مجالسه

كان للشيخ ابن باز - رحمه الله - مجالس عامرة بالعلم والذكر، ونشر الدين، والتربية على مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وقضاء حاجات المحتاجين، ومناصحة لطلاب العلم والدعاة، مجالس فيها التعرف على أحوال الأمة، والسماع لعلماء الإسلام الذين يفدون عليه من أقطار الإسلام، مجالس فيها التوجيه والإرشاد لما فيه صلاح الفرد والمجتمع، مجالس خير وبركة يقرأ فيها الآيات الكريمات والأحاديث النبوية، وكلام أهل العلم والفضل في شتى الفنون.
هذه المجالس كانت بشكل معتاد وفي أغلب أيام الأسبوع يقول مدير مكتبه محمد الموسى:
"سماحة الشيخ - رحمه الله - يجلس للناس جلساتِه المعتادةَ بعد مغرب كل يوم إذا لم يكن لديه محاضرة، ويجلس يوم الخميس من الساعة الحادية عشرة أو قبلها إلى قبيل العصر، ويجلس يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة إلى العصر، ويجلس بعد مجيئه من الدوام وتناول الغداء إلى أذان العصر إذا كان في الوقت متسع؛ فهذه -تقريبًا- هي جلساته المعتادة للناس عامة، سواء كان في الرياض أو مكة، أو الطائف، أو المدينة". [1]
 
مجلسه بعد صلاة الفجر:
كان سماحته بعد أن يفرغ من صلاة الفجر يتم قراءة أذكار الصلاة والصباح يتهيأ جموع الحضور لسماع شرح وتعليق سماحته للكتب التي تقرأ عليه ليزيدها علمًا ويوضح لها ما خفي عليها.
فإذا كان في الطائف تقرأ عليه كتب عدة في شتى العلوم الشرعية ومنها كتاب تفسير ابن كثير ويقرأه عليه الشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن باز حتى إذا ما قرأ عدة آيات وتفسيرها أخذ سماحته يوضح ما غمض على المستمعين ويزيد التفسير إيضاحًا وتفصيلًا.
ثم يأتي بعد ذلك دور كتاب (فتح المجيد) ويقرأه الشيخ أحمد بن الشيخ عبدالعزيز بن باز .. وكلما قرأ جزءًا فصَّله سماحته وزاده شرحًا وتوضيحًا.
ويعقب هذا قراءة للشيخ الحلواني في كتاب صحيح مسلم، وبعد كل حديث يتوقف ليفصل سماحته شرح ما قرئ عليه، ويبين معاني الكلمات التي وردت في الحديث ويعرض إجمالًا لمعناه ومضمونه وأهمية العمل به.
ثم يقرأ الشيخ محمد الموسى بعض فتاوي ابن تيمية ويعلق عليها سماحته ويوضح ما أشكل على المستمعين.
ويستعرض الدكتور محمد الشويعر تاريخ ابن كثير في كتاب (البداية والنهاية) ويعلق عليه سماحته أيضا ويظل يشرح ويقارن ويجيب على أسئلة الحضور وطلاب العلم.
ويأتي الوقت المخصص للقراءة في كتاب (جامع العلوم والحكم) ليتناوله سماحته بالتحليل والتوضيح.
وتستمر هذه الحلقة المفعمة بالجو الإيماني الذي يعمر جنبات المسجد وصدور الحضور حتى ترتفع الشمس قليلًا ليودع سماحته الحضور راجيًا لهم توفيق الله وثوابه أملًا أن يكون له معهم لقاء آخر في اليوم التالي ..
وعادة ما يذهب إلى منزله لتناول الإفطار بصحبة تلاميذه من طلاب العلم أو ضيوفه وزواره حيث لا تخلو مائدة طعامه من ضيف أو زائر أو طالب علم. [2]
 
مجلسه بعد الظهر:
هذا المجلس كان في منزله - رحمه الله، فكان بعد أداء صلاة الظهر جماعة في المسجد، يذهب إلى منزله ومعه طلاب العلم وأصحاب الحاجات والضيوف والزوار، وهناك يجلس الشيخ معهم، معلمًا وموجهًا، ومرحبًا بالزوار والضيوف، وقاضيًا لحاجات أصحاب الحاجات، ومع ذلك لا يخلو هذا المجلس من درس.
يذكر الشيخ عبدالعزيز الوهيبي أنه ذهب ومعه أولاده إلى سماحة الشيخ ليسلم عليه في مسجده الذي بالطائف، فسلم هو وأولاده على الشيخ رحمه الله، وتعرف الشيخ على الأولاد ثم دعا الجميع إلى تناول الغداء، يقول الشيخ عبدالعزيز الوهيبي:
"فثار عجبي من ذلك من قوة ذاكرة الشيخ وفطرته، إذ كان ذلك هو اللقاء الأول مع الشيخ ولا يعرفني من قبل، فاستجبنا لدعوته.
فذهبنا إلى بيته المتواضع، فجلسنا في مجلسه ومعنا بعض الناس، وبعد أن قدم الشيخ بدأ بكلمة ترحيبية بالضيوف ثم بدأ برنامج العمل المتواصل علم وعمل لا يتوقف أبدًا. عن يمينه قارئ يقرأ من كتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ويعلق الشيخ على القراءة.
وعن يساره هاتفان لا يكادان يتوقفان عن الرنين ويرد عليهم الشيخ بكل سرور، ويجيب على الأسئلة الموجهة إليه.
مجلس لا يُمل أبدًا، هذا يريد شفاعة، وهذا يريد جوابًا، وهذا يريد ردًا على معاملته، وهذا يريد مساعدة، والشيخ يستمع وينصت لكل واحد من الناس وكأنه يعرفه منذ سنين.
وبعد أن انتهينا من تناول الغداء أردنا أن نستأذن الشيخ فقال لنا: اجلسوا لتناول الشاي فجلسنا والحاضرون من بلاد شتى هذا من أمريكا، وهذا من فلسطين، وهذا من مصر، وهذا من السودان، وهذا من الكويت، وهذا من السعودية، وهكذا تُعد عشرات الجنسيات في مجلس الشيخ في مجلس لا يُمل أبدًا، مجلس علم وعمل متواصل، ودعوة وفضل، وخير كثير..."[3].
 
مجلس بعد العصر:
كان الشيخ - رحمه الله - بعد أن يؤدي صلاة العصر يقرأ أذكار الصلاة ثم "بعد ذلك يقرأ الإمام ما تيسر من كتاب (رياض الصالحين) للنووي، أو (الوابل الصيب) لابن القيم، أو (كتاب التوحيد) للشيخ محمد بن عبدالوهاب، أو غيرها من الكتب، ثم يشرع سماحته بشرح ما قرئ، ثم توجه إليه الأسئلة، فيجيب عليها، ثم يرجع إلى منزله؛ لأخذ بعض الراحة"[4].
 
مجلس المغرب:
بعد أداء صلاة المغرب يتوجه سماحته إلى مجلسه العام لعامة الناس وخاصتهم المقبلين للسلام عليه أو استفتائه في أمور الدين والدنيا ويستضيفهم الشيخ؛ فيسألون عن أحواله ويسأل عن أحوالهم في جو من الود والتناصح والتشاور .. ويستمر هذا المجلس حتى يحين موعد صلاة العشاء حيث يتأهب سماحته والحضور للخروج من المجلس ذاهبين للمسجد. [5]
 
مجلس العشاء:
كان سماحته عندما يؤذن لصلاة العشاء يتوجه إلى المسجد، وبعد أداء السنة يُقرأ عليه بعض الأحاديث فيقوم الشيخ بشرحها والتعليق عليها، ثم يجيب على بعض الأسئلة. [6]
يقول فهد البكران عن هذا المجلس: "خلال الفترة ما بين الأذان والإقامة يستمع المصلون إلى قراءة من إمام المسجد لبعض الأحاديث الواردة في كتاب (رياض الصالحين) ليقوم سماحته بالشرح والتعليق عليها واستخراج الحكم الواردة فيها مع التأكيد دومًا على أهمية اتباع سنة النبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير". [7]
 
وصف ما يدور في مجلس سماحة الشيخ:
يذكر مدير مكتبه محمد الموسى واصفًا هذه المجالس وما يدور فيها وحال سماحته فيه، فيقول:
"وإذا جلس للناس ضاق بهم المجلس، والتفوا حوله على اختلاف أجناسهم وحاجاتهم؛ فهذا عالم، أو مسئول كبير جاء لزيارة سماحته، وهذا آخرُ قَدِمَ للسلام، وهذا قريب لسماحته، وهذا مستفتٍ عن أمر ما، وهذا مطلِّق، وهذا ذو حاجة، وهذا ذو مشكلة، ويريد حَلًا لها، وهذا مريد لشفاعة من سماحة الشيخ في أي أمر من الأمور، وهذا قادم للجلوس ورؤية الشيخ، وكيفية تعامله مع الناس، وهذه وفود أتت من داخل المملكة وخارجها لزيارة سماحته، وهذا فقير أتى؛ لينال ما ينال من بر سماحته وعطفه، وهذا وهذا إلخ.
فإذا قدم سماحة الشيخ إليهم ألقى السلام عليهم، ثم تتابعوا للسلام عليه؛ فإذا أخذ مكانه في صدر المجلس علا المجلس السكينة، والوقار، والأدب.
ويكون عن يمين سماحته وشماله اثنان من كتابه يعرضان عليه القضايا والكتابات التي تأتيه من كل مكان، فيتولى الرد عليها، والإجابة عنها، وهذان الكاتبان يتناوبان؛ إذ إن كل واحد منهما قد ملأ جعبته من الرسائل والمعاملات.
ويكون بجانب سماحته هاتفان لا يكاد يتوقف رنينهما.
وما بين كل فينة وأخرى يتقدم طالب لحاجة أو مستفت فيعرض ما يريد على سماحته، وإذا قدم قادم إلى المجلس توجه إلى سماحته فسلم عليه فيرد سماحته السلام، ويلاطفه، ويسأله عن اسمه إن كان لا يعرفه، وإن كان يعرفه سأله عن أحواله وعن مشايخ بلده، وطلبة العلم فيه إن كان قادمًا من بلد آخر، ثم يلح عليه بتناول طعام الغداء، والعشاء، ويلح عليه بالمبيت عنده.
وهكذا الحال مع كل قادم ولو أدى ذلك إلى قطع المكالمة وطَلَبِ الانتظار ممن يهاتف، ولو أدى أيضًا إلى إيقاف القراءة من أحد الكاتبين.
وبعد ذلك يعاود الحديث مع من هاتفه، أو السماع لمن يقرأ عليه.
فإذا رأيت هذا المشهد من كثرة الناس وكثرة حاجاتهم وتنوعها، ورأيت حال الشيخ مع الهاتف، ومع من يقرؤون عليه من كُتَّابه، ورأيت كثرة القادمين والمسلِّمين أيقنت أن جموعهم لن تَنْفَض، وأن تلك الحاجات والمعاملات تحتاج إلى مدة أسبوع في الأقل؛ ليتم التخلص من بعضها، وما هي إلا مدة يسيرة، ثم تَنْفَضُّ تلك الجموع بنفوس راضية، وصدور منشرحة؛ حيث يأخذ كل واحد منهم نصيبه من سماحته؛ إما بتوجيه معين، وإما بوعد صادق طيب، وإما بإجابة لسؤال، وإما باستجابة لطلب.
كل الذي تبغي الرجال تصيبه حتى تُبَغِّي أن تُرى شَرْوَاهُ
سيان بادىءُ فِعْلِهِ وتليُّهُ كالبحر أقصاه أخو أدناه [8]
كل ذلك وسماحته يستقبلهم بصدر رحب، وجبين وضَّاح، ونفس كريمة، لا ينهر أحدًا، ولا يكهره، مع ما يلقاه سماحته من كزازة، وسوء أدب، وكثرة إلحاح، ومقاطعة من بعض المراجعين، حتى إن الذي يحضر المجلس أول مرة ليعجب أشد العجب، ويظن أن سماحته يتكلف ما يقوم به، ولكن ذلك هو دأبه وأدبه؛ حتى لكأنه هو المعنيُّ بقول البحتري:
خُلُقٌ أتيت بفضله وسنائه طبعًا فجاء كأنه مصنوع
وحديثُ مجدٍ منك أفرط حسنُه حتى ظَنَنَّا أنه موضوع [9]
وإذا انصرفوا من عنده انصرفوا مسرورين، وكل منهم يظن أن له منزلة خاصة عند سماحة الشيخ.
وإذا أذن المؤذن بالعشاء أو الظهر، أو العصر أيًّا كان وقت ذلك المجلس قطع سماحة الشيخ الحديث مع من يهاتفه، أو يحادثه، أو يسأله، أو يقرأ عليه، وشرع بمتابعة المؤذن ومن ثَمَّ يتوجه إلى المسجد.
وما إن ينتهي ذلك المجلس إلا وقد قام بأعمال عظيمة لا يقوم بها الجماعة من أولي القوة من الرجال، مع أن سماحته كفيف البصر، متقدم في السن، ومع أن كلمته هي الفصل التي يتوقف عليها أمور عظيمة خاصة أو عامة، فهذا دأبه في جميع مجالسه". [10]
 
مجالسه في المكتبة:
"لسماحة الشيخ مكتبة كبيرة في منزله في الرياض، وله مكتبة في منزل الطائف، ومكتبة في منزل مكة.
والمكتبة هي محل أنسه، وهي في الغالب مقر عمله واجتماعاته الخاصة مع العلماء وغيرهم، وهي محل بحثه، ودراسة بعض المعاملات الخاصة الواردة عليه.
وهي مكان التسجيل لبرامج الإذاعة كبرنامج نور على الدرب وغيره، وهي مكان اللقاءات بمندوبي الصحف.
وفيها يراجع كتبه، ودروسه، وبعض المسائل التي يحتاج إليها.
وفيها يتتبع أسانيد الأحاديث، وطرقها؛ إذ كان - رحمه الله - كثير الرجوع إلى كتب الرجال، ككتاب تقريب التهذيب، وتهذيب التهذيب، وميزان الاعتدال، وتعجيل المنفعة، وتهذيب الكمال...
وكان يستقبل المكالمات وهو في المكتبة، ويلقي المحاضرات الخارجية عبر الهاتف". [11]
يقول محمد الموسى: "كان - رحمه الله - لا يمل الجلوس بين الكتب، والتنقل في رياضها؛ ففي بعض الأحيان نأتي بالمعاملات من طلاق ونحوه؛ فإذا بدأنا عرضها عليه بعد العشاء ربما ظهر عليه بعض الإعياء والتعب، والنعاس، فيقول: ما عندي نشاط.
ثم يطلب بعض الكتب فإذا بَدَأَت القراءةُ عليه في الكتب نشط، وتأهب، وذهب عنه النعاس، وتفاعل مع الكتاب أو الكتب.
وفي يوم من الأيام بَدَأْتُ أعرض عليه بعض المعاملات في الطلاق وغيره، فلمست منه الإعياء، فقال: ما عندي نشاط، أشعر بالإعياء، وأرى عرضها في وقت آخر.
فخرجت من عنده في الساعة التاسعة من الليل تقريبًا، وذهبت إلى شمال الرياض، لقضاء بعض الأعمال الخاصة بي.
ولما انتهى عملي عدت إلى منزلي، وفي الطريق مررت بمنزل سماحته، ولما حاذيته رأيت سيارة الأخ صلاح الدين عثمان - أمين مكتبة منزل سماحة الشيخ -، وكانت الساعة قد بلغت العاشرة والنصف.
فلما رأيت السيارة قلت في نفسي: ما الذي أبقى الأخ صلاحًا إلى ذلك الوقت، خصوصًا وأن عهدي بسماحة الشيخ أنه مُجْهَد، ولم يستطع إكمال قراءة المعاملات؛ فوقفت عند منزل سماحته، ودخلت المنزل وإذا بسماحته يخرج من المكتبة متجهًا إلى داخل بيته؛ فسألت الأخ صلاحًا، وقلت له: أنتم جالسون من حين ذهبت من عندكم حتى هذه الساعة ؟
قال: نعم؛ لما بدأت أقرأ على سماحته في الكتب نشط، واشتد عزمه، ولم يذهب داخل بيته إلا الآن - كما ترى!
وفي بعض الليالي نجلس في المكتبة بعد صلاة العشاء ساعة ونصف الساعة تقريبًا، ونلحظ على سماحته الإعياء؛ إذ هو طيلة يومه في جهاد، وعمل متواصل.
وعندما نقوم إلى مكان الطعام لتناول وجبة العشاء يعود للشيخ نشاطه، ونرجع مرة أخرى إلى المكتبة، ويقول رحمه الله: النشاط يعود بعد الأكل، وهو بمثابة البنزين للسيارة.
وأحيانًا يمضي في المكتبة الساعتين، والثلاث دون أن يشعر؛ فإذا سأل عن الساعة وقلنا: الساعة الحادية عشرة قال: إلى الله المشتكى، الوقت يمضي، والجلوس بين الكتب لا يُمَل، نتمنى أن نقرأ كل ما في هذه المكتبة، ولكن المشاغل لا تتركنا.
وفي يوم من الأيام في عام 1418هـ قال سماحته للأخ صلاح أمين المكتبة: لم يتيسر إلى الآن إمرار مسند الإمام أحمد؛ قراءتنا فيه متقطعة، كلما قرأنا منه جزءًا انقطعت القراءة، وإن شاء الله سوف نقرؤه، فبدأ بقراءته، ولكن الأعمال العظيمة لم تتركه.
ولا أعلم أنه عرض على سماحته كتاب يتكون من مجلد أو مجلدين أو ثلاثة، أو أكثر إلا قال: سوف نقرؤه إن شاء الله.
ومما هو جديد بالذكر أن سماحته أوصى قبل وفاته بإهداء مكتبته إلى مكتبة مسجد سماحته في مكة المكرمة". [12]
 
مجلسه قبل الوفاة بيوم:
حتى وهو في مرضه الذي توفي فيه لم يترك الجلوس مع طلابه ومحبيه، يقول محمد الشويعر:
"وفي يوم الأربعاء 1420/1/26هـ، حضرنا للعمل في بيته، بعد أن ترك العمل في المكتب، وبعد أن خرج من المستشفى بالطائف، حيث لم يجلس الضحى للناس، فدعانا بعد الظهر، بعد ما أرسل ابنه أحمد لنفر من الموظفين، خصنا بأسمائنا، فعرضنا عليه بعض المعاملات، فأنجزها ... وتحدثنا معه حيث أحسسنا فيه نشاطًا في هذه الجلسة، حتى زادت الساعة عن الثانية والنصف (2:30) ظهرًا، فقال: تغدوا أنتم ومن جاء من الضيوف، وسوف أجلس - إن شاء الله - للناس بعد المغرب، وسرت البشرى بين الناس، فجاء مجلسه بعد المغرب جمع غفير ... مع أنه لم يستطع الصلاة في المسجد، ولم يستطع المشي، من الهزال والألم، بل صلى في بيته جالسًا، ثم جاء لمجلسه في العربة .. وكنت في الكرسي على يمينه، والأخ محمد الموسى في الكرسي الآخر، على يسار سماحته، فسلم منذ دخل على الحاضرين، وردوا عليه السلام.
ثم تناول سماحة الشيخ سماعة الهاتف الأول ورفعها، وفعل مثل ذلك بالهاتف الثاني .. ثم أقبل على الحاضرين، وقال: كيف حال الإخوان، الله يستعملنا وإياكم في طاعته، الله يتوب على الجميع ودعا لنفسه ولهم، وزادت كلمته عن عشر دقائق، أوصاهم فيها بتقوى الله، والتمسك بكتاب الله، وسنة رسوله ﷺ، وحث على الصلاة وحذر من الشرك، ونبه إلى التوحيد الخالص.
فكأنها كانت موعظة مودع، ثم قام إليه أصحاب الحاجات والطلاق وغيرهما، فأنجزهم في تلك الجلسة ... ولم يبن عليه مظهر الإعياء والتعب، ولم يلاحظ الناس عليه شيئا، سوى حضوره في العربة، إذ لم يأت ماشيًا كالمعتاد.
وبعد أذان العشاء أجاب المؤذن كعادته، ثم سلم على الحاضرين، وودعهم وهو في العربة، ودخل بيته، حيث صلى العشاء فيه قاعدًا...[13].
وكانت آخر جلسة جلسها رحمة الله عليه مع طلابه ومحبيه، توفي بعدها - رحمه الله - في تلك الليلة.
 
  1. جوانب من سيرة الإمام ابن باز، لمحمد الموسى: (65).
  2. ابن باز الداعية الإنسان، فهد البكران: (49-50).
  3. الإمام ابن باز حياته ودعوته، سعاد الغامدي: (46-48).
  4. جوانب من سيرة الإمام ابن باز، لمحمد الموسى: (63).
  5. ابن باز الداعية الإنسان، فهد البكران: (51).
  6. جوانب من سيرة الإمام ابن باز لمحمد الموسى: (64).
  7. ابن باز الداعية الإنسان، فهد البكران: (51).
  8. ديوان البحتري (195/1).
  9. ديوان البحتري (186/1-187).
  10. جوانب من سيرة الإمام ابن باز، لمحمد الموسى: (65-68).
  11. جوانب من سيرة الإمام عبدالعزيز بن باز، لمحمد الموسى: (120-122).
  12. جوانب من سيرة الإمام عبدالعزيز بن باز، لمحمد الموسى: (120-122).
  13. عبدالعزيز بن باز عالم فقدته الأمة، للشويعر: (801).