الشيخ عبدالله بن إبراهيم الفنتوخ
قال الشيخ عبدالله بن إبراهيم الفنتوخ، مدير عام الدعوة بالداخل والجزيرة العربية سابقًا - رحمه الله:
"منذ عرفته في عام 1363هـ وسمعته ومكانته الحسنة تتمدد تمدد أشعة النور النافذ، ترتفع مع الإنجاز، وتنزل إلى الوهاد، لا تغلق دونها الأبواب، وليس لها حجاب، ولا يحرم منها هياب، ولا يمحوها ضباب، كأنه شمس لا تغيب، يستضيء بها البعيد والقريب.
تحلَّى سماحته بصفة الأمانة في الدين، وجمع إليها صفات نادرة، فحاز من المكارم ما لم يحزه ذو سلطان، ولا ذو فصاحةٍ وبيانٍ، ولا ذو نسبٍ ومالٍ وكيانٍ، بل جمع الله له محاسن الأخلاق، وشِيَمًا ومروءةً وشممًا يندر أن تجتمع لأحدٍ، فسبحان مَن يختص بفضله من يشاء.
فمن صفاته: الاهتمام بعلم الحديث سندًا ومتنًا وحفظًا، وتكميل ذلك بالعناية بمفاهيم الصحابة وكبار الأئمة من السلف الصالح، رحمهم الله.
ومن صفاته: اليقين بما أخبر الله به، يتجلَّى ذلك في صفاته العملية المنيرة لحياته.
ومن صفاته: التوكل على الله، الذي يتجلَّى في شجاعته، وكرمه، وقوة عزيمته إذا رأى الحق، بيد أن هذه الشجاعة والعزيمة عنده يسبقها رأي ودراسة تُوجب وضع الشيء في محله، إذ الأزمان والأحوال قد تتغير وتتبدل.
ومن صفاته: الحرص على اختيار الحق في المسألة بدليله، والعضّ بالنواجذ على ما كان عليه السلف الصالح من مراعاة القواعد العامة للشريعة، ومفاهيم الأئمة، ومقتضيات الأحوال لواقع حدود المسألة زمانًا ومكانًا وحالًا، بما لا يُعارض نصًّا من كتابٍ أو سنةٍ.
ومن صفاته: الكرم، فله مائدة مع ضيوفه صباحًا، ومائدة مع ضيوفه ظهرًا، ومائدة مع ضيوفه عشاء، ولا تختص بفئة من الناس، ولا طبقة معينة، بل إنها مفتوحة، وذلك كل يوم طيلة العام، وتتضاعف في رمضان وأيام الحج في مكة والمشاعر المقدسة لمن قصد سماحته من كافة الطبقات، ولولا أن الله قد أمده بالبركة لما كفى ما خُصص له من راتبٍ شهري -كأي موظف يُماثله - فيما يصرف من مال.
ومن صفاته: التواضع، يتضح ذلك في أخلاقه وآدابه مع الضعفاء والجهال، وصبره على الإلحاح الممل أحيانًا، والزحام المضايق للنفوس الضعيفة، كما يتضح ذلك في سماعه للاعتراض في أي مسألةٍ، ولو من أدنى التلاميذ، حتى يتضح الحقّ بدليله، وهو بهذا الخلق يتحرى خلق النبي ﷺ وأعنى بذلك التواضع وتآلف الناس على سائر طبقاتهم.
ومن صفاته: الصبر، يتضح ذلك بالدأب الذي لا يتغير من برنامج دروسه ومحاضراته ومواعيده وأعماله الرسمية وغير الرسمية، إلا مرض مقعد به كما يتضح من مواصلة الأعمال ليلًا ونهارًا، إلا من ضرورات الإنسان، فلا يترك لنفسه مجالًا ولا نزهةً ولا إجازةً اضطرارية ولا رسمية، فسبحان مَن أعطاه وقوَّاه ورعاه وتولاه!
ومن صفاته: حفظ المعروف، والمجازاة عليه بأضعافه، بل يبدأ بالمعروف، ثم لا ينقطع بذله للمعروف مهما طال الزمن، ولو تغيرت الأحوال، فهو بالمعروف سابق ولاحق.
ومن صفاته: النجدة بما يستطيعه: بالمال، أو بالجاه، أو بغير ذلك، فيما يتمشى مع الحق، ونفع الخلق.
ومن صفاته: ملازمة الأذكار في أوقاتها، فلا يحول دون ذلك أي شغل آخر، ولا يُجامل في ذلك أحدًا مهما كان مقامه، ولا شغل مهما كان شأنه.
ومن صفاته: تحري تطبيق السنة النبوية في كل شيء: في صلة الرحم، وزيارة المريض، واتباع الجنازة، وإجابة الدعوة، وآداب اللقاء، والجلوس، والكلام، والطعام، والشراب، واللباس، والأذكار والأسفار، وغير ذلك من شؤون الحياة.
ومن صفاته: الحرص على نشر الدعوة إلى الله بكافة الأساليب الممكنة، وعدم اليأس، وعلاج المدعو بما يناسب حاله، وعدم اليأس من هدايته.
ومن صفاته: بذل المساعي في تغيير المنكرات - ما ظهر منها وما بطن - بعلاجها المناسب بما يُزيلها بالكلية أو يخفضها، ومواصلة الصبر بتكرار المساعي المناسبة بدون يأسٍ ولا سآمةٍ.
ومن صفاته النادرة في الناس: كراهية مدحه بما فيه، وعدم إقرار ذلك إذا سمعه، ولو أنَّ ما أذكره من هذه الصفات فيه إجابة عن سؤالٍ لم أفعل؛ لعلمي بهذه الصفة فيه، رحمه الله.
ومن صفاته الحميدة: سلامة قلبه، ومحبة الخير والهداية للناس، والنصح التام لكل من سأله أو توسط له.
وأما تعامله مع إخوانه: فسماحته يتعامل معهم تعامل الأخ مع إخوانه، ويتبادل معهم البساطة ونوادر المرح الرفيع، بما لا يضيع الوقت عن الأهم.
وأود أن أشير هنا إلى أنه ليس للمناصب أي أثر على حياته العلمية؛ لأن صفات الأمانة الإسلامية التي فيه لم تبنها المناصب، وإنما بناها الله بما حباه الله من علم شرعي، وأعمال صالحة، وأخلاق نبيلة، وهكذا علاقته مع الناس، وأثر المناصب يتجلَّى في توفير الإمكانيات والنفوذ.
وأما الأساليب التي يرد بها سماحته على المغرضين فهي نابعة من تعاليم الإسلام، فإذا كانوا يسبونه فهو لا يغضب لنفسه، ويتركهم وحسابهم على الله، ولا يحمل قلبه عليهم، وقد اقتدى في ذلك برسول الله ﷺ أما إن كان المغرضون قد انتهكوا شيئًا من حرمات الله؛ فهو يرد عليهم ردًّا علميًّا بالحجة والبرهان، ملتمسًا بذلك هدايتهم، لا شقاءهم وضلالتهم، وهذا أيضًا من أخلاق الرسول ﷺ.
وفي حياة سماحته مواقف كثيرة منها ما يُناسب ذكره، ومنها ما أحتفظ به وهو كثير.
ومما يناسب ذكره أن ضيفًا من تلاميذه الأفاضل، إفريقي متجنس، بات عنده، فقام سماحة الشيخ آخر الليل للتهجد، وكانت غرفة الضيف بعيدةً عن مقر الماء، وفي هذه الساعة يندر من يكون مستيقظًا، وهو يكره الإزعاج، فذهب سماحته بنفسه إلى مقر الماء بالإبريق - رغم أنه كريم العينين - وملأ الإبريق وجاء به إلى مقر باب غرفة الضيف، ثم أيقظه برفقٍ؛ لعلمه بالرغبة في ذلك، ثم ذهب عن الباب حتى لا يُحرج الضيف، فخرج الضيف مسرعًا فرأى الشيخ - رحمه الله - قد ولَّى وترك الإبريقَ عند الباب من خارجه، والضيف من أهل العلم، وهو من تلاميذ الشيخ، رحمه الله".[1]
"منذ عرفته في عام 1363هـ وسمعته ومكانته الحسنة تتمدد تمدد أشعة النور النافذ، ترتفع مع الإنجاز، وتنزل إلى الوهاد، لا تغلق دونها الأبواب، وليس لها حجاب، ولا يحرم منها هياب، ولا يمحوها ضباب، كأنه شمس لا تغيب، يستضيء بها البعيد والقريب.
تحلَّى سماحته بصفة الأمانة في الدين، وجمع إليها صفات نادرة، فحاز من المكارم ما لم يحزه ذو سلطان، ولا ذو فصاحةٍ وبيانٍ، ولا ذو نسبٍ ومالٍ وكيانٍ، بل جمع الله له محاسن الأخلاق، وشِيَمًا ومروءةً وشممًا يندر أن تجتمع لأحدٍ، فسبحان مَن يختص بفضله من يشاء.
فمن صفاته: الاهتمام بعلم الحديث سندًا ومتنًا وحفظًا، وتكميل ذلك بالعناية بمفاهيم الصحابة وكبار الأئمة من السلف الصالح، رحمهم الله.
ومن صفاته: اليقين بما أخبر الله به، يتجلَّى ذلك في صفاته العملية المنيرة لحياته.
ومن صفاته: التوكل على الله، الذي يتجلَّى في شجاعته، وكرمه، وقوة عزيمته إذا رأى الحق، بيد أن هذه الشجاعة والعزيمة عنده يسبقها رأي ودراسة تُوجب وضع الشيء في محله، إذ الأزمان والأحوال قد تتغير وتتبدل.
ومن صفاته: الحرص على اختيار الحق في المسألة بدليله، والعضّ بالنواجذ على ما كان عليه السلف الصالح من مراعاة القواعد العامة للشريعة، ومفاهيم الأئمة، ومقتضيات الأحوال لواقع حدود المسألة زمانًا ومكانًا وحالًا، بما لا يُعارض نصًّا من كتابٍ أو سنةٍ.
ومن صفاته: الكرم، فله مائدة مع ضيوفه صباحًا، ومائدة مع ضيوفه ظهرًا، ومائدة مع ضيوفه عشاء، ولا تختص بفئة من الناس، ولا طبقة معينة، بل إنها مفتوحة، وذلك كل يوم طيلة العام، وتتضاعف في رمضان وأيام الحج في مكة والمشاعر المقدسة لمن قصد سماحته من كافة الطبقات، ولولا أن الله قد أمده بالبركة لما كفى ما خُصص له من راتبٍ شهري -كأي موظف يُماثله - فيما يصرف من مال.
ومن صفاته: التواضع، يتضح ذلك في أخلاقه وآدابه مع الضعفاء والجهال، وصبره على الإلحاح الممل أحيانًا، والزحام المضايق للنفوس الضعيفة، كما يتضح ذلك في سماعه للاعتراض في أي مسألةٍ، ولو من أدنى التلاميذ، حتى يتضح الحقّ بدليله، وهو بهذا الخلق يتحرى خلق النبي ﷺ وأعنى بذلك التواضع وتآلف الناس على سائر طبقاتهم.
ومن صفاته: الصبر، يتضح ذلك بالدأب الذي لا يتغير من برنامج دروسه ومحاضراته ومواعيده وأعماله الرسمية وغير الرسمية، إلا مرض مقعد به كما يتضح من مواصلة الأعمال ليلًا ونهارًا، إلا من ضرورات الإنسان، فلا يترك لنفسه مجالًا ولا نزهةً ولا إجازةً اضطرارية ولا رسمية، فسبحان مَن أعطاه وقوَّاه ورعاه وتولاه!
ومن صفاته: حفظ المعروف، والمجازاة عليه بأضعافه، بل يبدأ بالمعروف، ثم لا ينقطع بذله للمعروف مهما طال الزمن، ولو تغيرت الأحوال، فهو بالمعروف سابق ولاحق.
ومن صفاته: النجدة بما يستطيعه: بالمال، أو بالجاه، أو بغير ذلك، فيما يتمشى مع الحق، ونفع الخلق.
ومن صفاته: ملازمة الأذكار في أوقاتها، فلا يحول دون ذلك أي شغل آخر، ولا يُجامل في ذلك أحدًا مهما كان مقامه، ولا شغل مهما كان شأنه.
ومن صفاته: تحري تطبيق السنة النبوية في كل شيء: في صلة الرحم، وزيارة المريض، واتباع الجنازة، وإجابة الدعوة، وآداب اللقاء، والجلوس، والكلام، والطعام، والشراب، واللباس، والأذكار والأسفار، وغير ذلك من شؤون الحياة.
ومن صفاته: الحرص على نشر الدعوة إلى الله بكافة الأساليب الممكنة، وعدم اليأس، وعلاج المدعو بما يناسب حاله، وعدم اليأس من هدايته.
ومن صفاته: بذل المساعي في تغيير المنكرات - ما ظهر منها وما بطن - بعلاجها المناسب بما يُزيلها بالكلية أو يخفضها، ومواصلة الصبر بتكرار المساعي المناسبة بدون يأسٍ ولا سآمةٍ.
ومن صفاته النادرة في الناس: كراهية مدحه بما فيه، وعدم إقرار ذلك إذا سمعه، ولو أنَّ ما أذكره من هذه الصفات فيه إجابة عن سؤالٍ لم أفعل؛ لعلمي بهذه الصفة فيه، رحمه الله.
ومن صفاته الحميدة: سلامة قلبه، ومحبة الخير والهداية للناس، والنصح التام لكل من سأله أو توسط له.
وأما تعامله مع إخوانه: فسماحته يتعامل معهم تعامل الأخ مع إخوانه، ويتبادل معهم البساطة ونوادر المرح الرفيع، بما لا يضيع الوقت عن الأهم.
وأود أن أشير هنا إلى أنه ليس للمناصب أي أثر على حياته العلمية؛ لأن صفات الأمانة الإسلامية التي فيه لم تبنها المناصب، وإنما بناها الله بما حباه الله من علم شرعي، وأعمال صالحة، وأخلاق نبيلة، وهكذا علاقته مع الناس، وأثر المناصب يتجلَّى في توفير الإمكانيات والنفوذ.
وأما الأساليب التي يرد بها سماحته على المغرضين فهي نابعة من تعاليم الإسلام، فإذا كانوا يسبونه فهو لا يغضب لنفسه، ويتركهم وحسابهم على الله، ولا يحمل قلبه عليهم، وقد اقتدى في ذلك برسول الله ﷺ أما إن كان المغرضون قد انتهكوا شيئًا من حرمات الله؛ فهو يرد عليهم ردًّا علميًّا بالحجة والبرهان، ملتمسًا بذلك هدايتهم، لا شقاءهم وضلالتهم، وهذا أيضًا من أخلاق الرسول ﷺ.
وفي حياة سماحته مواقف كثيرة منها ما يُناسب ذكره، ومنها ما أحتفظ به وهو كثير.
ومما يناسب ذكره أن ضيفًا من تلاميذه الأفاضل، إفريقي متجنس، بات عنده، فقام سماحة الشيخ آخر الليل للتهجد، وكانت غرفة الضيف بعيدةً عن مقر الماء، وفي هذه الساعة يندر من يكون مستيقظًا، وهو يكره الإزعاج، فذهب سماحته بنفسه إلى مقر الماء بالإبريق - رغم أنه كريم العينين - وملأ الإبريق وجاء به إلى مقر باب غرفة الضيف، ثم أيقظه برفقٍ؛ لعلمه بالرغبة في ذلك، ثم ذهب عن الباب حتى لا يُحرج الضيف، فخرج الضيف مسرعًا فرأى الشيخ - رحمه الله - قد ولَّى وترك الإبريقَ عند الباب من خارجه، والضيف من أهل العلم، وهو من تلاميذ الشيخ، رحمه الله".[1]
- الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، لعبدالرحمن الرحمة (301-304).