بحق إنه مجدد

عبدالعزيز بن أحمد بن محمد المشيقح
عضو الدعوة والإرشاد بمنطقة القصيم
 
الحمد لله القائل يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ، وأصلي وأسلم على من بلغ البلاغ المبين الذي رفع مقام أهل العلم وأعلى شأنهم بقوله ﷺ: إن العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وورثوا العلم، فمن أخذه أخد بحظ وافر أما بعد:
فالله عظّم مقام أهل العلم وطلابه، وجعل مقامهم أعلى مقام قال سبحانه: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُون فجعل مقياس الفارق كثرة العلم والعمل به لأن المراد من العلم العمل، فالله رد الناس إليهم والأخذ بأقوالهم والاهتداء بهديهم فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ، وبين النبي ﷺ عظمة مقام العالم ما دام حيًا، وأن العالم الرباني وجوده عصمة من الفتن فقال: إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا من قلوب الناس، ولكن يقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم، وأضلوا فهم نور البلاد والعباد، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من فتنة قد أماتوها، وبدعة قد بدلوها بسنة، ينبهون الغافل عن طاعة مولاه بالعودة إليه، وينهون من استمر في لهوه بزجره بأدب، فبذكرهم تطيب المجالس، وبحسن الاستماع إليهم يعظم الأجر لحسن الاهتداء بهديهم، فالناس محتاجون إليهم وهم أغنياء عن الناس بعلمهم، يصبرون على الأذى ويحلمون على الجفوة، فالكلام عن تقدير العلماء واجب على كل فرد لأن بإجلالهم تجل الشريعة قال ﷺ: إن من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الجافي فيه والغالي فإجلالهم من القرب التي يتقرب بها العبد إلى ربه، ولذلك كانت الوقيعة فيهم من أعظم الذنوب وأكبر المصائب ولا يفعل ذلك إلا من كان في قلبه مرض أو في دينه دخن، ولذلك لم يتعرض لسب العلماء إلا من وهم ببدعة، ولذلك كانت لحومهم مسمومة وسنة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، ومن تتبعهم بالثلب ابتلاه الله [بموت القلب].
وإن من نعم الله على البلاد والعباد أن يقيض لهم علماء صالحين يجعلون جل اهتمامهم خدمة العباد في الدلالة على عبادة رب العباد، بنصح وإخلاص، مع التحلي بالفقه والحكمة وحسن القدوة، مع الاجتهاد بذلك ونبذ الدنيا وراء ظهره، وجعل الخوف من الله نصب عينيه، وإرادة وجه الله والدار الآخرة منتهاه، ومن هؤلاء العلماء الذين استفادت الأمة الإسلامية من توجيههم وعلمهم وبعد نظرهم سواء في الفتاوى العامة التي يحتاج إليها كل الناس على اختلاف طبقاتهم ومسئولياتهم، أم في مجال حسن التعليم وملاطفة المتعلم وإعطائه حقه في التعبير عن وجهة نظره، أم في التوسع في مجال الدعوة إلى الله ونشرها في جميع البلدان بصبر وحلم وسعة صدر وتتبع هموم هؤلاء الدعاة والسعي في إصلاح شأنهم سواء كانت شخصية [خاصة] أم عامة، والبحث عن كل ما يساهم في خدمتهم، أو في تطويع التقنية الحديثة وتسخيرها لنشر الإسلام والاستفادة منها في ذلك، من هؤلاء عالم قائد بصير تميز بأخلاق وصفات قل أن توجد في غيره على مر العصور، فإن فيه من حسن الخصال، وجميل السجايا ما يجعل النفوس تهفو إليه، والقلوب تحبه، قال صلى الله عليه وسلم: حسن العهد من الإيمان إن إكرام الأولين وذكر محاسنهم من حسن العهد، فإن من هؤلاء سماحة الشيخ العالم العلامة محدث الإسلام ومفتي الأنام القدوة الصالحة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله منهم بل على رأسهم حيث لم يمر على طلبة العلم من عصور مضت وإذا سبر الإنسان التاريخ فلا يجد شخصًا جمع مآثر مثل مآثره، إمام في الكرم والعطاء، إمام في العلم وحسن الخلق، إمام في سلامة الصدر وعدم الغل، كما قال الشافعي: "خرجت من بغداد ولم أترك مثل أحمد بن حنبل".
فذكر مآثر هؤلاء الذين بذلوا جهودهم وأفنوا شبابهم، وضحوا بصحتهم وأوقاتهم في خدمة دينهم ونصرة أمتهم بكل صدق وإخلاص، فإنه ممن أدى رسالته تجاه كتاب ربه وسنة نبيه ﷺ بكل أمانة على الوجه المطلوب شرعًا، مسهمًا في ذلك في بناء أمة الإسلام بناء قويًا في كل المحافل الرسمية في الدفاع عن قضاياها وحقوقها، ومدافعًا عن حقوق المغتصبين والمقهورين، بل إنه يعد من رواد النهضة العلمية حيث إنه قضى عمره في العلم وتعليمه منذ ريعان شبابه وعنفوان رجولته مقتديًا بسلفه الصالح من أئمة الدعوة الإصلاحية في هذه الجزيرة، فهو عالم يوجد الخير حيث كان، ويحل البر حيث حل، لا يذكر اسمه إلا مقرونًا بالعلم والفضل، فليس المراد بالكتابة هنا استعراض أعمال سماحته، وذلك بكثرة الأعمال التي يشرف عليها، بل رئيسًا لها؛ لأن هذا يحتاج إلى وقت طويل، بل يخرجنا الى كل بقعة من بقاع العالم للتعرف والتعريف بأعماله، بحق إنه مجدد لهذا الدين في هذا القرن، وذلك لكثرة التماسه حوائج البلدان من الأعمال الدعوية، فهو يشرف إشرافًا خيريًا على أكثر من ثلاثة آلاف داعية في خارج المملكة عدا المراكز الإسلامية والمساجد التي أسهم في بنائها في داخل المملكة وخارجها، ثم يدعمها بماله ورأيه وحسن تدبيره لتقوم بالرسالة التي انشئت من أجلها، وذلك من خلال إشرافه الشخصي على تلك المؤسسات الإسلامية لإرساء قواعدها، وتوسيع مجالاتها الدعوية، من دروس، ومحاضرات .. الخ، حتى آتت ثمارها يانعة في كل مكان، فرحم الله شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز وأسكنه فسيح جناته، وأرسل علينا الصبر والسلوان، إنا لله وإنا اليه راجعون. [1]
  1. جريدة الجزيرة، الثلاثاء 3 صفر 1420هـ .