لم ينس آلام ومصائب المسلمين

محمد بن عبدالله المجلي
ملازم قضائي بالمحكمة الكبرى بالرياض
 
الحمد لله وحدة، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، وبعد:
فإنه لمصاب جلل وخطب عظيم أن توفي شيخنا ووالدنا الإمام الراسخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - وجعل جنان الفردوس مأواه، فإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرًا منها.
إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا شيخنا لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.
وإن قلبي لايزال يبكي حزنًا وتالمًا لفراق ذاك العلم الجهبذ، والعالم الفريد، الذي نذر نفسه وحياته كلها لخدمة هذا الدين والقيام على مصالح المسلمين، فلقد كان - رحمه الله - ذا همة عجيبة وعمل دؤوب وصبر جميل.
شمل همه كل المسلمين، فتجد في بيته الفقراء والمساكين، دهماء الناس وكبراؤهم، وطلبة العلم والعلماء، فهذا يريد مالًا وهذا طعامًا وهذا يستفتيه وهذا يستشيره وذاك يطلب على يديه العلم وآخرون يريدون تزكية أو توصية أو شفاعة وغيرهم كثير، فتجده - رحمه الله - فاتحًا قلبه للجميع لا يرد أحدًا ما استطاع.
وغير ذلك فإنه لا ينسى المسلمين في أنحاء العالم يتألم لألمهم، ويحزن لمصابهم، ويعينهم ويحث على إعانتهم، ففي كل باب خير له سهم.
فهنيئًا له ثم هنيئًا له, كم من الأجور تجري له بعد موته، وكم من الدعوات تسدى له قبل وبعد رحيله.
وإن الناظر إلى أعمال الشيخ ومآثره يعلم علم اليقين عظم المسؤولية التي خلفها ليتحمل عبأها من بعده من طلبة العلم والعلماء، فيا شيخنا لقد أتعبت من بعدك.
ويا طلبة العلم أسال الله أن يعينكم على القيام بهذه المسؤولية، وإعطائها حقها من الإخلاص والصبر والاجتهاد، وأنتم أهل لذلك إن شاء الله.
وإن مما يجدر التذكير به بعد وفاة شيخنا الإمام أمور كثيرة منها ما يلي:
  • الحرص على نشر العلم الشرعي بين طلاب العلم خاصة والناس عامة، وبذل الجهد في ذلك مع الاحتساب والإخلاص وإضفاء الجو الإيماني على الدرس أو المحاضرة، وتعليق القلوب بالله عز وحل لتستشعر عظمته.
  • التمثل بالقدوة الحسنة في كل الأمور للناس عامة ولطلبة العلم خاصة، حتى يرى الناس علماء ربانيين، يتضح عليهم سمت علمائنا من السلف الصالح.
  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل مكان، وأن لا تأخذنا في الله لومة لائم.
  • الالتزام بالمنهج الصحيح منهج السلف الصالح في الاتصال والتعامل مع ولاة الأمر ومن ذلك طاعتهم في المعروف والدعاء لهم بالخير والصلاح والتوفيق ومناصحتهم على الوجه الشرعي، وعدم الياس من الإصلاح.
  • التفاعل مع جميع قضايا الأمة الإسلامية وإيضاح الرأي السديد فيها.
وإني والله لأعلم أني لست كفؤًا لبيان ذلك لكم يا طلبة العلم ومقامي أقل من ذلك، وأعتذر لكم عن الخطأ في العبارة، مع علمي أن هذا مما لا يخفى عليكم، وإنما ذكرته من باب التعاون على البر والتقوى وقوله تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55]، أسال الله تعالى أن يغفر لسماحة شيخنا، وأن يحفظ علمائنا ويهديهم إلى التمسك بمنهج السلف الصالح، وأن يرزقهم الصلاة في الحق، وأن يجعلهم مصابيح خير وهدى لأمة الإسلام هو ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين. [1]
 
  1. جريدة الجزيرة، الجمعة6 صفر 1420هـ.