لوعة

محمد بن علي المحمود
أيا أمة أودى الرَّدى برجائها وزال بباقي صبرها وإبائها
دهتها على هول الخطوب مصيبةٌ تعوذ بربِّ العرش من نُظرائها
غداة نعى النَّاعي العلومَ وصوّحت رياض الفتاوى بعد طول بهائها
قضى نحبه لم يرضَ إلا بعيشةٍ يرى ما بها من شدَّةٍ كرخائها
لعمرك إني يوم ساروا بنعشه لباكٍ بعين شرفت ببكائها
على مثله تبكي العيون إذا بكت على ميت لكن بفيض دمائها
بكاه بنو الإسلام طرًّا وأيقنوا بأن بكاء النفس بعض دعائها
فكم مقلة حوراء جلَّت دموعها إذا ما رنت أغضت لفرط حيائها
بكتك ولم تعلم بعلمك إنما دعاها إلى الأحزان حُسن اقتدائها
وباكية بالغيب ودَّت لو أنها فدتك بأحنى الشيب من كبرائها
وأشمط قوام دعا لك دعوة سوى والديه لم يفز برجائها
فيا علم الأعلام تبكيك أمةٌ تعدك في الجلى سفين نجائها
تحمَّلتَ أعباء الصدارة صابرًا ولما يطقها الصيد من علمائها
وكنتَ لها زينًا وشرفت قدرها إذا اختال مزهو بأبهى ردائها
فكم من رجالٍ في جدال تناضلوا قطعت بقول الحقِّ زور مرائها
سقى الله أحداثها بمكة جاورت ثراك فأنت اليوم بعض جزائها
وشفعك الرحمن فيهم فإنني أرى النفسَ ترقى للعلى بإخائها
إلى جنة الفردوس من بعد شربةٍ من الحوض لا تظمى بعيد احتسائها
ستلقى بها المختار ما بين آله وأصحابه نورًا سما بفضائها
يسر أبو بكر وعثمان والذي بخيبر أمسى رافعًا للوائها
ويستبشر الفاروق إذ قيل قد أتى أخو سنةٍ مستوثق بصفائها
رجونا لك الخيرات حبًّا ولم نقل بعزم ولم نعلم بسر قضائها
بكى المسجد الأقصى حنينًا كأنما بكى أمةً قد كنتَ رمز علائها
وناحت مراثٍ لا تُعدّ وإنما هي اليوم أغلى الدمع من شعرائها
قوافٍ كأبكار الكواعب ألبست ثناءك فاختالت بحُسن ثنائها
نُعلل في هذي الحياة وإنما نغرّ بها من بعد طول بلائها
ولو لم يكن للموت فيها مواعظ لأوجب أن نعنى بكشف غطائها
فكيف ولم تكتم حديثًا ولم تقل بخلدٍ فهل من سامعٍ لندائها
ألسنا هباء في الحياة وبعدها شغلنا على علمٍ بأدنى هبائها
ولو كانت الآجال تُدفع بالبكا لكان بكاءُ النفس قبل فنائها
ولكنها بين الجوانح لوعة إذا ذهبت أبقت عقابيل دائها
فصارت على الأيام ذكرى أحبة إذا ذكروا تسخو العيون بمائها[1]
  1. صحيفة الرياض، عدد (9731)، بواسطة: سيرة وحياة الشيخ ابن باز، لإبراهيم الحازمي (4/ 1884- 1887).