توحيد المملكة

يتأثر الإنسان بما يمر به من أحداث ووقائع، فتدفعه إلى فعل شيءٍ وترك آخر، وبناء أفكار وتصورات وتغيرات أخرى، ويتنوع هذا التأثر بين القوة والضعف، والطول والقصر، فالإنسان في هذه الحياة بين مُؤَثِّر ومتأثِّر.
من هذا المنطلق فإن شيخنا  العلامة ابن باز - رحمه الله - مرت عليه أحداث أثَّرت في شخصيته، وتركت بصمتها في حياته، وكان من أهمها توحيد المملكة العربية السعودية عندما أعلن الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - ذلك في منتصف عام 1352هـ، حيث كان الشيخ ابن باز - رحمه الله - قد بلغ سن الرشد والأهلية حيث كانت سنه في ذلك الوقت 21 عاما، ومعنى ذلك أن سماحته قد عاصر توحيد المملكة في دولة قوية تجتمع على كلمة التوحيد خلف راية (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) وقد عاصر تلك الحقبة صبيا ويافعا ثم رجلا.
وعندما بدأ حياته العملية تقريبا كانت قد أرسيت قواعد بناء هذا الكيان الكبير الذي شهد وضع لبناته الأولى.
وهذه الخلفية المبكرة في حياة الشيخ كان لها بكل تأكيد آثارها البالغة على تكوينه الفكري وبناء شخصيته بوجه عام، فقد شهد في الواقع العملي أوضاع التمزق والتشتت والتنافس وصراعات النفوذ بين إمارات شاعت فيها الفوضى والخرافات والأباطيل، وابتعد بعضها بوضوح عن أسس دين الله الحنيف.
كما شهد عملية التحول الكبرى في المجتمع من الولاء لتلك الإمارات المتصارعة إلى الولاء لشريعة الله والالتزام باحترام سلطة سياسية واحدة تراعي مصالح الجميع، وتسعى لخير كل أبناء هذه الأرض على السواء.
وهكذا كان ابن باز قريبا من التحولات الكبرى التي عاشها المجتمع السعودي، وأدرك الفارق بين الحالتين بوضوح ما بين التشتت والتصارع والفقر إلى حالة الاستقرار والرخاء والازدهار. [1]
فكان - رحمه الله - طيلة حياته حريصًا على روابط الوحدة بين أبناء المجتمع، ونبذ كافة أشكال الفرقة والخلاف، من ذلك قوله في محاضرة (الشريعة الإسلامية ومحاسنها وضرورة البشر إليها):
"لا يخفى على ذي اللُّبِّ ما في إقامة الدين والاجتماع عليه وعدم التفرق من قوة المسلمين وتمكنهم من أخذ حقوقهم من أعدائهم، وانتصافهم منهم، وهيبة الأعداء لهم في نفس الوقت؛ لما يُشاهدونه من اتِّحادهم واجتماعهم وإقامتهم دينهم وتعاونهم في ذلك وتواصيهم به، فالاجتماع والاتحاد والتعاون الصادق على الحق في كل أمةٍ لا شكَّ أنه سر النجاح وطريق الفوز والكرامة في الدنيا والآخرة". [2]
كما كان من الطبيعي أن تؤثر هذه الأحداث وتلك التحولات في شخصية الشيخ ابن باز، بل وفي شخصية كل من عاصرها من العلماء، يقول الشيخ محمد الصبيحي: "هذا التحول كان له بلا شك أثر في تكوين شخصية ابن باز، بل وشخصية كل الرواد والعلماء الذين عايشوا تلك الحقبة الاقتصادية من حياة المجتمع العربي السعودي، وشاهدوا الجهد الذي بذل في بناء الدولة السعودية، وهذه المعايشة جعلتهم بالتأكيد أكثر حرصا وتصميما وكفاحا من أجل التمسك بالقيم الإسلامية الصحيحة النابعة من العقيدة الصافية؛ لإدراكهم أن تلك المبادئ هي التي أقامت تلك النهضة التي يعيشونها، والتي قد يتعامل معها بعض أبناء الأجيال الجديدة كمعطيات واقعة دون إدراك الفارق بينها وبين ما قبلها. [3]
  1. إمام العصر، لناصر الزهراني (151-152).
  2. مجموع فتاوى ومقالات ابن باز (220/2).
  3. إمام العصر، لناصر الزهراني (152-153).