رحمك الله يا أبا عبد الله

أمين عام رابطة العالم الإسلامي
أ.د. عبد الله بن صالح العبيد
 
بسم الله الرحمن الرحيم
نعم يا رب الأرباب لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ لا راد لقضائك، ولا مقدر لآجالك، لك الخلق ولك الأمر، خلقت الموت والحياة لتبلونا أينا أحسن عملًا، لا إله إلا أنت، تفعل ما تشاء، وتحكم ما تريد، لك الحمد على ما قضيت، ولك الشكر على ما أعطيت.
لك الحمد يا رب على ما رزقتنا ورحمتنا وتكرمت به علينا من جزيل عطائك، ونسألك الصبر على ابتلائك وبلائك.
لبت نداءك نفس والدنا وشيخنا وإمامنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز واستسلمت روحه الطاهرة لقضائك وقدرك، وانهمرت الدموع يا رب على قدر ما تذكرت النفوس من كرمك وفضلك وعطائك، فاللهم أعطها ولا تحرمها، اللهم استجب دعاء عبادك فيما سألوك وتقبل منهم ما تحشرج في حلوقهم، واستكن في صدورهم، واعتمل في نفوسهم، من حب لعبدك وابن عبدك، خانهم في التعبير عنه جل الخطب، وضعف النفس، وحزن القلب، ودمع العين، فاللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، اللهم تقبله في عبادك الصالحين، واحشره مع النبيين والصديقين، فقد أخلص لك الدين، واعتصم بحبلك المتين، وكان من عبادك المخلصين، اللهم ارحمه فقد كان بعبادك رحيمًا، اللهم أكرمه فقد كان بينهم كريمًا، وشفع به سيد خلقك فقد كان لسنته خادمًا، ولمنهجه تابعًا ومطيعًا، اللهم وبارك له ببركة كتابك فقد كان له حافظًا ومحفظًا ودليلًا، اللهم جازه بالحسنة إحسانًا وبالسيئات عفوًا وغفرانًا، اللهم وارحمنا إذا صرنا إلى ما صار إليه، فإنا نشهدك يا الله على حبك وحبه وحب كل من يحبه.
رحمك الله يا أبا عبد الله، رحمك الله فقد نذرت نفسك لتحقيق صفاء العقيدة وخدمة الشرع والشريعة.
تقلدت مناصب الحكم والقضاء والدعوة والإفتاء، وتميزت في إدارة المجالس والمجامع، بالتأكيد على الاعتماد على الدليل والحرص على منهج اليسر والتيسير، وكان خيارك دائمًا يسروا ولا تعسروا يسر الله حسابك، وسهل على المسلمين سلوك طريقك ومنهاجك.
رحمك الله فقد حفظت كتاب الله وسنة رسول الله من عبث الأهواء وتصارع المذاهب والآراء، ونأيت بهما عن الخلافات الشخصية والمناحي السياسية، وخاطبت صاحب كل رأي يحتمل الصواب، وكل من بلغكم عنه ما يخالف الحق والصواب.
وكنت - رحمك الله - مدرسة في بعد النظر، شديد التحري في النقل والخبر، فكم رددت على مسامع الناقلين كلماتك الحلوة والمرة: "اتهم نفسك قبل أن تتهم غيرك، فقد يكون الخطأ فيما عندك، أو فيما بلغك".
رحمك الله فقد كنت الحريص على النصح والنصيحة، والبعد عن التشهير والفضيحة، كنت عفيف اللسان سليم السريرة طاهر الوجدان،، فما ظلمت وما أسلمت وما خذلت.
رحمك الله فقد حفظت للولاة حقوقهم، وشاركت الدعاة همومهم، فما أحرجت ولا أحرقت.
رحمك الله يا من بذلت مالك وجاهك ووقتك لخدمة الإسلام والمسلمين، وفتحت بابك وصدرك وقلبك للمحتاجين فما بخلت ولا ندمت.
رحمك الله يا من أطعت الأمراء، وقدرت العلماء، وأكرمت الشرفاء، وأطعمت الفقراء، يا من عمرت بيوت الله بالعلم والبناء والذكر والدعاء، وخدمة دعوة الله في السراء والضراء.
نسأل الله أن يعظم لك الأجر، ويجزل لك الجزاء.
كم لك يا أبا عبد الله من سجل مشرف في البذل والعطاء!، وكم تستحق من كل محب ومنصف من تسجيل المحاسن والثناء!، ولكن حسبنا الله أن نتوجه إلى الله بالدعاء بأن يجزيك عن كل ذلك أحسن الجزاء، وأن يضاعف حسناتك ويتجاوز سيئاتك، وأن يخلف على الإسلام والمسلمين خيرًا، فإلى جنة الخلد أيها الرجل التقي، وصاحب الثوب النقي، إلى لقاء من خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملا، وإلى لقائك نسال الله ألا يخيب لنا أملا، وأن يجمعنا وإياك في دار الخلد مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا. [1]
  1. جريدة الجزيرة، السبت 30محرم 1420هـ.