وداعًا إمام أهل السنة والجماعة

إبراهيم بن عبدالرحمن الحريشي
مدير عام فرع الشؤون الإسلامية في نجران سابقًا
ومدير إدارة الدعوة في شرق أوروبا

الحمد لله ولي الصالحين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد فجع العالم الإسلامي بأحد علمائه الأعلام ودعاته العظام الذي سعى جاهدا في نشر الإسلام، ونذر نفسه ووقته للعلم والدعوة إلى الله والذب عن سنة رسول الله ﷺ، ذلكم هو شيخ مشايخ الإسلام في هذا العصر، ومحيي السنة، وقامع البدعة، شيخنا ووالدنا الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، مفتي عام المملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، ورئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي.
الرجل الذي أجمع المسلمون على توقيره وحبه، وجعل له القبول في الأرض، وتقبل الناس فتاواه بالرضا والتسليم.
وقد جمع الله له بالإضافة إلى علو الكعب في العلم الشرعي حسن الخلق والتواضع للناس، فكان مما اتصف به حبه للخير، وبذله المعروف في أهله ومنطقته مع الفقراء والمساكين، والإحسان اليهم.
ومن أبرز صفاته غيرته الشديدة على عقيدة التوحيد أن ينال منها أحد أو يمس جانبها، وكذلك حينما يسمع عن ظهور بدعة أو انحراف في الدين أو غلو فيه فإنه ينتفض انتفاضة الأسد للدفاع عن جناب التوحيد وسنة سيد المرسلين؛ غيرة لله ورسوله ودفاعًا عن حياض الإسلام، فيبادر للكتابة موضحًا الحق، وداعيًا إليه، ومحذرًا من الباطل وداحضًا له، ولم يدخر وسعًا في النصح لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم، قيامًا بالواجب، وامتثالا للعهد والميثاق الذي أخذه الله على العلماء للبيان وإظهار الحق، وعدم كتمان العلم، قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187] الآية.
كما أن سماحته بذل العلم لطلابه تعليمًا وتوجيها عن طريق الدروس العلمية التي يؤمها المئات من طلاب العلم في درسه بعد صلاة الفجر أو عن طريق المحاضرات والندوات والكلمات التي يلقيها في شتى المحافل والأماكن من مساجد ودور للعلم وجمعيات خيرية لتحفيظ القرآن الكريم وغيرها من الجمعيات والمجالس التي يحضرها سماحته، وكذلك نشر العلم الشرعي عن طريق الكتب والرسائل التي ألفها سماحته رغم ضيق وقته، وكذلك عن طريق مشاركته في برنامج (نور على الدرب).
وعمومًا: فسماحته يعتبر جامعة علمية متنقلة، أينما حل نشر العلم والنصح والتوجيه، وكان - رحمه الله - يصرف على الدعاة وطلاب العلم المحتاجين من أنحاء العالم من جيبه الخاص، ومن خصاله الحميدة الكرم بجميع أنواعه من إغاثة الملهوف والمحتاج إلى الشفاعة لمن طلبها منه، كما أن بابه مفتوح في كل وقت يصل إليه من يرغب في زيارته أو طلب مساعدته فيجد قلبًا رحيما وصدرًا رحبًا واستجابة كريمة بما يقدر عليه.
وهنا قصة عجيبة من شمائل كرمه إذ شهدت زيارة أحد السفراء الأفارقة لسماحته للسلام عليه فأراد إكرامه على وجبة الغداء فاعتذر بالسفر في ذلك اليوم فما كان من سماحته إلا أن قال له: "إذا تكون تكاليف إقامتكم في الفندق علينا" وموضوع كرمه شيء مستفيض، فقد جعل قسما من سكنه للضيوف، ومائدته لا تخلو منهم كل يوم، ولكن أردت ضرب مثل قد لا يعلمه كثير من الناس يدل على علو همته وعظيم كرمه - رحمه الله.
وما يتصف به سماحته الدقة في الفتوى والتثبت، فلا ينشر فتوى عامة إلا بعد دراستها في اللجنة الدائمة للإفتاء، ومما امتاز به - رحمه الله - قوة حفظه لكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فلم أسمعه قد تلعثم أو توقف عند آية أو حديث، وكذلك عنايته باللغة العربية أسلوبًا ونطقًا فلم يذكر عن سماحته أنه لحن في كلامه أو ورد في كلامه لفظ حوشي أو كلمة نابية، وامتاز - رحمه الله - بالأدب الجم في كتاباته وردوده على خصومه؛ فلا تجد كلمة نابية أو شتما وسبا أو تنقصًا لأحد؛ لأن هدفه الوصول إلى الحق وإيصاله إلى الناس لا الدفاع عن نفسه وإبراز شخصه.
وعمومًا..
لا يستطيع المرء أن يستقصي شمائل سماحته، وصفاته، وأعماله الجليلة؛ فذلك يحتاج إلى مجلدات، ولكن أحببت المشاركة والإشارة إلى شيء من ذلك وفاء لسماحته وتعبيرًا عما في النفس من المحبة والتقدير.
رحم الله سماحته، وأسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأتباعه إلى يوم الدين. [1]
 
  1. جريدة الجزيرة، الخميس 5 صفر 1420هـ.