الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع

قال فضيلة الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع:
"إن الحديث عن سماحة شيخنا الجليل تنشرح له الصدور، وتتفتح له النفوس، ويحلو بذكره اللسان، فقد كان لي مع سماحته أكثر من علاقة، أهمها وأحلاها علاقتي به شيخًا كريمًا، لقد درستُ على يد سماحته في المراحل الدراسية الثلاث: الثانوية، والجامعية، والدراسات العليا في المعهد العالي للقضاء، فاستفدتُ من علمه الغزير، وفقهه الواسع، وأدبه الجم في التعليم والتعلم، الشيء الذي أعتزّ بتحصيله من سماحته.
وعملتُ مع سماحته وتحت رئاسته في الرئاسة العامة للإفتاء والبحوث والدعوة والإرشاد، فكنت نائبًا عامًّا لسماحته في الرئاسة لمدة عامين، وقد كنتُ قبل ذلك عضوًا في اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء تحت رئاسته، ثم تشرفتُ بالعمل مع سماحته في هيئة كبار العلماء، فكان - رحمه الله - نعم الشيخ معلمًا وموجّهًا وناصحًا وحريصًا على الاهتمام والعناية بطلابه، فلقد أخذنا عنه - رحمه الله - العناية بالدقة في إصدار القرار: الحكم أو الفتوى أو الرأي، وأخذنا عنه المرونة في النقاش وتبادل الآراء، والوقوف عند الحقيقة، والبعد عن التعصب للرأي، حيث كان - رحمه الله - يُقرر رجوعه إلى رأي الأكثرية من زملائه وإخوانه وأبنائه في بحث أمرٍ يكون له فيه رأي مخالف، فيرجع ويقول: "اللهم اهدنا فيمَن هديت"، وذلك حينما يظهر له رجحان الرأي المخالف له.
وكان - رحمه الله - نِعم الرئيس في العمل: نصحًا، ورأفةً، ورحمةً، وتقديرًا لزملائه وتابعيه في العمل، ويرعى حقوقهم، ويحترم مشاعرهم، ويُقدِّر جهودَهم، ويكره الحديثَ فيهم وعنهم مما يكرهون، وقد قال لبعض الناس حينما كان يتحدث في حقِّ موظفٍ تابع له: "اتركوا لي عمالي"، ولا يألو جهدًا في سبيل تحقيق مصلحةٍ لأحد موظفيه إذا كانت لا تتعارض مع المصلحة العامة.
وكان - رحمه الله - نعم المشارك في المسائل والبحوث العلمية، فبالرغم من جلالة قدره، ورفعة مكانته العلمية، وإقرار الجميع بفضله وفقهه وغزارة حصيلته العلمية، فهو لا يتعصب لرأي إذا كانت المسألة موضوع البحث مما للاجتهاد فيها مجال، ويُحب أن يسمع الرأي في المسألة من كل مشتركٍ معه في البحث من غير تفريقٍ بين كبير وصغير، ولكنه حينما يظهر له فيها رأي يعتقده فهو يتمسَّك به، ولا يرجع عنه إلا بمبرر شرعي ظاهر.
وقد ضرب - رحمه الله - رقمًا قياسيًّا في كرم النفس وكرم المال لم يُجاره في ذلك أحد من العلماء المعاصرين فيما علمنا.
ولقد ذكر لي أحد المختصين بشؤون نفقات بيته أن نفقاته اليومية تتجاوز الألفي ريـال، ولهذا ما من عام ينصرم إلا وعليه ديون، والحكومة - أعزها الله - تُدرك ذلك من سماحته، فتقوم بسداد ديونه؛ لأنها تعرف أنه وجهٌ مُضيء للبلاد في كرمه وخلقه وعلمه ونصحه وتقواه، وإجماع الناس على تقديره وحبّه.
وهو - رحمه الله - إنسان يتمتع بصفات الإنسان الفاضل من حيث نظراته إلى بني جنسه، بغض النظر عن العرق والجنس واللون، فهو يُحب الإنسان من حيث هو إنسان، يرى فيه عوامل إكرام الله إياه، فيأمل من كل إنسانٍ أن يُدرك حكمة وجوده في هذه الحياة، فيعرف قدر حقّ ربه عليه؛ ليكون من هذه المعرفة قادرًا على تحصيل أسباب السعادة في الدنيا والآخرة.
فهو - رحمه الله - لا يألو جهدًا في سبيل مناصحة أي إنسانٍ على أن يسلك الصراط المستقيم؛ ليكون بذلك لبنةً صالحةً لبناء المجتمع الإسلامي النبيل.
ولقد تقلّد القضاء - رحمه الله - في آخر شبابه ومستهل كهولته، فكان نعم القاضي العادل، ونعم القاضي العالم، ونعم القاضي المرضي، فما من حكمٍ يصدر من سماحته في قضائه إلا هو موضع التسليم والرضى والقناعة من طرفي الخصومة، لما يتمتع به - رحمه الله - من القبول لدى الجميع، والقناعة به من الجميع، والاطمئنان إلى ما يحكم به من الجميع". [1]
 
  1. مجلة الدعوة، عدد (9725)، بواسطة: الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، لعبدالرحمن الرحمة (295-297)، سيرة وحياة الشيخ ابن باز، لإبراهيم الحازمي (472/1-475).