قال الدكتور وهبة الزحيلي - رحمه الله - الرئيس السابق لقسم الفقه الإسلامي ومذاهبه بجامعة دمشق:
"لقد اهتز العالم الإسلامي بأفراده وشعوبه بإعلان وفاة العلامة الكبير الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله وأسكنه في الفردوس الأعلى - لاجتماع ثلاثة أسباب في شخصه:
- الأول: كثرة خشيته لله تعالى، والتزامه بتقوى الله، وورعه في الفتوى، وتميزه بتحري الصواب، ومطابقة شريعة الله تعالى.
- الثاني: سعة علمه، وإحاطته بمصادر الشريعة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والتزامه منهج السلف الصالح في الاعتقاد، وتطابق القول مع العمل، مع قوة الذاكرة والحفظ.
- الثالث: أخلاقه الكريمة، فكان - رحمه الله - يتميز بالتواضع من غير حاجةٍ ولا ضعف، وباللطف وحسن المعاشرة اللَّطيفة، وتودده للناس، وطيب نفسه من غير خبث ولا ضغينة ولا أحقاد، وبكياسة وحكمة وجرأة في إعلان الحق، وإصراره على مرضاة الله فأحبه الناس وعظموه، وتأدَّب معه الكبار والصغار، والملوك والأمراء والحكام، وهابه الجميع، وكان رجلًا مهيبًا، وذكيًّا أديبًا، وحكيمًا في المناسبات المحرجة.
لقد جالستُ الشيخ - رحمه الله - في مجالس العلم والمؤتمرات منذ أكثر من ربع قرن، في الرياض ومكة المكرمة، ومؤتمر الفقه الإسلامي، ودورات مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة رابطة العالم الإسلامي الذي كان رئيسًا أمينًا له، ولقراراته التي اشتملت على تحصين أحكام الشريعة القيمة وتدقيقها وتجليتها وتيسير معرفتها، من غير زيغٍ ولا انحرافٍ عنها، أو في أحكام الشرع في كثير من مستجدات العصر، وكان في الحالتين فارس الميدان، ويتوقف الحسم في النقاش وصياغة القرار النهائي على رأيه، وبحسب ما يطمئن له في دينه ومرضاة ربه.
وكانت جلساته مع كبار علماء المملكة اليومية مثلًا رفيعًا لتمحيص المسائل، والإجابة على التساؤلات والاستفتاءات الكثيرة من أرجاء العالم الإسلامي وغير الإسلامي.
وترى الجميع يأنسون برأيه، ويطمئنون لفتواه، ويكبرون تخريجاته واستنباطاته، وحرصه على إعلان الحق من غير مهابة أحد، ولا مجاملة لكبير أو عظيم، ولا يجرؤ أحد أن يتخطى رأيه وتوجيهه، ومع ذلك تراه واسع الصدر، يقبل النقاش والاعتراض، ويمحص المسائل حتى ينجلي الحق، ويقدح الصواب في ذهنه، ولا يتسرع في الإفتاء.
رحم الله الشيخ ابن باز العالم المفتي، رئيس مجلس الإفتاء وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، وعوّض الله الأمة بنظرائه الذين يسيرون على دربه ومنهاجه، ولا يسيرون في هوى حاكم أو عظيم، حتى تظل شريعةُ الله مهيمنةً على كل شيء، وتظل أمانة العلم فوق كل اعتبار، ويظل الاجتماع على حبِّ عالم جريء هو الثروة الكبرى، ودليل المصداقية والطّمأنينة والرضا الإلهي".