الدكتور عبدالحي يوسف

قال الدكتور عبدالحي يوسف - رئيس قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم:
" (لقد دُفن اليوم علم كثير) كلمة قالها حبر الأمة عبدالله بن عباس يوم مات زيد بن ثابت تذكرتها حين سمعتُ نبأ وفاة العالم الجليل والشيخ الفاضل عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله وغفر له - لقد مرَّ بخاطري شريط حياة الشيخ المباركة: تفسيره للقرآن، تدريسه للحديث، حلقات العقيدة، وتعليم المواريث، برنامج نور على الدرب، جلسات مجمع الفقه الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي، المؤلفات النافعة، المجالس الجامعة .. حياة حافلة بالدعوة، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، مع حمية للدين، وذبّ عن حياضه، وصدّ لتأويل الجاهلين، وتحريف الغالين، وانتحال المبطلين.
عالم كالشيخ عبدالعزيز - رفع الله مقامه في عليين - يتحدث عنه أترابه ونظراؤه من العلماء العاملين والجهابذة الناقدين، وما مثلي أهل لذلك، فقد كان الشيخ - رحمه الله - بحق علامة الدهر، وحافظة الزمان، ضبطًا وإتقانًا، وحُقّ لأمته أن تفتخر به، وتباهي به الأمم، ولا أحرم نفسي شرف الحديث عن عالم كبير، ونحسبه ولا نزكيه على الله من أولياء الله الصالحين الذين نتقرب إلى الله بحبهم، ونستمطر رحمته بذكرهم، وهاهنا أستحضر الآتي:
  • وأنا طالب علم صغير بالمدينة المنورة أرى الشيخ - رحمه الله - في المسجد النبوي بعد صلاة العشاء ومعه مرافق، فأستوقفه لأسأله عن قضيةٍ أشكلت عليَّ في تفسير القرآن، فما أجد منه إلا تواضعًا جمًّا، وأدبًا رفيعًا، وعلمًا غزيرًا.
  • في اليوم الذي بعده وأنا في طريقي لصلاة الفجر بالمسجد النبوي المبارك والشيخ يسير بصحبة مرافقه، إذا بسائق سيارة أجرة بدوي يلمح الشيخ فيترك سيارته مسرعًا يُسلم عليه ويُقبل رأسه، والشيخ يدعو له بخير، قلت: سبحان الله! ما ترى سرّ هذه المحبة التي قذفها الله في قلوب عباده نحو هذا الشيخ الجليل؟
  • يحدثني أحد إخواننا ممن كان يعمل داعيةً إلى الله في بعض البلاد مبعوثًا من قبل رئاسة البحوث العلمية والدعوة والإفتاء والإرشاد: أنه أُبعد من تلك البلاد نتيجة بعض الوشايات، فذهب إلى الرياض ومعه زوجه وعياله، وتمكن بعد أيام من مقابلة الشيخ، حيث شكا إليه ما لقي من أذى، فسالت دموع الشيخ - رحمه الله - وأصرّ أن يأتي ذلك الرجل بأهله لينزلوا ضيوفًا على الشيخ في بيته ريثما تتم إجراءاته، فلما أبى صاحبنا أقسم الشيخ أن تكون نفقات إقامته في الفندق على حسابه.
وهكذا كان - رحمه الله - برًّا، كريمًا، رؤوفًا، رحيمًا، حَفِيًّا بطلاب العلم، سليم القلب تجاه المسلمين أجمعين، يسعى في مصالحهم، ويدأب في النصح لهم، حتى كتب الله له القبول والمحبة في قلوب الناس؛ مَن وافقوه ومن خالفوه، فلا تجد شائنًا للشيخ إلا جاهلًا به، غير عارفٍ بفضله".[1]
  1. سيرة وحياة الشيخ ابن باز، لإبراهيم الحازمي (417/1-419).