. سنن ابن ماجه.
  7. مسند الإمام أحمد.
  8. الفتح الرباني للساعاتي.
  9. موطأ الإمام مالك.
  10. سنن الدارمي.
  11. السنن الكبرى للنسائي.
  12. كتاب التوحيد لابن خزيمة.
  13. العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية.
  14. الفتوى الحموية لابن تيمية.
  15. الاستقامة لابن تيمية.
  16. مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية.
  17. زاد المعاد في هدي خير العباد.
  18. جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام لابن القيم.
  19. إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان للعلامة ابن القيم.
  20. مفتاح دار السعادة للعلامة ابن القيم.
  21. الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب للعلامة ابن القيم.
  22. الجواب الكافي للعلامة ابن القيم.
  23. كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب.
  24. الأصول الثلاثة للشيخ محمد بن عبدالوهاب.
  25. الدرر السنية في الأجوبة النجدية.
  26. فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبدالرحمن بن حسن.
  27. مسائل كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب.
  28. كشف الشبهات للشيخ محمد بن عبدالوهاب.
  29. شروط الصلاة للشيخ محمد بن عبدالوهاب.
  30. القواعد الأربعة للشيخ محمد بن عبدالوهاب.
  31. شرح السنة للحافظ البغوي.
  32. إرواء الغليل بتخريج أحاديث منار السبيل للعلامة الألباني.
  33. تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير.
  34. الروض المربع مع حاشيته لابن قاسم.
  35. بلوغ المرام للحافظ ابن حجر.
  36. رياض الصالحين للإمام النووي.
  37. عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي.
  38. البداية والنهاية للحافظ ابن كثير.
  39. منتقى الأخبار لشيخ الإسلام ابن تيمية الجد.
  40. الإحكام شرح أصول الأحكام للشيخ ابن قاسم.
  41. نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر.
  42. الألفية في الحديث للحافظ العراقي.
  43. الفوائد الجلية في المباحث الفرضية تأليف سماحته رحمه الله.
  44. وظائف رمضان الملخص من لطائف المعارف للحافظ ابن رجب.
  45. صحيح ابن حبان.
  46. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لشيخ الإسلام ابن تيمية.
  47. تفسير البغوي.
  48. تفسير ابن جرير.
  49. إعلام الموقعين لابن القيم.
  50. الطرق الحكمية لابن القيم.
  51. متن الآجرومية.
  52. متن الرحبية.
  53. الأربعون النووية.
  54. مختصر المقنع.
  55. قطر الندى. [9]
فهذه هي الكتب التي كانت تدرس أو تقرأ على سماحته، وعند قراءتها كان سماحته يبين ويوضح ويشرح، ويذكر الحكم على الحديث إذا كان في غير الصحيحين، ويبين رجال الإسناد وحالهم، ويذكر الفوائد المتعلقة بذلك الحديث أو تلك المسألة.
  1. الإبريزية في التسعين البازية، لحمد الشتوي: (62-63).
  2. الإبريزية في التسعين البازية، لحمد الشتوي: (63-64).
  3. الإمام ابن باز دروس ومواقف وعبر، عبدالعزيز السدحان: (12).
  4. الإمام ابن باز دروس ومواقف وعبر، عبدالعزيز السدحان: (16).
  5. الإمام ابن باز دروس ومواقف وعبر، عبدالعزيز السدحان: (17).
  6. انظر: الإمام ابن باز دروس ومواقف وعبر، عبدالعزيز السدحان: (18).
  7. ترجمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز لابن القاسم: (119).
  8. انظر: ترجمة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز لابن القاسم: (59، 70، 116)، الإلمام بطريقة دروس سماحة الإمام لخالد الحياني: (19)، جوانب من سيرة الإمام عبدالعزيز بن باز: (61).
  9. انظر: الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، لعبدالرحمن بن يوسف النعمة، (124)، الإبريزية في التسعين البازية لحمد الشتوي (64-65) ترجمة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز لابن القاسم (59، 70، 116)، الإلمام بطريقة دروس سماحة الإمام لخالد الحياني (19).