رحلتَ وأمة الإسلام تشكو
أحمد بن صالح الصالح
| كبير أن تكون لنا المصابا | لقد متعتنا حججًا عذابًا |
| لقد أشبعتنا حبًّا وعلمًا | وكنتَ الزاد والشهد المذابا |
| ألست ضمير أمتنا أمينًا | ترد ضلال مَن في الغي شابا |
| وكنتَ بكل داعية حفيًّا | تُقوّم نهج مَن يرجو الصوابا |
| كبرت مجاهدًا ورعًا تقيًّا | مضيئًا في تألقه شهابا |
| ملأت سنين عمرك مستنيرًا | منيرًا حجة سمحًا جنابا |
| عظيمًا في تواضعكم حليمًا | بسطت لكل معضلة جوابا |
| رحلت وكنت ملء القلب أنسًا | وملء العين أصدقهم خطابا |
| لقد فزعت كل الناس حبًّا | فكيف وأنت أزمعت الغيابا |
| إمام العلم أوجعت المآقي | وحزنك أسبل العين انسكابا |
| رحلت وأمة الإسلام تشكو | من الأحداث أنكاها عذابا |
| تمور بهم مآسيهم وتبلو | عزائمهم وقد هابوا الصِّعابا |
| خبت روح الجهاد وبئس قوم | أمالوا عن جهادهم الركابا |
| لهم في كل ناحيةٍ شريد | ومصلوب وأيتام غلابى |
| أبا العلماء والفقراء إنا | نكاد نعيش دنيانا اغترابا |
| رحلتَ وفي القلوب هواك يسري | وحبك نبتة طابت وطابا |
| حللت شغافها حبًّا وعفت | عن الدنيا خلائقك احتسابا |
| بسطت لهم بعلمك فيض غيث | فجاء ألذّ ما عرفوا شرابا |
| وألقيت المهابة في جلال | على العلماء فأصبحتَ المهابا |
| وداعك في النفوس له أوار | وفقدك هزَّ من حزنٍ شبابا |
| أرى كرسيَّ فتواك استجاشت | به العبرات ينتظر الإيابا |
| ومحراب تعطره بآي | من الذكر الحكيم إليك ثابا |
| وطلاب تحروك اشتياقًا | تعلمهم وتلقيهم خطابا |
| أرى الجمع العظيم بكل فجٍّ | تسيل جموعهم فيه انصبابا |
| كأنهم إلى لقياك ساروا | لتسمعهم من التشريع بابا |
| وتفتيهم وتقرئهم دروسًا | وتمنحهم من العلم اللبابا |
| يتاماك المنابر مطرقات | ومَن عشقوا إلى العلم الكتابا |
| بذلتَ لهم مواعظ نيرات | أزالت عن بصائرهم حجابا |
| قلوب المسلمين تزف نعشًا | إلى مَن لا يُخيّب من أنابا |
| أرى الحرم الشريف يموج خلقًا | كأن هديرهم عجبًا عجابا |
| لئن رفعوا على الأكتاف نعشًا | فقد حملت قلوبهم المصابا |
| أليس إمام سنتهم مسجّى | وأن رحيله قد صار قابا |
| وأن له إلى الرحمن وفدًا | بإذن الله لن يخشى الحسابا |
| قلوبهم إذا يحثون تربًا | لتغبط في محبته الترابا |
| إمام العلم والرأي المجلي | لك العتبى ولم تأتِ العتابا |
| وداعًا يا حبيب الناس إنا | بفقدك نسأل الله الثّوابا[1] |
- سيرة وحياة الشيخ ابن باز، لإبراهيم الحازمي (4/ 1436- 1440).