ورحل الإمام

علي بن محمد العجلان
المدير العام لفرع وزارة الشؤون الإسلامية بالقصيم
 
الحمد لله المتفرد بالبقاء والدوام، القائل سبحانه في كتابه الكريم: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]، وأصلي وأسلم على إمام المتقين وقائد الموحدين وسيد المرسلين نبينا محمد القائل: جاءني جبريل فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ثم أما بعد..  فقد أصيبت أمة الإسلام هذه الأيام بفقد علم من أعلامها، وإمام من أئمتها، كرس حياته وعمره لخدمة الإسلام والمسلمين، وحمل هم الدعوة إلى دين الله وتوحيده، إنه إمام أهل السنة والجماعة في عصره، وشيخ الإسلام في زمانه بلا منازع؛ سماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز ذاك الحبر الجهبذ الألمعي الذي لمع اسمه وفعله في مشارق أرض الله ومغاربها دعوة وجهادًا ونصحًا وتوجيهًا وتعليمًا وزهدًا وورعًا وإحسانًا إلى الخلق بدون مَنٍّ ولا أذى، فسبحان الذي مَنَّ عليه بكل ذلك.
ولا غرابة في ذلك فقد نشأ - رحمه الله - في أحضان تلك الدعوة السلفية المباركة في نجد، حيث تتلمذ على عدد من أئمة الدعوة أمثال الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ، ومحمد بن عبداللطيف آل الشيخ، والشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، ومفتي المملكة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ الذي لازمه وانتفع بعلمه وفضله، أقول فَقْد الشيخ، خطب فادح، ومصاب جلل أصيبت الأمة الإسلامية بفقده ورحيله في وقت هي بأمس الحاجة إلى علمه وفضله وحكمته وبعد نظره لكن لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ [الروم:4]، وربنا حكيم عليم يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ولا معقب لحكمه، ولا راد لما قضى سبحانه، وهو الحكيم العليم الذي يضع الأمور في مواضعها.
لقد وفقني الله فكنت ممن شهد جنازته والصلاة عليه في المسجد الحرام؛ فرأيت الذهول والتأثر والوجوم في وجوه كل الناس على اختلاف طبقاتهم وأعمارهم وجنسياتهم، فكل منهم يرى أنه هو المصاب في ذلك الإمام، وتذكرت في ذلك الخضم الكثير من البشر مقولة إمام أهل السنة الإمام أحمد - رحمه الله: "موعدكم يوم الجنائز" فقد كان يوم الصلاة على الشيخ ودفنه يومًا مشهودًا عزى الناس بعضهم بعضًا، وأكثروا فيه من الدعاء لهذا الإمام.
لقد أصيبت المملكة جميعها بمصيبة بل رزئت أمة الإسلام جميعها بفقده؛ فهو علم لا كالأعلام وإمام لا كالأئمة وإن مما خفف آلام المصيبة وهول الفاجعة ما قام به ولاة الأمر - حفظهم الله - من اهتمام بالغ بهذا الحدث العظيم، ولا غرابة في ذلك فولاة أمرنا - حفظهم الله - وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده، وسمو النائب الثاني، وأمراء المناطق فقد تربوا على محبة العلم، والعلماء، وأهل الدين والفضل والخير، وتعظيمهم، وإجلالهم، وتقديرهم، وهذا سر اجتماع كلمة أهل هذه البلاد المباركة، والتفافهم حول قيادتهم، وتعاونهم، وتكاتفهم.
نسأل الله سبحانه أن يتغمد فقيدنا برحمته، وأن يلهمنا الصبر والسلوان، وأن يعوض المسلمين في خليفته خيرًا، ويحفظ سائر علماء المسلمين، ويحفظ على هذه البلاد المباركة أمنها وإسلامها، ويوفق ولاة أمرها لكل خير، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم. [1]
 
  1. جريدة الجزيرة، الثلاثاء 3 صفر 1420هـ.