تبكي المنابر لما غاب فارسها

للدكتور حمد بن عبدالله المنصور
خطبٌ ألَمَّ بنجدٍ قضَّ مضجعها فانهدَّ من وقعه سلمى ونجران
والشرق قد لفَّه حزنٌ فأرَّقه وللجنوب أنينٌ فهو ثكلان
مات ابن باز فقيد المسلمين فما للناس حول ولا صبر وسلوان
إلا بموت الذي من بعده انقطعت من السماء أحاديث وفرقان
يبكي الحجازُ فقيهًا قلبه ورع ويندب الحظَّ محرابٌ وأركان
يبكيه مسجدُ خير الخلق كلهم تبكيه مكةُ والأقصى وتطوان
تبكي المنابر لما غاب فارسها فقوله فوقها فصلٌ وتبيان
في كل شبرٍ عليه مسلم سكبت دمعٌ وقد أضرمت في القلب نيران
دار القضاء عليه لا مردَّ له وفي الرضا بقضاء الله إيمان
فأُسقي الشيخ كأسًا للردى نُشرت من بعده لغزير العلم أكفان
يقدر الله آجال العباد فذا حوض المنية بالآجال ملآن
فأين أفضل خلق الله كلهم وأين عبس وشداد وذبيان
يا عين جودي عليه بالدماء إذا ما شحَّ دمعٌ وماء العين هتان
نوحي على الفضل قد واراه لاحدُه والخلق من حوله شيبٌ وولدان
لو بثَّ حزنك في كل البلاد لما نام الليالي قرير العين إنسان
تلك المصيبة أنست ما تقدَّمها وما لها من طوال الدهر نسيان
لأنها نكأت قرح الفؤاد وقد أودت بنا ثلمة وانهدَّ بنيان
لولا النياحُ حرام ناح نائحنا على فقيد التُّقى فالكل حزنان
على فقيدٍ لدين الله دعوته فتواه للناس بالأحكام برهان
مصادر الشرع في الفتوى موارده وفي الدليل أحاديث وقرآن
بحرٌ من العلم قد فاضت جداوله لترتوي منه قيعان ووديان
بنى صروحًا وأرسى دار معرفةٍ أضحت عليها أكاليل وتيجان
في كل منبر فكرٍ صوته لجب بالحق يصدع لا يُخفيه كتمان
قد بزَّ أحنف قيسٍ في رزانته وليس في قلبه حقدٌ وأضغان
حلمٌ وفضلٌ وأخلاق ومعرفة طلق المحيا إذا يلقاك جذلان
الله أكبر يُخفي العلمَ في حفرٍ كأنَّه حلم يحكيه وسنان
جادت عليه شآبيب الرِّضا وله في جنة الخلد رضوان وغفران[1]

  1. صحيفة الرياض، عدد (9731)، بواسطة: سيرة وحياة الشيخ ابن باز، لإبراهيم الحازمي (4/ 1472- 1475).