عنايته بالفقه

كان الشيخ ابن باز - رحمه الله - من العلماء المجتهدين والفقهاء المحررين المتجردين للدليل، يدور معه حيث وجوده ويأخذ به عند حصوله، وإن كان مذهبه الفقهي حنبليًّا لكنه لا يتقيد به عند ترجيحاته، بل منطلقه، ومآله الأخذ من الدليل، والاستنباط منه، وفق القواعد الشرعية، والضوابط المرعية.

أولاً: عنايته - رحمه الله - بالفقه:
لا شك أن الشيخ - رحمه الله - كان على رأس الفقهاء في هذا الزمان، فقد قضى زمنًا طويلًا من عمره تدريسًا للفقه وإقراءً له، وبحثًا في مسائله، وقضاء به بين الخصوم، ومفتيًّا للعامة والخاصة في كل ما يعرض لهم، حتى تبوأ الإمامة في الفتوى أكثر من ربع قرن من الزمان.
و"لئن كان الفقه هو الفهم والإدراك للمعنى القائم على دلالة النقل ومقصد الشريعة ومراعاة الحال وتغير الزمان والمكان، فإن سماحة الشيخ - رحمه الله - ممن عني بالفقه التام بجميع صوره وأشكاله، ولم يكن في فقهه مجرد ناقل للأقوال، يتبع آراء الفقهاء وكلامهم دون تمييز، وينقل أقوالهم دون تمحيص، بل إن منهجه في الفقه جمع بين أمرين:
الأول: الاعتناء بالنصوص وحفظها ومعرفتها والعناية التامة بأقوال الصحابة والتابعين عليها واستنباط الأحكام منها دون الميل إلى الشذوذ والانفراد ما أمكنه إلى ذلك سبيلًا، ولهذا لا تعلم له فتاوى شاذة في الفقه وغيره من العلوم الشرعية.
الثاني: الاستئناس بأقوال الفقهاء والرجوع إلى كتب الفقه المعتمدة للقراءة والاستفادة منها ومعرفة موارد الاستدلال وتقديم أقواها حجة وبرهانًا وأقربها إلى مقتضى قواعد الشريعة، وهذه الطريقة جامعة مانعة؛ لأنها جمعت بين الطريقتين المشهورتين في الفقه:
الأولى: دراسة الفقه المذهبي، "المرتبطة بسلسلة المصنفات الفقهية في المذاهب، وما فيها من الموافقات والتصحيحات والتنقيحات والتقديمات، وتحديد المذهب، أو الصحيح من المذهب، أو نحوها من الروايات والأقوال.
مع المقارنة عند الحاجة بالمذاهب الفقهية الأخرى، وتحرير محل النزاع في المسألة، وثمرة الخلاف فيها، وما إلى ذلك من المباحث". [1]
الثاني: دراسة الفقه على طريقة المحدثين المرتبطة في أصولها بكتب المذاهب الفقهية، ثم بعد ذلك النظر في الأدلة والمدلولات والأخذ بالراجح وتقديمه على غيره، وإن كان في ذلك مخالفة للمذهب وخروج عن جادته، وهذه الطريقة هي التي سلكها، وذلك لما وهبه الله من أدوات الاجتهاد والرسوخ والمعرفة التامة والإحاطة الشاملة بالسنة النبوية وآثار السلف الصالح - رحمهم الله" [2].
يقول حمد بن إبراهيم الشتوي: "وهذه الطريقة التي يسلكها بعض الفقهاء المجتهدين، الذين وهبهم الله العلم بالسنة، وتمييزها، والقدرة على النظر المقالات، ومعرفة مسالك الترجيح، والدربة على ذلك.
وبعض الناس يظن أن الشيخ العلامة ابن باز -رحمه الله- قد سلك الطريقة الثانية هكذا ابتداءً، ويظن أنه يمكن لطالب العلم التفقه بها مباشرة، والذي أرى أنه لا يمكن التفقه الصحيح السليم من الشطحات والشذوذ، إلا بالجمع بين الطريقتين؛ الأولى، ثم الثانية إذا تأهل طالب العلم لها، وصار قديرًا عليها، وهذا هو الذي كان عليه سماحته؛ فقد بدأ التفقه على كتب أصحابنا الحنابلة، ثم صار بعد ذلك إلى التوسع في النظر في المقالات، والترجيح بين المذاهب". [3]
يقول - رحمه الله: "وأما ما جرى من الاختلاف بين أهل العلم في المذاهب الأربعة وغيرها، فالواجب أن يؤخذ منه ما هو أقرب إلى الصواب وهو القول الذي هو أقرب إلى ما قاله الله ورسوله نصًّا أو بمقتضى الشريعة". [4]

ثانيًّا مؤلفاته في الفقه:
من الأمور التي تدل على عنايته بالفقه مؤلفاته في هذا المجال، وإن كانت قليلة إلا أنها تدل على مكانته العالية في الفقه، ومنزلته السامية في الاجتهاد، ومن أهمها:
  • الإفهام في شرح عمدة الأحكام.
  • كيفية صلاة النبي ﷺ.
  • التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء الكتاب.
  • الفوائد الجلية في المباحث الفرضية.
  • أحكام صلاة المريض.
  • ثلاث رسائل في الصلاة.
  • كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
  • وجوب أداء الصلاة في الجماعة.
  • أين يضع المصلي يديه بعد الرفع من الركوع.
  • الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح.
  • حكم شرب الدخان وإمامة من يتجاهر به.
  • رسالتان موجزتان عن أحكام الزكاة والصيام.
  • شرح رسالة محمد بن عبدالوهاب في شروط الصلاة، وأركانها، وواجباتها.
  • فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة.
  • فتاوى عاجلة لمنسوبي الصحة.
  • فتاوى مهمة تتعلق بالحج والعمرة.
  • الجواب المفيد في حكم التصوير.
ثالثًا: درجته - رحمه الله - في الاجتهاد:
إن فضل الله علينا أن قيّض هذه الأمة عباقرة وأفذاذًا في شتى مجالات العلوم والآداب والفنون المختلفة، كما برز النوابغ في مجال الفقه والاجتهاد الإسلامي. [5]
"ولم تخل هذه الأمة من علماء أجلاء على درجة عالية من العلم والتقوى والفهم والبصيرة بلغوا درجة الاجتهاد، ومن هؤلاء الإمام العلامة الفقيه المجتهد الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - والذي كان على درجة عالية من الذكاء والفطنة والتقوى والخشية بالإضافة إلى غزارة العلم وسعة الأفق، فبلغ درجة الاجتهاد ورحل إليه الطلبة من سائر البلاد لتجرده من التبعية، ولأن هدفه البحث عن الحق الذي عليه الدليل ولو خالف بذلك أئمة المذاهب وغيرهم، لا من أجل الشهرة بل كان غرضه إرضاء ربه وخدمة دينه وبعث روح الاجتهاد في الأمة، وأنه أمر متيسر جدًّا لمن وفقه الله، وأخذ بأسبابه وتحصيل آلاته". [6]
وقبل ذكر درجة الشيخ - رحمه الله - في الاجتهاد نذكر ما ذكره العلماء في مراتب الاجتهاد حتى نعرف بذلك المرتبة التي حصل عليها الشيخ - رحمه الله - في الاجتهاد.
قسم العلماء مراتب الاجتهاد إلى قسمين رئيسيين:
"القسم الأول: المجتهد المطلق المستقل، والقسم الثاني: المجتهد المطلق غير المستقل.
فالقسم الأول: المجتهد المطلق المستقل:
وهو الذي استقل بوضع أسس مدرسة اجتهادية لنفسه، بإدراك وترتيب قواعد مذهبه دون تقليد أو تبعية لأحد، واستقل في وضع مبادئ أصولية عامة، يسير عليها في اجتهاده. واتصف هذا القسم بصفتين:
الأولى: الاستقلال بالقواعد التي استنبطوها.
الثانية: أنهم لم يقلدوا أحدًا لا في الأصول ولا في الفروع.
ومن هؤلاء المجتهدين المستقلين: فقهاء الصحابة والتابعين، وأئمة المذاهب الأربعة، والليث بن سعد، وأبو عمرو الأوزاعي، وسفيان الثوري وغيرهم.
وهؤلاء تعذر وجودهم بعد عصر الأئمة، وهم الذين استوعبوا القواعد والأسس العامة للاجتهاد ومناهج الاستنباط والإفتاء، وعليه فقد طوي بساط المجتهد المستقل وأفضى أمر الفتوى والاجتهاد إلى الفقهاء المنتسبين إلى أئمة المذاهب المتبوعة. [7]
القسم الثاني: المجتهد المطلق غير المستقل: وينقسم إلى طبقتين:
الطبقة الأولى: المجتهد المطلق المنتسب:
وهو الذي عنده الكفاءة على تأصيل الأصول وتقعيد القواعد واستنباط الأحكام وتفريع الفروع، فهو في الواقع كالمجتهد المطلق؛ لأنه وصل إلى ما وصل إليه المجتهد المستقل، من غير أنه يكون قد أسس ورتب لنفسه قواعد ومناهج للاستنباط، فهو لا يقلد إمامه في الدليل والحكم، غير أنه يستعين بكلامه في تتبع الأدلة والتنبيه للمآخذ.
ويتميز هذا الصنف من المجتهدين بما يلي:
  1. أنه يستقل بالنقد والترجيح عن إمامه.
  2. أنه يستحسن شيئًا مما سبق إليه إمامه ويستدرك عليه شيئًا.
  3. أنه يأخذ الأحكام من الكتاب والسنة.
  4. أنه غير مقلد لإمامه لا في المذهب ولا في دليله لاتصافه بصفة المستقل، وإنما ينتسب إليه لسلوكه طريقه في الاجتهاد.
    ويعتبر اجتهاد المنتسب كاجتهاد المستقل من حيث العمل به، والاعتداد به في الإجماع والخلاف [8] ....". [9]
الطبقة الثانية: المجتهدون المقيدون في المذهب، وهؤلاء ثلاثة مراتب، ولكن في الجملة لا يخرج اجتهادهم عن مذهبهم.
والذي استقر عليه رأي الأصوليين هو المجتهد المطلق، الذي حصلت له ملكة يقتدر بها على استنباط الأحكام من أدلتها، والتي لم ينص عليها إمامه ولا أصحابه من قواعدهم وأصولهم، فهو كالمجتهد المطلق في الشريعة الإسلامية، ولا شك أنه لم يخل عصر من العصور عن مجتهد مطلق منتسب متمكن من الاستنباط من مصادرها الأصلية بناء على القواعد والأصول المقررة في المذاهب.
وهذا مما يدل على أن باب الاجتهاد لا زال مفتوحًا إلى قيام الساعة، فهو الدليل القوي على قابلية أحكام هذا الدين العظيم لمواجهة كل التغيرات والاختلافات والوقائع.
وبعد ما سبق من توضيح مراتب الاجتهاد تتبين لنا درجة الشيخ - رحمه الله - في الاجتهاد، وأن درجته - والله أعلم - هي درجة المجتهد المطلق غير المستقل؛ فالشيخ حاز على مؤهلات الاجتهاد وشروطه التي وضعها العلماء فأتقنها دراسة وحفظًا وتطبيقًا. [10]
يقول الشيخ - رحمه الله - في وجوب الاجتهاد وخاصة في هذا العصر حيث إن السابقين لهم قضايا عصرهم ونحن لنا قضايانا المتجددة: "... التفقه في الدين والتماس حل المشكلات بالطرق الشرعية في المسائل التي جدَّت بين المسلمين، ولم يتكلم فيها الأوائل، فهذا حق وليس فيه مخالفة للسابقين واللاحقين؛ كلهم يوصون بتدبر الكتاب والسنة واستنباط الأحكام منهما، والاجتهاد فيما يعرض من المسائل المشكلة على ضوء الكتاب والسنة، وليس هذا تحديدًا مخالفًا للسابقين، ولكنه تجديد منطلق على منهج السابقين وعلى أصولهم". [11]
وهو - رحمه الله - لا يقلد الحنابلة في الدليل والحكم، بل يستعين بكلامهم في تتبع الأدلة والتنبيه للمآخذ، وأخذه من القرآن والسنة مباشرة، فهو مجتهد مطلق غير مستقل، وإنما ينتسب لمذهب الحنابلة في أصولهم بسبب نزعتهم الأثرية.
يقول - رحمه الله: "مذهبي في الفقه هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل وليس على سبيل التقليد، ولكن على سبيل الاتباع في الأصول التي سار عليها". [12]

رابعًا: شهادات العلماء له بالاجتهاد:
شهد لسماحته - رحمه الله - جُل علماء العصر ببلوغ رتبة الاجتهاد، وعلو مكانته في الدين، ورسوخه في العلم، ونقتطف من هذه الشهادات ما يلي:
قال الشيخ العلامة عبدالله بن عبدالرحمن البسام - رحمه الله - عضو هيئة كبار العلماء: "شيخنا ابن باز هو المستحق الآن للقب شيخ الإسلام والمسلمين ... فهو الداعية الكبير، وهو المفتي الأول في الداخل والخارج، وهو المرجع في كل شأن من شؤون الإسلام؛ لما حباه الله تعالى من إخلاص لدينه وأمته، ولما امتاز به من سعة علم وبعد نظر". [13]
وقال الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية: "وصاحب السماحة الإمام العالم العلامة، الحبر والبحر، والدنا وشيخنا عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله، أنموذج من هؤلاء، علم يتنسم الذروة في الرجال، ويعلو القمة في الأفذاذ، دينًا وورعًا وفضلًا، وكرمًا وجودًا، فعطاؤه تجلى عبر قنوات ثلاث - ثم ذكر الثالثة - وهي روح الاجتهاد والاستنباط المنبثقة من الفقه المتين والدراسة الواعية والفهم العميق والفكر المستنير، مع الإحاطة البينة بمقاصد الشريعة وأصولها، وقواعدها وضوابطها". [14]
 
خامسًا: الفتوى عند الشيخ ابن باز:
كانت فتاواه - رحمه الله - تلقى قبولًا كبيرًا من العامة والخاصة داخل المملكة وخارجها، لما كان يتميز به من المنزلة العلمية الرفيعة، والمنهج الفريد في الفتوى، والحرص على الصواب، والشفقة والرحمة بالخلق، لمس ذلك السائلون والسامعون والقارئون لتلك الفتاوى.

أبرز المعالم في منهجه في الفتوى:
  1. اتباع الدليل، ومجانبة التقليد.
  2. العناية بصحة الحديث: سندًا ومتنًا.
  3. الاعتماد على آثار الصحابة، وفعل السلف الصالح .
  4. الجمع بين الرواية والدراية.
  5. الاستدلال بالقواعد الأصولية، ورعاية مقاصد الشريعة.
  6. مراعاة العلل الشرعية للأحكام، وتغير أحوال الزمان والمكان.
  7. اعتبار القواعد الشرعية في التيسير، ورفع الحرج دون تساهل.
  8. الاستشارة في الفتوى، والاستفادة من أهل الخبرة.
  9. الأخذ بالاجتهاد الجماعي، والدعوة إليه.
  10. العالمية والاجتهاد في النوازل والمستجدات.
  11. التركيز على مسائل الاعتقاد.
  12. الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والأخلاقية.
  13. مزج الفتوى بالدعوة والتربية.
  14. الحرص على جمع الكلمة، ووحدة الصف.
  15. الدقة والإلمام بحيثيات المسألة، والتفصيل فيها.
  16. الوضوح والبعد عن الإغراق في الاختلافات.
  17. الورع والتوقُّف، والأخذ بالأحوط في المشتبهات.
  18. الثبات في الفتوى عند وضوح الدليل، والرد على المخالف.
  19. الأدب مع العلماء المخالفين، وإحسان الظن بهم.
  20. عدم الإنكار على المخالف في مسائل الاجتهاد التي لا نص فيها. [15]
هذه المعالم جعلت الناس يقبلون على فتاواه - رحمه الله - ويتلقونها بالقبول والترحيب والعمل والتطبيق، فكم حلت هذه الفتاوى من نزاع، وكم قطعت من خصومة، وكم أزالت من إشكال، وبصرت من جاهل، وأرشدت من عالم، فرحم الله الإمام العلامة ابن باز رحمة واسعة.
كما أن هذه الفتاوى اعتنى بها كثير من طلبته ومحبيه، وقد خرج منها شيء كثير، من أهمها:
  • مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 30 مجلدًا. أشرف على جمعه وطبعه: محمد بن سعد الشويعر.
  • فتاوى نور على الدرب وقد بلغت 22 مجلدًا. قام بجمعها وترتيبها: محمد بن سعد الشويعر.
 
سادسًا: مذهبه - رحمه الله - في مسائل الخلاف:
على الرغم من أن مذهبه حنبليًّا لكن منهجه في مسائل الخلاف الأخذ بما يترجح من مقتضى الدليل حتى ولو خالف مذهبه رحمه الله، يقول - رحمه الله - عندما سئل: هل لسماحتكم مذهب فقهي خاص؟ وما هو منهجكم في الفتوى والأدلة؟
قال - رحمه الله: "مذهبي في الفقه هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله، وليس على سبيل التقليد، ولكن على سبيل الاتباع في الأصول التي سار عليها، أما مسائل الخلاف فمنهجي فيها هو الترجيح ما يقتضي الدليل ترجيحه، والفتوى بذلك، سواء وافق مذهب الحنابلة أم خالفه؛ لأن الحق أحق بالاتباع، وقد قال الله : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء: 59]". [16]

أدبه في الخلاف:
كان - رحمه الله - عندما يتعقب الحافظ ابن حجر أو من ينقل عنه في بعض المسائل يبدأ بقوله: هذا القول فيه نظر، والصواب هو كذا وكذا، ويذكر الدليل على ذلك، أما إذا كان القول ساقطا أو باطلا ظاهر البطلان مجانبا للحق ومخالفا للدليل فإنه يقول: هذا القول ظاهر البطلان، أو هذا القول غير صحيح، أو لا يصح، قول باطل، أو ما إلى ذلك من العبارات. [17]
والنماذج كثيرة للشيخ ابن باز - رحمه الله، ومنها ما قال فيه: "قد ذكَر أخونا العلامة الشيخ ناصر الدين في حاشية كتابه المذكور ما ذكَر، والجواب عنه من وجوه:
الأول: أن جزمه بأن وضع اليمنى على اليسرى في القيام بعد الركوع بدعةٌ ضلالة - خطأٌ ظاهر، لم يسبقه إليه أحد فيما نعلم من أهل العلم، وهو مخالف للأحاديث الصحيحة المتقدِّم ذكرُها، ولستُ أشك في علمه وفضله وسَعَة اطلاعه، وعنايته بالسُّنة، زاده الله علمًا وتوفيقًا؛ ولكنه قد غلط في هذه المسألة غلطًا بينًا". [18]
 وهذه طريقة الراسخين في العلم، ومنهج السلف في مواطن الخلاف، يقول الإمام ابن تيميَّة: "وكانوا يتَناظرون في المسألة مناظرةَ مشاوَرة ومناصَحة، وربما اختلف قولهم في المسألة العِلمية والعمَلية، مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدِّين". [19]

هذه بعض الجوانب التي تدل على فقهه - رحمه الله، وعلو كعبه في هذا المجال، وما تركه من علم جم خير شاهد، وأوضح برهان على ذلك.
 
  1. الإبريزية في التسعين البازية، لحمد بن إبراهيم الشتوي (116).
  2. الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، لعبدالرحمن بن يوسف الرحمة (260-261).
  3. الإبريزية في التسعين البازية، لحمد بن إبراهيم الشتوي (117).
  4. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (310/2).
  5. انظر في ذلك: الاجتهاد المعاصر بين الانضباط والانفراط، للدكتور يوسف القرضاوي، (18، 21).
  6. الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، لعبدالرحمن بن يوسف الرحمة (278).
  7. انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم (162/4)، أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح (91)، وأدب الفتوى والمفتي والمستفتي، للنووي (25)، الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، للزحيلي (192)، الاجتهاد في الإسلام، لنادية العمري (173-176).
  8. انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم (163/4)، وأدب الفتوى والمفتي والمستفتي، للنووي (25)، والإنصاف في بيان أسباب الاختلاف، للدهلوي (19).
  9. الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، لعبدالرحمن بن يوسف الرحمة (278-280).
  10. انظر: المصدر السابق (277- 283).
  11. انظر: سيرة وحياة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، لإبراهيم الحازمي (1098/3، 1099).
  12. المصدر السابق (1094/3).
  13. الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، لعبدالرحمن بن يوسف الرحمة (267).
  14. المصدر السابق (406،404).
  15. انظر: بديع الطراز في معالم الفتوى عند الإمام ابن باز، لعبدالرحمن السديس (71- 165).
  16. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، لابن باز (166/4).
  17. الشيخ عبد العزيز بن باز نموذج من الرعيل الأول، محاضرة ألقاها: عبدالمحسن بن حمد العباد البدر، في الجامعة الإسلامية، من مكتبة الشيخ عبدالمحسن العباد (12) المكتبة الشاملة.
  18. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (138/11).
  19. مجموع الفتاوى، لابن تيمية (172/24).