كيف الجبال الشمّ يوسعها قبر

للدكتور ناصر بن سعد الرشيد
أُنهنِهها صبرًا وأنّى لها الصبرُ  ولو ذرفت دمًا لكان لها عذر
عجبت لعين لم تجد بدموعها فإن دموع العين من حرِّها حُمر
وإن عيونًا لا تفيض دموعها على الشيخ لهْي القفر أو دونه القفر
أنهنِه نفسي أن يزل بها الجوى فإن دموع العين من فقده نهر
وأكبح عيني أن يزيد بها اللظى فإن بكاء الصالحين لها جمر
وأزجرها لما تزايد دمعها كأن بها ضُرا فما نفع الزجر
لعلّ عيونًا غالبتني بحزنها تفيض دموعًا لا يكون به وزْر
رضينا بحكم الله إن قضاءه علينا لماض لا يرد له أمر
ولكننا نرثيه بالشعر أسوة  فإن رثاء الصالحين به أجر
إمام جليل لا يقوم بحقه من القول نثر أو يقوم به شعر
لقد جمّعت فيه الفضائل كلها ففي قلبه زهد وفي ثوبه طهر
وبالسنة البيضاء يرفع رأسها بكل مكان كي يكون لها نشر
تجافى عن الدنيا وهام بضدها ومن يعشق العلياء فالجنة المهر
من الزاهدين الوارثين لأحمد وما ورّثوا مالًا وليس لهم تبر
وهم ورّثوا علمًا وذكرًا ودعوة ألا نعم إرث الصالحين لنا الذكر
لقد شهدتْ ساح الحرام جنازة  كأن زحام الناس من حولها الحشر
كأن وجوم الناس من حول نعشه وجوم ثكالى لا عزاء ولا ستر
كأن وجوه القوم حفّوا بقبره حزون قفار شحّ من فوقها القطر
كأن رجال العلم يوم وفاته نجوم سماء خرّ من بينها البدر
أتته جموع الصالحين تجلّه إلى الحرم المكي والبدو والحضر
وإن شهود الصالحين شهادة  ومن يحبب الرحمن يشهد له كثر
فلله من بالعدل من علم ثوى فكيف الجبال الشم يوسعها قبر
به العدل يزهو مثلما كان يزدهي به العدل، إن العدل يكبره الحَبرُ
هو المبصر الخرِّيت في سبل الهدى وأيّ سبيل لا يُهدّي له وعر
يؤمُّ بنا درب النجاة كأننا على الدرب عُميٌ والطّخى حولنا بحر
يقود سفين الرشد في لجة الدجى بنور فؤاد يستوي البحر والبر
وإن عيونًا لا ترى الدرب لاحبًا  فإن بها وقرًا، وليس بها وقر
فصبرًا على هول المصاب تجلدًا فبعد ظلام الليل ينبلج الفجر
ولا يأس إن جل المصاب وإنه جليل فإن العسر يعقبه اليسر
إذا مات منا عالم قام عالم  عليم بما قال الإله، له قدر
وإن غاب فينا كوكب شعّ كوكب فغاربنا صدرٌ، وشارقنا صدر[1]
  1. إمام العصر لناصر الزهراني، (680).