حبال الترحم

مقعد بن عبيد السعدي
تريثتُ حتى تشرق العين بالدم وحتى أفاض الناسُ من كل مأتم
لأجمع آهات الورى وأزيدها على ما بقلبي من أوار التألم
رثاء لمن أدناه حيًّا وليُّه فلما سما حثَّ الخُطا في التَّقدم
فأصبح من حزب الإله وأهله لأنَّ كتاب الله في الصَّدر والفم
فلله ما أحلى المنايا ورميها إذا كانت العُقبى لدى خير مكرم
فيا ربي أكرم شيخنا في مقامه فليس لنا إلا حبال الترحم
لأنَّ مقام الشيخ حيًّا وميتًا خبت دونه الأصواتُ عند التكلم
رثيتُك إنسانًا وشيخًا وقاضيًا وحصنًا إلهيًّا يقي كلَّ مسلم
ووالله لو أفضت إلى الشيخ أعين حداد رأت فضلًا على كل معصم
يفيء اليتامى والأيامى ظلاله ويلبس يمنى المدّ ليل التكتم
فسطَّر فينا سيرة عمرية تكلل بالسلطان نهج المعلم
وإن غاب عن دنيا البريات جسمه فإن له دربًا طويل الترسم
وإن له علمًا يُخلد ذكره إذا بسطت أسفاره للتعلم
فذكر ابن باز خالدٌ في قلوبنا لأنَّ ابن باز عاش في دار "أرقم"
تعلم فيها الصبر والزهد والتُّقى وفن التَّفاني والتزام التحلم
لقد فقد الإسلامُ بالشيخ معلمًا ويا ليت شعري في الورى أي معلم
وقد غشيت أسماعنا عند موته سحائب غيب مُسترابٍ مرجم
تعودت قولي: يحفظ الله شيخنا ولم أعتدِ الأخرى وما قالها فمي
فطافت بي الأنباء تترى ومُهجتي تُخبئ وجه الحزن خلف التَّوهم
فلما أفاقت مهجتي من مُصابها تجرعت الأنباءُ من صرف علقم
فيا ربّ ألهمني اصطبارًا لفقده لأنَّ احتمال الصبر أهوى بسُلَّمي
ولكن عزائي في ابن باز ومثله من الصَّفوة الغراء دار التنعم
إلى جنة الفردوس يا مشعل الهدى وذكرك باقٍ كالحطيم وزمزم
وإن طوحت ذكراك فينا بجمرها فإنا نُذيق الوجد حلو التَّضرم
كما لذَّ مُشتاق بنجوى حبيبه فيدعو لأيام النَّوى بالتصرم
لكي يغنم اللقيا فيشفي غليله طوال فراقٍ هاضه بالتبرم
وضاقت بآهات المعاني ضلوعه فصاح بها أن يا ضلوعي تصلَّمي
وطار شذى الأنفاس عند ادِّكاره ولا خير يُرجى من عبيرٍ محطّم
كذا فليجلّ الخطب في فقد شيخنا فليس لنا إلا حبال الترحم[1]
 
  1. صحيفة الرياض، عدد (11295)، بواسطة: سيرة وحياة الشيخ ابن باز، لإبراهيم الحازمي (4/ 1904- 1907).