في رثاء ابن باز
إبراهيم الحمد الجطيلي
|
نبأ يهز معالم الأبدان |
حدث يهز معالم البلدان |
|
مفتي الجزيرة قد أتاه كتابه |
فأجاب داعي الله ذي الإحسان |
|
أجل مقدر ليس يفرك ساعة |
يا رب ثبتنا على الإيمان |
|
تسعون عاما روضة دعوية |
في سائر الأزمان والأوطان |
|
في الخرج كان له مجال واسع |
ودروسه بالروح والريحان |
|
أما الرياض فلا تسل عن حاله |
الباب مفتوح بكل زمان |
|
كرم وعلم واهتداء واضح |
بُعْدٌ عن الإسفاف والعصيان |
|
من كل أرجاء البسيطة قد أتوا |
أحواض علم نهمة العطشان |
|
درس وغرس واجتناء ناضج |
بهداية المختار والقرآن |
|
والجاليات لغاتها قد ثبتت |
ومخاطب للناس كل أوان |
|
حتى النساء وجدن فيه كرامة |
ومعلم للخير والنسوان |
|
في المعهد العلمي كان موفقا |
متمسكًا بالنص والبرهان |
|
والجامعات تنورت بوجوده |
نور القلوب هداية الحيران |
|
أما الإذاعة قد تنور دربها |
بالشيخ بالإنصاح والتبيان |
|
وبمكة وبطيبة آثاره |
معروفة بالصدق والإتقان |
|
والمجمع الفقهي كان إمامه |
من غير ما حرج ولا بهتان |
|
أفتى وأوضح للأنام ورده |
نص وفص مزهر الأغصان |
|
ومناصح ومنافح ومجاهد |
للشيب والكهال والشبان |
|
ولدى الصحافة رده متوثق |
حلم وعلم واضح العرفان |
|
عبد العزيز وإن رحلت إلى الثرى |
فلقد بقى علم عظيم الشان |
|
في كل حج والدروس مضيئة |
وهداية الجهال والحيران |
|
في الطائف الشماء كان موجهًا |
بنصائح أغلى من العقيان |
|
وبهيئة العلماء كان وجوده |
لضرورة الإيضاح والتبيان |
|
والله يجبر كسرنا بمصابه |
ففراقه من أعظم الكسران |
|
والله فجر خسرنا بوفاته |
موت الفقيد يخرج الخسران |
|
يا أيها الملأ الكرام تمسكوا |
وتنسكوا للواحد الديان |
|
وتمسكوا إن الحقوق كثيرة |
وأمانة الأرواح والأركان |
|
يا أيها العلماء تلك تحية |
سجلتها باللطف والتحنان |
|
سيروا على هدي الفقيد فإنه |
هدي النبي مطهر الأدران |
|
وتعاونوا وتواثقوا وتماسكوا |
والعلم يشفي علة الأذهان |
|
ربوا الشباب على الهداية والتقى |
إن الغلو مواقد النيران |
|
قولوا لهم إن الديانة رحمة |
فيها النجاة ونهمة الولهان |
|
يا آل باز فاهنأوا وتهنأوا |
ميراث والدكم على الخفقان |
|
ولتجمعوا كل الفتاوى إنها |
ميمونة مسعودة العنوان |
|
فأبوكم تسعون عامًا عاشها |
في روضة الجنات بالإحسان |
|
الله يرحمه ويرفع قدره |
يوم الحساب تثقل الميزان |
|
تلك القصيدة قد كتبت حروفها |
سجلتها بالوزن والأوزان |
|
صلوا على خير البرية أحمد |
حوض النبي هناءة الظمآن |
|
فأنا الجطيل كتبتها سجلتها |
والحزن في الأعماق والوجدان |
|
عبد العزيز عليك رحمة ربنا |
والكل من أهل البسيطة فان |
|
والله يختم بالسعادة عمرنا |
حمدًا لربي منزل القرآن |
|
موت المعلم نكبة ومصيبة |
للعالمين وعزة الرحمن |
|
أي يا ابن قد غرست حدائقًا |
قد أثمرت في طاعة المنان |
|
كم بدعة أحسنت رد ضلالها |
من غير ما حرج ولا عدوان |
|
المسلمون بكوا جميعًا حينما |
سمعوا الفجيعة في رؤى الإعلان |
|
أفلا رأيت جنازة محمولة |
ودموعهم سالت على الأوجان |
|
إن المحبة للديانة رحمة |
والحب للعلماء ملتزمان |
|
ماذا أقول وكيف أرثي شيخنا |
والحرف يبكي حرقة الفقدان |
|
توحيده وحديثه وجوابه |
حجج القلوب ومتعة الآذان |
|
توجيهه تنبيهه تفقيهه |
بتكرم وتلطف وأمان |
|
وشفاعة وشهادة ووجاهة |
أرأيت كيف معالم البستان |
|
وإذا تكلم فالقلوب تفتحت |
لكلامه بالحب والوجدان |
|
إن كان قد فقد العيون فإنما |
قلب مضيء مشرق الأركان |
|
حجاج بيت الله بل عماره |
فجعوا بموت الشيخ يا إخوان |
|
حتى الدموع تحجرت وتخجلت |
الله أكبر يا عظيم الشان |
|
لو كان يبقى في الأنام مخلد |
لبقى النبي معلم القرآن |
|
هي سنة الرحمن جل جلاله |
تقضي الفناء على بني الإنسان |
|
الناس قد غفلوا وصاروا طعمة |
لمكائد العصيان والشيطان |
|
وكأنهم خلقوا ليبقوا ليتهم |
عرفوا الحقيقة دون أي توان |
|
سبحان من جعل المحبة رحمة |
بين الأنام بسائر الأوطان |
|
واخصص بها حب الديانة كلها |
شوقًا إلى النعماء والرضوان |
|
من حب من أجل الديانة صادقًا |
ميزانه متوقع الرجحان |
|
من حب من أجل النقود فإنما |
حب الهوى والأصفر الرنان |
|
عبد العزيز نحبه ونوده |
هذا الرثاء علامة التبيان[1] |
- جريدة الجزيرة، عدد (9735)، بواسطة: سيرة وحياة الشيخ ابن باز، لإبراهيم الحازمي (4/ 1387- 1394).