سعة أفقه وبعد نظره
إنَّ سعة الأفق وبعد النظر من أهم الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم ولا سيما العلماء والمفتين والدعاة والمربين؛ لأن هذه الصفة تساعد صاحبها على النظر إلى الأشياء نظرة شاملة وتجعله يقدر المواقف بقدرها.
ولقد تميز سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - بهذه الصفة الرائعة فكان صاحب أفقٍ واسع وبعد نظرٍ لا نظير له، وقد شهد له كل من عاصره بذلك، يقول عبدالرحمن بن يوسف الرحمة عن سماحته: "كان - رحمه الله - يتصف بسعة الأفاق، وبعد النظر إذ هو صاحب حنكة وتجربة وحكمة، وله من الروية والتثبت وعدم الاستعجال، والنظرة الفاحصة الدقيقة المتأنية ما تمكنه من وضع الأمور في مواضعها ونصابها، ولربما غضب بعض من لديهم التحمس والتعجل والتسرع من تصرفاته فإذا انجلت الغشاوة عنهم وذهبت فورة الحماسة والعجلة منهم، شكروا لسماحته - رحمه الله - موقفه الصامد الذي لم يتزحزح ولم يتغير، ورأوا فيه أنه كالجبل الصامد الأشم في عمق إيمانه وصدقه مع خالقه ومولاه، ونظرته لعواقب الأمور - رحمه الله - ومن هنا فلن تشعر الأمة بفقده وذهابه إلا إذا جاءت كبار المحن، وعظام الفتن والله المستعان". [1]
ويقول الدكتور وهبة الزحيلي: "كان منهج الشيخ في حياته يتصف بالحكمة والروية وبعد النظر، وكان يرى أن هذا هو الأساس في معالجة الأمور وحل المشكلات والقضايا، ويرى أن هذا مما يحقق نصرة الإسلام ويحافظ على وحدة المسلمين، ويبعدهم عن الفتن والشقاق والاختلاف، ولو سار المسلمون وفق هذا المنهج الحكيم لتجنبت الأمة الإسلامية الكثير من المصائب والكوارث والمحن، وحققت الكثير من الآمال والأهداف النبيلة التي يطمح إليها المسلمون، والتي فيها عزهم وسعادتهم في دنياهم وآخرتهم، كان الشيخ ابن باز - رحمه الله - يرى أن معالجة قضايا المسلمين يجب أن تتم وفق هذا المنهج، وكان يسعى لحلها بروح الحكمة، مستلهما في ذلك الأدلة من الكتاب والسنة، مستضيئًا بمنهج السلف الصالح، وهو منهج يبني ولا يهدم، ويؤلف ولا يفرق". [2]
والمتأمل في حياة سماحة الشيخ ومواقفه المتنوعة يجد مئات الشواهد والقصص التي تؤكد على مدى اتصاف سماحته بهذه الصفة الحميدة، وإليك بعضًا منها:
ولقد تميز سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - بهذه الصفة الرائعة فكان صاحب أفقٍ واسع وبعد نظرٍ لا نظير له، وقد شهد له كل من عاصره بذلك، يقول عبدالرحمن بن يوسف الرحمة عن سماحته: "كان - رحمه الله - يتصف بسعة الأفاق، وبعد النظر إذ هو صاحب حنكة وتجربة وحكمة، وله من الروية والتثبت وعدم الاستعجال، والنظرة الفاحصة الدقيقة المتأنية ما تمكنه من وضع الأمور في مواضعها ونصابها، ولربما غضب بعض من لديهم التحمس والتعجل والتسرع من تصرفاته فإذا انجلت الغشاوة عنهم وذهبت فورة الحماسة والعجلة منهم، شكروا لسماحته - رحمه الله - موقفه الصامد الذي لم يتزحزح ولم يتغير، ورأوا فيه أنه كالجبل الصامد الأشم في عمق إيمانه وصدقه مع خالقه ومولاه، ونظرته لعواقب الأمور - رحمه الله - ومن هنا فلن تشعر الأمة بفقده وذهابه إلا إذا جاءت كبار المحن، وعظام الفتن والله المستعان". [1]
ويقول الدكتور وهبة الزحيلي: "كان منهج الشيخ في حياته يتصف بالحكمة والروية وبعد النظر، وكان يرى أن هذا هو الأساس في معالجة الأمور وحل المشكلات والقضايا، ويرى أن هذا مما يحقق نصرة الإسلام ويحافظ على وحدة المسلمين، ويبعدهم عن الفتن والشقاق والاختلاف، ولو سار المسلمون وفق هذا المنهج الحكيم لتجنبت الأمة الإسلامية الكثير من المصائب والكوارث والمحن، وحققت الكثير من الآمال والأهداف النبيلة التي يطمح إليها المسلمون، والتي فيها عزهم وسعادتهم في دنياهم وآخرتهم، كان الشيخ ابن باز - رحمه الله - يرى أن معالجة قضايا المسلمين يجب أن تتم وفق هذا المنهج، وكان يسعى لحلها بروح الحكمة، مستلهما في ذلك الأدلة من الكتاب والسنة، مستضيئًا بمنهج السلف الصالح، وهو منهج يبني ولا يهدم، ويؤلف ولا يفرق". [2]
والمتأمل في حياة سماحة الشيخ ومواقفه المتنوعة يجد مئات الشواهد والقصص التي تؤكد على مدى اتصاف سماحته بهذه الصفة الحميدة، وإليك بعضًا منها:
- سعة الأفق عند إطلاق الفتوى:
نقل عبدالرحمن بن يوسف الرحمة عددًا من القصص المشرقة التي تبين لنا سعة أفق سماحة الشيخ وبعد نظره وكبير حكمته - رحمه الله، ومن ذلك القصة التي ذكرها الدكتور عبدالقادر بن طاش، قائلًا: "سأله سائل عن التلفاز وهل يجوز اقتناؤه؟ فكان جواب الشيخ حكيمًا، فلم يقل بالحل أو الحرمة، وربط الحكم بكيفية الاستخدام، وقال: إنَّ التلفاز جهاز يمكن أن يستعمل في الشر كما يمكن أن يستعمل في الخير، ودعا إلى تعاون الدعاة مع التلفاز لنشر العلم، وتبيين الحق وتثبيت القيم والفضائل بين الناس.
ولكن السائل - وكان شابا ممتلئًا حماسًا واندفاعًا - أخذ يجادل سماحة الشيخ مبديًا الجوانب السلبية الكثيرة للتلفاز، وكان يلح كثيرًا على الشيخ أن يفتي بحرمة اقتناء هذا الجهاز، ولكن الشيخ أبى وأصرَّ على أنَّ الحُكم يتعلق بالاستخدام، وهذه نظرة منهجية واقعية تتيح لدعاة الإسلام توظيف هذه الوسائل لخدمة الدين وربط الناس بمبادئ الحق والخير والجمال". [3]
- سعة الأفق عند الدعوة إلى الله:
من القصص التي تدل كذلك على سعة أفق الشيخ وحكمته ما ذكره الدكتور محمد لقمان السلفي في مجلة الدعوة ما نصه: "ولا أزال أذكر قصة ذلك الرجل الأوروبي الذي جاء إلى الشيخ ووجَّه إليه أسئلة دلت على أنه شاك في صدق الإسلام، فقال لي سماحته: قل له يا محمد: إن الإسلام دين حق، وأنه نور ساطع ولا يغمض عينيه إلا الخفاش، فادخل في الإسلام أيها الرجل قبل أن يفاجئك الموت؛ لتنجو من النار، فترجمت له، فقام وذهب ووعد سماحته بأن يقرأ عن الإسلام أكثر ثم يأتي إليه ليدخل في دائرة الإسلام". [4]
- سعة الأفق عند التعامل مع أهل العلم:
مما يدل على سعة أفقه ما ذكره الدكتور عبدالحليم عويس، فقال: "زرته يومًا مع سماحة الشيخ أبي الحسن الندوي - رحمه الله - رحمة واسعه، فأكرمه كل الإكرام، وأثنى عليه ودعا له وللمسلمين في الهند وبسط القول في المفاهيم الإسلامية الصحيحة دون أن يتطرق الحديث في أية جزئيات مع أنني كنت أعلم أن بعض إخواننا - هداهم الله - لا يسرهم بقاء الود كبيرًا وقائمًا بين ندوة العلماء في الهند وبين سماحة الشيخ ابن باز والمملكة العربية السعودية، ولكن سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله - كان عارفًا بأقدار الرجال وبموازين الحق". [5]
- سعة الأفق عند التعامل مع مشكلات طلابه:
يقول الشيخ ناصر الزهراني: "لقد كان - رحمه الله - يحرص على صغار طلبة العلم، ولا يحب لأحدهم أن يهان أو يحرج، أو يتعرض لمذلة، ومن أروع القصص في ذلك القصة التي أوردها الدكتور أحمد الكبيسي ... يقول: "إن طالبًا إفريقيا قد أخفق في اختبارات أعوام متكررة، فكان لا بد من فصله بحسب ما تقتضيه لوائح الدراسات الجامعية، وكان له عيال كثر، حيث له أكثر من زوجة، فترحيله مكلف إذاً، وما تدفعه الجامعة لأجل ترحيل الطالب لا يفي إلا ببعض الغرض، وما بقي من تكلفة ترحيل الطالب وأسرته وأولاده هو الكثير الغالب، وخاصة في ذلك الوقت، فاقترحوا على سماحة الشيخ أن يتكلم في مسجد الجامعة على حث الأساتذة والموظفين والطلاب على إغاثة أخيهم، ولما جاء وقت الحديث الذي اتفق عليه لم يتحدث الشيخ، فاستغرب ذلك من الشيخ، ولما استفهم منه: هل أنك نسيت موضوع الطالب؟ فأجابهم: إنني لم أنس، ولكنني لم أشأ أن أجرح مشاعره أو أمس أحاسيسه بما يحزنه ويؤسفه ويؤسف جماعته بما يتحدث من جمع المال لهذا الطالب، فيتأذى هو نفسيا ويتأذى معه أبناء بلده، فانظر أخي القارئ إلى هذا الحس المرهف، والرقة المتناهية التي قد لا يفطن إليها صاحب القضية نفسه، قالوا له: وما الحل إذا يا سماحة الشيخ؟ قال: سأكتب أنا إلى سمو الأمير سلطان، وقد كتب بالفعل إلى سموه، وأرسل إليهم سمو الأمير سلطان جزاه الله خيرا شيكا بمبلغ 12000 ريـال إعانة لهذا الطالب، ومن غير شك أنه مبلغ في ذلك الوقت ليس بالقليل، ففرح المسئولون بالجامعة، حيث حلت مشكلة الطالب، ثم حاول الطالب أن يحصل على هذا المبلغ ليستكمل به شراء التذاكر كي يسافر، وبشديد الإلحاح على المسئولين من قبل الطالب أعطي هذا المبلغ، وكان المسئول عن الأمور المالية آنذاك فضيلة الشيخ عمر فلاته - رحمه الله - فأمر بإعطائه هذا المبلغ، وبعد فترة رأى الطالب فسأله عما فعل، وهل اشترى التذاكر؟ فأخذ الطالب يلوي رأسه بخجل وحياء مفيدا بأنه لم يشتر التذاكر بحجة أنه كانت عليه ديون للناس بالمدينة فسددها، وأنه اشترى بعض الهدايا والحاجات لأولاده، ولم يبق من المبلغ إلا الشيء القليل، فاشتد محدثي الشيخ عمر فلاته غضبا على الطالب، وكال له من اللوم والتأنيب بما يقتضيه الموقف، ويقول: بقيت في حيرة وحرج ماذا سأحدث الشيخ ابن باز؟ وأنا الذي أمرت أن يصرف له هذا الشيك من سمو الأمير سلطان، ولم أجد بدا من مفاتحة الشيخ ابن باز بذلك، وأنا في الوقت نفسه في غاية الحرج مما أحدث الطالب، ولما فاتحت سماحة الشيخ بما جرى أجابني بصدر رحب ونفس هادئة: إن الطالب قد أحسن صنعا، فقلت له: كيف أحسن الطالب صنعا وقد بدد هذه الأموال؟ فقال له: أتريد الطالب أن يسافر وذمته مدانة، ويتحدث الناس أن طلاب الجامعة يسرقون أموال الناس فيؤثر هذا على سمعته؟! ... وما الحل يا سماحة الشيخ؟ قال: الحل أن تأخذوا من الطالب ما بقي، قالوا: ما بقي إلا نحو ألفي ريال، قال: إذًا استقطعوا بقية قيمة التذاكر من مرتباتي". [6]
- سعة الأفق عند التعامل مع الحوادث والمصائب:
لقد ظهرت سعة أفق الشيخ وبعد نظره عندما تعرضت الدلم لعددٍ من الحوادث والمصائب، حيث أسرع الناس إليه لثقتهم في رأيه ومشورته فساعدهم على النجاة من هذه المحن.
يقول سعد بن عبدالرحمن الدريهم: في العام 1360هـ (سنة جبار) حصلت أمطار كثيرة، وكانت البيوت طينية والشوارع ضيقة، وامتلأت الشوارع بالمياه الخارجة من هذه البيوت، وكاد يحصل منه ضرر كبير إلا أنه وبثاقب بصيرته أمر بفتح مجرى لإنزال هذه السيول إلى آبار ملحقة ببساتين لخدمة سكان المدينة، حيث في ذلك الوقت لا توجد شبكة مياه، ويعتمد الناس على هذه الآبار في سقياهم، وحلت مشكلة كبيرة، وبعدها درس مشكلة تصريف سيول هذه الأمطار حسب المناسب (أي الانحدار)، وشقَّ لها مجرى، وعين له مصرفًا، ومع ذلك يتخذ القرار حسب المصلحة العامة ولا تهمه المصلحة الخاصة أو المعارضة.
وفي نفس العام أيضًا حصل قدوم سيول كثيرة وكانت البلد محاطة بجسور من الطين، وطبيعة مدينة الدلم تقع في وسط الأودية، فخاف سماحة الشيخ من دخول هذه السيول البلد فتهدمها ولا بد من دفع الخطر، فأمر الرجال المتدربين بالحضور مع الأدوات والمعدات، وأمر بتجهيز مؤونة الأكل والشرب، وتقدم سماحته الناس في مواقع مختلفة، وجلس بينهم يحثهم ويدعو لهم، وتم عمل حواجز كبيرة لدرء خطر السيول، وفعلا تم اجتياز الخطر، والحمد لله.
وفي عام 1364هـ (سنة الدبا) والدبا صغار الجراد يزحف مع بداية نموه يأكل الأخضر واليابس، وأمر سماحته الناس بمكافحة هذا الوباء، وتقدم الناس بعدما تم تأمين الأكل والشرب لهم، وتم حفر عدة خنادق لردم هذا الدبا، وكان سماحته يأخذ جريدة من سعف النخيل ويهش بها، وكان مشجعا وداعيا لهم بالقوة، ويزيد ذلك من فعاليتهم، واستمر ذلك عدة أيام حتى رفع الله البلاء". [7]
- سعة الأفق عند التعامل مع طالبي الشفاعة:
لقد كان سماحة الشيخ واسع الأفق وبعيد النظر عند تقديم الشفاعة لعامة المسلمين وضعافهم، ومن ذلك ما ذكره محمد عبدالرحمن العيسي، فقال: "لقد كان - رحمه الله - يحسن الظن في معظم الناس وكان لديه بعد نظر يفوق الوصف، ومن ذلك يأتيه أحيانًا من يطلب شفاعة وعليه أثر معصية، فيقال له عن حاله فيقول ربما أن هذه الشفاعة تكون سببًا في استقامته". [8].
وكذلك يقول عبدالرحمن بن عبدالله التويجري: "كان - رحمه الله - يتعامل مع الأمور التي تعرض له بحكمة وتأنٍ وبعد نظر بعيدًا عن العجلة والتسرع. يأتي إليه الرجل وهو يبكي ويتضجر، فيقول عد إلينا بعد كذا حتى نبحث في الأمر وننظر، ويأتيه الآخر وهو يرمي بكلامه بشرر واصفًا ما رآه من منكر فيشكره على غيرته ويهون عليه ويكتب إلى من كان مسئولا عن ذلك ويذكره، وأذكر يومًا من الأيام أتيته لأخبره عن وجود نشرة تقلل من شأن بعض العلماء، فقال: ائتني بنسخة منها وتثبت في الأمر أكثر". [9]
هكذا رأينا بعض الصور التي ترسم لنا مدى اتصاف سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز بسعة الأفق وبعد النظر، فحري بأهل العلم والدعاة في كل مكان أن يستلهموا من سيرة الشيخ وصفاته القدوة والأسوة.
- الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، عبدالرحمن الرحمة (208-209).
- موسوع أعلام القرن الرابع عشر والخامس عشر، إبراهيم الحازمي (437/1).
- مجلة المدينة - عدد: (13175)، بواسطة: الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، عبدالرحمن الرحمة (209).
- مجلة الدعوة - عدد: (1708)، بواسطة: الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، عبد الرحمن بن يوسف الرحمة (209-210).
- الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، عبدالرحمن الرحمة (210).
- إمام العصر، ناصر الزهراني (138-141).
- سيرة وحياة الشيخ ابن باز، لإبراهيم الحازمي (198،197/1).
- مجلة الأسرة - عدد: (72)، بواسطة: مواقف مضيئة في حياة الإمام عبدالعزيز بن باز، حمود بن عبدالله المطر(39).
- جريدة الجزيزة - عدد: (9727)، بواسطة: مواقف مضيئة في حياة الإمام ابن باز، حمود بن عبدالله المطر(71).