الحاضر الغائب

للدكتور زاهر بن عواض الألمعي
رحلت وباب الحزن للناس مشرع وجرح الأسى يفرى القلوب ويصدع
وكم للرزايا من جراح أليمة وجرحك في الأعماق أدهى وأوجع
ففي كل بيت مأتم ورزية وفي كل قطر حل خطب مروّع
وعمت بلاد المسلمين انتحابة تغض بشجواها النفوس وتُجزع
دها الخطب ما في النفس من عزماتها فجاشت وما للصبر في النفس موضع
وخارت قوى بالأمس كانت عنيدة ولو أنها تبني القرار وتصنع
ولكن هول الخطب أقوى رزية وأبلغ في صدْع القلوب وأسرع
مقامك أغلى في النفوس مكانة وحبك بين الناس أسمى وأرفع
لأنك كالبدر الذي في سمائنا تضيء علومًا بالحقيقة تسْطع
وأنت الندى والحلم والعلم والتقى وأنت لدور العلم ركن ومرجع
وأنت لداعي الخير أذن مجيبة وأنت لداعي الشر تنهى وتردع
وأنت لأرباب الحوائج مقصد بما يسْبغ المولى عليك ويوسع
فكل يتيم في رحابك مؤْنس وكل فقير في جوارك يطمع
وكل جهول يجْتذي منك جذوة تضيء له درب الرشاد وترفع
وإن حلَّ بين الناس شؤْم وفتنة فأنت الطبيب الماهر المتضلّع
صبور على اللأواء في كل موقف وتعرف ميزان الأمور وتبدع
رحلت وطلاب السماحة والنهى لهم منك نبراس يضيء ويلمع
رحلت فدار العز بعدك موحش ومكتبك الميمون ينعى ويفزع
ومسجدك المضياف قفر مكتم وهاتفك الآلي حزين مروّع
وقد كان لا يهدأ وصالًا ونجدة ويقرب من كفيك يدنو ويهرع
تواسي به المضطر علمًا وحكمة وتهدي به الحيرى وبالحق تصدع
وحولك كتاب كرام أفاضل وكلّ لما تمليه يصغي ويسمع
جُبلت على حب المكارم والنهى وأنت بفعل الخير للناس مولع
فيا راحلا والناس حولك هرّع لقد فقدوا الصبر الجميل وودّعوا
يسيح غزير الدمع في وجناتهم وأكبادهم من لوعة تتمزّع
ولو كانت الآجال تشرى تواثبت إليك جموع تفتديك وتسرع
ولكنها الآجال وعد محدد وكل لمثواه الأخير سيودع
جزاك الإله الحق عن كل مسلم ثوابًا وأبقى علْمك الثّر ينفع
هنيئًا بما قدمته في حياتكم سيخلد في الأجيال كالغيث يمرع
فأنت الإمام الفذّ والعالم الذي به ترعوي مرضى القلوب وترجع
وإن عزاء المسلمين تراثكم وسيرتكم بالعلم تزهو وتنصع
وبعدك من يهدي الطريق بحكمه ويأسو جراح المسلمين ويجمع
يقوم على الفتيا فقيه مكرّم جليل وبالمعروف يسعى ويبدع
ألا إنه ( عبد العزيز ) وإنما له من تفانيكم حظوظ ومرجع
فيا غائبًا عنّا وإن كنت حاضرًا مآثرك الجلّى تلوح وتطلع
سلام عليك الدهر ما ذّر شارق وما سحّ من فقد الأحبّة مدمع[1]
  1. إمام العصر لناصر بن مسفر الزهراني (513).