ماذا أقول؟

فهد بن عبدالرحمن اليحيى
ماذا دهى سبل الحجاز تقاطرت فيها الجموع وليس هذا الموسما؟!
ما للمطارات اعترتها هزَّةٌ فالناس فيها كالقطاف تصرَّما؟!
ما للوجوه تبدَّلت قسماتها وبدا الشُّحوب فلا ترى متبسما؟!
غارت بشاشتها فأعقبها الأسى أنى التفت فباكيًا أو واجما
والدمع لا يرقى جوى وكأنما مدّت عيون الناس من مزن همى
ماذا جرى؟! أم هل أصدق قيلهم: رحل الإمام؟! فيا له خطب نما
ماذا جرى؟! حقًّا يُوارى في الثرى نجم الثريا؟! فالفؤاد تحطما
حقًّا توارى البدر بل شمس الهدى؟! حقًّا هوى الباز المحلق في السما؟!
عبدالعزيز فديته لو يفتدى بل كنتُ أفدي والدي أن يُكلما
فإذا وفود المسلمين تهافتت من كل صوبٍ جلهم قد أحرما
وبدت جنازته المهيبة فاعتلى صوت النّحيب على المنار تهدما
وتموج من فرط الزحام ولم يكد يصل الإمامُ إلى المقام ليحرما
صلوا عليه فلو رأيت صلاتهم سبك الدّعاء توجعًا وترحما
ويسير نحو العدل موكبه فسل تلك الفجاج تحدثنك تألما
ومكثت ألفظ رمسه متأملًا لهفي عليك حبيب قلبي أسلما
شيخي وشيخ مشايخي عَلَم الورى ماذا عسى شفتاي أن تتكلما؟!
لما هممت أبوح بالشجو الذي أدمى الفؤاد إذا اللسان تلعثما
وتعثرت هام اليراع بأحرف مُزجت بدمع أوشكت أن تحجما
ماذا أقول وقد بكته مساجد فمحاضرًا ومربيًا ومعلما؟!
ماذا أقول وقد بكته مرابع للفقه والإفتاء موئل ذي الظما؟!
ماذا أقول وقد بكته منابع الـ أثر الشريف معلقًا ومتمما؟!
ماذا أقول وقد بكته مجالس للذكر لا ينفك فيه متمتما؟!
ماذا أقول وقد بكته مواقف قد كان فيها الفارس المتقدما؟!
ماذا أقول وقد بكته مناصب شرفت به لم يتخذها سلما؟!
ماذا أقول وقد بكته مراكز في كل صقع كالصّغير تيتما؟!
ماذا أقول وقد بكته بيوته تبكيه ليلًا ساجدًا أو قائما؟!
تبكي أصيلًا في العبادة والتقى تبكيه بالآي الكريم ترنما
تبكي جوادًا قد يعزّ نظيره لم تخب نار سخائه متكرما
ورعًا يُذكرنا بسيرة أحمد ما حام أحسبه بما حول الحمى
ماذا أقول؟! وهل أفي بمناقب لمسدد في كل خيرٍ قد رمى؟!
هو أمة في واحدٍ طوبى له أترى يجود بمثله زمن الدمى؟
لكن حسب المؤمنين إلههم هو حسبنا وبه التجا مَن أسلما
بقضائه نرضى ونسأله لنا جبر المصاب مصاب مَن قد سلما[1]
  1. سيرة وحياة الشيخ ابن باز، لإبراهيم الحازمي (4/ 1775- 1778).