عظم المصاب

فهيد بن فهد الذيابي
يا مَن إليه مآلنا والمرجع وعليه نشكو كل ما نتوجع
عظم المصاب وجلَّ خطبٌ في الدُّنا برزيةٍ منها يقضّ المضجع
حار الحليم مُردِّدًا آهاته نبأ يكاد تشيب منه الرضع
يا حامل الأنباء قل لي ما جرى؟ هل أنت تعقل ما تقول ونسمع؟!
أصحيح أن إمامنا مترحّل مفتي الأنام مهاجر ومودع؟!
أنا لا ألومك سائلي لكنني أبدًا فلستُ بمثل ذا أتصنع
أنا لا ألومك سائلي لكن ذا حقّ كنور الصبح إذ هو يسطع
أوما سمعتَ أنين نجدٍ إثره ولفقده قد حنَّ ذاك المجمع
بل صاحت الدنيا بأعلى صوتها أواه في أرجائها تترجع
أوما سمعتَ العلم ينعى ربّه مَن كان في إيوانه متربع
حاز الفنونَ فصاغها في دره وله الحديث به هو المتضلع
تبكي الصحاح وتسعف السنن التي كانت بحلقة شيخنا تتضوع
وكذا الموطأ والمجيد ومسند تبكي ويحنو في العزاء المربع
تبكيه آيات يُرتل قائمًا تفسيرها للراغبين يمتع
تبكي الأرامل واليتامى ماجدًا درّا على تاج النّدى مترصع
سهل النوال عظيم ما نال الورى من كفه فيه السماحة أجمع
وافي الخلال عليه ثوب سابغ وحمى به كل المكارم ترتع
يا شيخنا شيدت مجدًا شامخًا وبني من الإسلام حصن أمنع
إني أرى الآفاق مظلمةً لها وجه كئيب والفراق مروع
وارحمتاه لأمةٍ من بعده ثكلى تئن فؤادها يتصدع
أنا بالقضاء رضيتُ إني مسلم خيرًا وشرًّا كان لا أتجزع
أنا قد علمتُ بما كتبت وما جرى في اللوح قبل الخلق ربي تبدع
أنا لستُ أعلم غيبه لكنني آمنتُ إجمالًا بما هو مودع
من ذاك أن الله قدّر لحظة فإذا دنت فيها الخلائق تصرع
ساعاتهم تمضي سراعًا جهدها وكذلك الآجال منها أسرع
والناس تغدو في الصباح فمعتق للنفس أو هو موبق ومضيع
وعليهم الأملاك تكتب ما جرى وإلى المهيمن كل يوم ترفع
يحصي عليهم ما جنوا فإذا أتوا يوم الحساب إذا الصَّحائف تشرع
فمنعم فيما يلذّ وينتهي ومكردس في حرِّ نارٍ تلفع
يا ربّ تجمعنا بدارٍ أرضها مسك ولذة عينها لا تقطع
وفقيدنا إنا نحب لقاءه شهم لمرِّ فراقه نتجرع
لكن لنا في موت مبعوث الورى خير البرية سلوة هي تشفع[1]
 
  1. صحيفة الرياض، عدد (11287)، بواسطة: سيرة وحياة الشيخ ابن باز، لإبراهيم الحازمي (4/ 1779- 1782).