وداعًا جبل الإسلام
للشيخ عبدالله بن غالب الحميري
| أيا عين سحِّي بالدموع السواجم | وابكِّي على ركن العلا والمكارم |
| وجودي بوبل كالغمامة هاطل | على صرح علم قد هوى في التهائم |
| لعل انهمال العين بعد جمودها | يخفف من حزن على القلب جاثم |
| وعزي بني الإسلام شرقًا ومغربًا | بموت (ابن عبد الله) مفتي العوالم |
| إمام الهدى بحر الندى قامع العدا | وحامي حمى الإسلام من كل ناقم |
| سماحة مفتي المسلمين وشيخهم | وعلامة الدنيا بدون مزاحم |
| ورائد هذا الجيل تسعين حجة | يسدده من كل عادٍ وظالم |
| لقد رزئ الإسلام يوم وفاته | بفاجعة أنست جسيم العظائم |
| وكان مصابًا فادحًا دون وقعه | على أمة الإسلام قطع الصوارم |
| فلم تبكه هذي (الجزيرة) إنما | بكته الدُّنا في بدوها والعواصم |
| بكته إدارات البحوث ومن بها وهيئة | أرباب الشـــــــــيوخ الأكارم |
| بكته منارات الهدى في ربوعها | وناهيك عن دور القضا والمحاكم |
| وطيبة في شغل من الحزن شاغل | تروح وتغدو بين حزن ملازم |
| وأم القرى تبكي ومجمع فقهها | ورابطة الإسلام إحدى المعالم |
| بكاه الدعاة المخلصون جميعهم | بكاء الثكالى بين مبدٍ وكاتم |
| بكوا رجلًا قد كان في الفضل أمة | وخير مثال يحتذى في المكارم |
| بكوا جبل الإسلام والعلم والتقى | وأوحد هذا العصر من كل قائم |
| وحبرًا إذا استعصت على الحال كربة | أبان الذي يجلو وجوه المزاعم |
| وخير أب للمصلحين وعصمة | يلوذُ به الأبناء عند التخاصم |
| وكان محل الاتفاق وموضع الجلالة | عند العرب بله الأعاجم |
| وكان مثال الصدق والعدل والإخا | وداعية الإنصاف عند التظالم |
| وكان حليمًا واسع الصدر لم ير | جهولًا ولا يبني على زعم زاعم |
| ترى حوله الأفواج من كل بلدةٍ | يبثونه الشكوى وجور المظالم |
| فيوسعهم عطفًا ولطفًا ونائلًا | ويرفع منهم ما وهى من عزائمٍ |
| وجل قضايا المسلمين ببابه | يشاركُ في أفراحها والمآتم |
| وكان له في كل خطب تواجد | فليس يرى إلا بحزن ملازم |
| إذا قال نصحًا لم يثر أي فتنة | ولم يشعل الدنيا لحرق المخاصم |
| وما كان مشغولًا بحرب جماعة | ولا جاهلًا ما حوله من قواصم |
| ولكنه في يقظة مستديمة | وطول اصطبار في رضا الله دائم |
| ولم ينشغل عن واجب عند سنة | ولم يعشق الأدني كأهل التعالم |
| ولكنه أهدى وأبعدُ نظرة | وكم من مبصرٍ أعمى عن الحق واهم |
| لقد جاء موت الشيخ خطبًا مروعًا | فهوَّن من أحزاننا العظائم |
| ورققها حتى يخال بأننا | لهول مصاب لم نفجع بعالم |
| وإن عزاء المسلمين بمثله | بأن يذكروا موت (النبي ابن هاشم) |
| وموت كرام الأصفياء ومن مضى | من السادة الأمجاد أهل التراجم |
| وما جزعي خوفًا من الموت إنما | جزعت على موت الإخا والتراحم |
| وداعية أحيا به الله أمةً | يموت ويبقى في الدنيا كل هادم |
| وهل يقبض العلم الشريف وينزوي | عن الأرض إلا بعد طمس المعالم |
| ولو كان يرضى الموتُ منا بفدية | فديناه بالأبنا وطيب الكرائم |
| ولكن وعد الله حق وأمره | على الخلق ماض وهو أحكم حاكم |
| قضى في (ابن باز) أن يموت كما قضى | له بخلود الذكر بين العوالم |
| وما مات من يحيا مدى الدهر ذكره | ولا عاش من يحيا حياة البهائم |
| ألا في سبيل الله شيخ تعددت | مناقبه حتى عيا كل ناظم |
| وأضحت أياديه العظام شواهدًا | تقاصر عنها في السخا جودُ حاتم |
| سقى الله قبرًا في فنا البيت ضمه | بمترعة الأمزان صوب الغمائم |
| وأرضًا حوت تلك السماحة والندى | وقدسها الرحمن من كل آثم |
| هناك ثوى الأعلامُ من سادة الهدى | وأضجع فيها كلُّ حبر وعالم |
| ومنها بدا الإسلام حتمًا وإنه | ليأرز فيها عند وقع الملاحم |
| جزاه عن الإسلام خيرًا وأهله | وأسكنه الفردوس دار المكارم |
| وأحسن ربُّ العرش فيكم عزاءنا | وبلغنا حسن الرجا والخواتم[1] |
- الإنجاز في ترجمة ابن باز لعبد الرحمن بن يوسف الرحمه، (500).