في رحاب الله أيها الشيخ الجليل

عبدالإله علي حمزة
سوداني مقيم بالقصيم
 
ودعت الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها عالمًا من علمائها، وداعية من دعاتها، ألا وهو الشيخ عبدالعزيز بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية.
فقدته الأمة إنسانًا ومصلحًا وعالمًا ومفتيًا وقاضيًا رفع ذكره في الدنيا، فما من مسلم لا يعرفه، نسأله تعالى أن يرفع ذكره في الآخرة، فقدته الأمة حاميًا لعقيدتها من تأويل المبطلين، وتحريف المرجفين.
عرفت أيها الشيخ الوقور بعلمك الجم، وخلقك الفاضل، ونظرتك الثاقبة، وحسن معاملتك مع الصغير والكبير، والعالم والمتعلم، والعامي والمعروف، والبعيد والقريب، تفيد المتعلم، وترشد الجاهل، فقدك الضعفاء والمساكين والأيتام والأرامل محسنًا لهم، منفقًا بأيد بيضاء لا تعرف المن والأذى.
أيها الشيخ لن تنساك حلقات علمك في جامع الديرة بالرياض، والكلم الطيب يتقاطر من فمك شهدًا من بحر علمك الوفير، لن ينساك طلاب العلم الذين كانوا يلتفون حولك وقد أتوا إليك من كل فج عميق، مازالت نبرات صوتك في الأسماع، صوتك الخاشع الذي يهمهم بالتسبيح والتحميد وأنت تجيب على فتاوى المسلمين من جميع أنحاء الدنيا عبر برنامج (نور على الدرب) عبر إذاعة الرياض.
كنت أيها الشيخ كريمًا متواضعًا تجيد أدب الحديث والاستماع، والعناية بشؤون المسلمين وقضاء حوائجهم، تبكيك مجالس العلم ودروس المساجد ودور العبادة، فقد كنت لها عامرًا وعليها مقبلًا، كم صعدت منها نفحات القدس، وأنوار الكتاب العزيز.
وكم زخرت بالرواد الركع السجود، يبكيك عشاق أحاديثك العذبة، وروحانياتك الغامرة، ولفظك المؤثر الجميل.
تفقدك الملائكة التي تحف مسجدك وتكتب روادك وتصعد جهدك وعرقك في سبيل دينك، تبكيك الحنيفية المحارَبة التي كنت لها سندًا، والملة المطاردة التي كنت لها مؤيدًا ونصيرًا، ويبكيك المخلصون في العالم المحبون لربهم المتلهفون لنصرته، وقد لمسوك فواح العلم راعيًا للمستضعفين المهملين عطاء للمحرومين الجاهلين.
يرحاب الله يا بحر العلوم والمعاني والحكم، في رحاب الله أيها العالم، يا بحر العلم الرباني العابد المتفاني صاحب الخلق العظيم والأدب الجم الرصين.
رحمك الله رحمة واسعة أيها الشيخ الجليل، ففقدك خسارة للإسلام والعلم والدعوة وللمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فقد كنت شهابًا في سمائهم، وقمرًا في ليلهم، وشمسًا في نهارهم، وضياء للعلم والحقيقة، ودعت الدنيا أيها الشيخ وأنت تقوم الليل مسبحًا لله عابدًا له، والابتسامة لا تفارق محياك، وأنت في السكرات وما الجموع التي ودعتك بمكة المكرمة إلا لحبها لك وإجلالها لك.
انظروا كيف تخمد الأنوار انظروا كيف تسقط الأقمار
رحمك الله أيها الشيخ بقدر ما قدمت لدينك وأمتك، وإنا لله وإنا إليه راجعون. [1]
 
  1. جريدة الجزيرة، الأربعاء 4 صفر 1420هـ.