القضايا الاقتصادية
ظهر في واقع الناس المعاصر عدد كبير من القضايا الاقتصادية والمعاملات المصرفية والمسائل المالية التي كانت تحتاج ولابد إلى استشارات أهل العلم للتأكد من عدم وجود شيئًا من المعاملات المحرمة، ولقد كان سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز من أبرز العلماء الذين اهتموا بهذه القضايا؛ وذلك ليرشد الناس إلى المعاملات الجائزة ويحذرهم من المعاملات الغير جائزة، فيكونوا على بصيرة من أمرهم في زمان كثرت فيه الفتن والشبهات، وفيما يلي نعرض موقف الشيخ من بعض هذه القضايا:
قضية استثمار الأموال في البنوك الربوية:
بحكم موقع الشيخ الوظيفي ومكانته العلمية كانت تُعرض عليه أسئلة المستفتيين وكان يقدم الحكم الشرعي مصحوبًا بالدليل من الكتاب والسنة الصحيحة، وكان كثيرًا ما يُسأل عن حكم وضع الأموال في البنوك الربوية بغرض الاستثمار؟ فكان يفتي بعدم جواز أخذ الفوائد البنكية، ويحذر تحذيرًا شديدًا من ذلك لخطورة هذا الأمر. [1]
وكان يتصدى سماحته كثيرًا لما تنشره بعض الصحف التي تدعو إلى استثمار الأموال في هذه البنوك الربوية، ونذكر من ذلك موقفه عندما اطلع على إعلان نشرته (جريدة الرياض) الصادرة يوم الأربعاء، الموافق: (1404/10/14هـ) يتضمن هذا الإعلان الدعاية لإيداع الأموال في البنك الفيدرالي للشرق الأوسط الكائن في دولة قبرص للحصول على نسبة أعلى من الفوائد الربوية من البنك المذكور.
فما إن قرأ سماحته هذا الإعلان إلا وكتب تحذيرًا للمسلمين من عدم التعامل مع هذا البنك وأشباهه من البنوك التي تتعامل بالفوائد الربوية، وكان مما جاء في هذا البيان، قوله: "ولا يخفى على كل مسلم بصير بدينه أن التعامل بالربا وأكله منكر، ومن كبائر الذنوب كما قال الله : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة:275-276]، وقد جعل الله سبحانه ذلك محاربة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ[البقرة:278-279]، وثبت عن النبي ﷺ: أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء[2].
والآيات والأحاديث في التحذير من الربا وبيان عواقبه الوخيمة كثيرة جدًا، فالواجب على كل من يتعاطى ذلك التوبة إلى الله سبحانه منه، وترك المعاملة به مستقبلاً وعدم الانصياع لمثل هذه الدعايات الباطلة طاعة لله سبحانه وتعالى ولرسوله ﷺ، وحذرًا من العقوبات المترتبة على ذلك عاجلاً وآجلاً". [3]
وكذلك عندما نشرت (جريدة الجزيرة) في العدد (2263) بتاريخ: (11 شوال 1398هـ) مقالًا يدعو إلى استثمار الأموال في البنوك الربوية تحت عنوان: (خططنا للضمان الممتاز)، استنكره الشيخ استنكارًا شديدًا، وكتب بيانًا للناس بخطورة هذه المعاملات المحرمة وراح يذكر الأدلة المتعددة من الآيات والأحاديث التي تؤكد حرمة الربا وعظيم جرم أكلها، كما ذكر الحكم الذي أصدرته هيئة كبار العلماء حول الفوائد البنكية، فقال:
"وهذه المسألة التي كثرت الدعاية لها في الصحف والمجلات من المسائل التي بحثها مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية وهذا مضمون ما قرره: وضع الأموال في البنوك لأخذ فائدة ربوية بنسبة معينة يحصل عليها صاحب المال من البنك ونحوه ويدفعها له إما بعد مضي الأجل الذي يتفق عليه، وإما عند سحب المال فيدفع له ما اتفق عليه من الربا الذي سمي ربحًا أو فائدة، وهذا ربا صريح حرمه الله ورسوله وأجمع سلف الأمة الإسلامية على تحريمه، وتسميته وديعة أو باسم غير ذلك لا يغير من حكم الربا المحرم فيه شيئًا، فقد جمع ربا الفضل وربا النسيئة؛ لأنه بيع نقود بنقود نسيئة بزيادة ربح ربوي إلى أجل".
وكان كثيرًا ما يقدم النصيحة لولاة الأمور والمسؤولين فيقول:
"والواجب على ولاة الأمور وعلى علماء الإسلام في كل مكان إنكار مثل هذه المعاملات الربوية والتحذير منها، كما أن الواجب على وزارة الإعلام منع نشر هذه المعاملات الربوية والدعاية إليها في جميع وسائل الإعلام". [4]
الرد على القائلين بجواز أخذ الفوائد البنكية:
لم تتوقف جهود الشيخ ابن باز عند التحذير والتوضيح للمسلمين بخطورة التعامل مع البنوك الربوية، ولكن اهتم الشيخ كذلك بالرد على القائلين بجواز استثمار الأموال في هذه البنوك وأخذ الفوائد، ونذكر من ذلك ما يلي:
قضية العمل في البنوك الربوية:
لقد سُئل سماحة الشيخ - رحمه الله - مرارًا عن حكم العمل في البنوك الربوية، فكان يفتي بعدم الجواز؛ لأن ذلك من الإعانة عن المنكر، ومن ذلك أنه عندما اطلع على ما نشرته أحد الصحف عن إتاحة بعض البنوك الفرصة للشباب للتوظف فيها، قام سماحته بالتحذير والنصح لعامة الشباب بعدم الاستجابة لهذه الدعوة والتقدم للتوظف في هذه البنوك لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، كما نصح الصحف بعدم نشر مثل هذه الإعلانات وأيضًا نصح القائمين على البنوك بتحويلها إلى بنوك إسلامية لا تتعامل بالربا، وذلك من خلال البيان الذي صدر عن مكتب سماحته، برقم: (312/1)، بتاريخ: (1414/2/9هـ).
ومما جاء في هذا البيان، قول الشيخ: "فقد اطلعت على ما نشرته بعض الصحف من إعلانات من بعض البنوك عن إتاحة الفرصة للشباب للتوظف فيها ودعوتهم إلى ذلك، وبهذه المناسبة فإنني أنصح الشباب بعدم الاستجابة لهذه الدعوة والتقدم للتوظف في هذه البنوك لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، وأنصح الصحف بعدم نشر مثل هذه الإعلانات، وأنصح القائمين على البنوك من المسلمين أن يجتهدوا في تحويلها إلى بنوك إسلامية، وأن يحذروا الربا بجميع أنواعه عملاً بقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ[البقرة:278-279]، وأحذر من لعنة رسول الله ﷺ فقد ثبت عنه: أنه لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء[10]، وما ذاك إلا أن شأن الربا عظيم والتعامل به من كبائر الذنوب التي تجعل صاحبها على خطر عظيم وتوجب العقوبة في الدنيا وشدة العقاب في الآخرة إلا من رحم الله؛ لأنه محاربة لله ولرسوله ولا شيء أعظم من محاربة الله ورسوله ما لم تغسل بتوبة صادقة، وعزم على ترك هذه العمل، وفق الله المسلمين جميعا لكل ما فيه رضاه وصلاح عباده إنه سميع قريب، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم". [11]
قضية الاقتراض من البنوك بالربح:
إن قضية الاقتراض من البنوك مقابل الزيادة أو الربح أحدى صور المعاملات الربوية التي انتشرت في كثير من البنوك، وهذا ما أفتى به جمهور العلماء وعلى رأسهم سماحة الشيخ ابن باز.
فعندما اطلع على إعلانٍ نشرته (صحيفة الشرق الأوسط) الصادرة في يوم (1409/8/13هـ) الذي جاء فيه أن خزينة إحدى الدول العربية أصدرت سندات اقتراض بربح أحد عشر واثني عشر في المائة لسنوات مبينة في الإعلان، تكدر صفو سماحته ورأى أن من الواجب عليه النصح والبيان للحكم الشرعي لما جاء في هذا الإعلان.
فقام بإصدار بيان يوضح فيه حكم الاقتراض بالفائدة، ومما جاء في هذا البيان قوله: "قد دل الكتاب العزيز والسنة المطهرة على تحريم الربا بنوعيه: ربا الفضل، وربا النسيئة، تحريمًا شديدًا، وأبان الله سبحانه في كتابه الكريم الوعيد على ذلك فقال : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة:275- 276] وذكر سبحانه أن الربا محاربة لله ولرسوله ﷺ فقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ[البقرة:278-279] وقال النبي ﷺ: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الفضة بالفضة إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز[12]، وقال ﷺ: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد[13].
والأحاديث في هذا الباب كثيرة، ولا شك أن المعاملات الورقية لها حكم المعاملات بالذهب والفضة؛ لأنها حلت محلها في قيم المقومات وثمن المبيعات، فلا يجوز بيع عملة منها بعملة أخرى نسيئة ولا اقتراض شيء منها بفائدة من جنسها ولا من غير جنسها إلا يدًا بيد مثلاً بمثل إذا كانت عملة واحدة، فإن اختلفت العمل كالدولار بالجنيه الاسترليني فلا بد من التقابض في المجلس، ولا يشترط التماثل لاختلاف الجنس، وقد أجمع العلماء على أن كل قرض شرطت فيه فائدة أو اتفق الطرفان فيه على فائدة فهو ربا، فنصيحتي للخزينة المذكورة ترك هذه المعاملة والحذر منها؛ لكونها معاملة ربوية. ونصيحتي لكل مسلم ألا يدخل فيها لكونها معاملة محرمة مخالفة للشرع المطهر". [14]
معاملات البيع والشراء:
أسهم الشيخ بشكل كبير في توضيح المعاملات الجائزة وغير الجائزة في البيع والشراء، وكانت للفتاوى التي يصدرها عن طريق اللجنة الدائمة - التي كان يرأسها - أو بشكل منفرد أثر كبير في بيان ذلك، ينضاف إلى ذلك قرارات المجمع الفقهي الذي كان رئيسًا له.
هذه المعاملات كانت تمارس في حياة الناس وكانت تتجدد بأشكال مختلفة ويستجد لناس فيها أمور، فيبحثون عن أحكامها فيبين سماحته حكم هذه المعاملات من حيث الجواز وعدمه، ولعلنا عندما ننظر في باب البيوع من مجموع فتاواه نجد ذلك الأمر واضحًا جليًّا. [15]
هذه بعض الصور التي توضح موقف الشيخ - رحمه الله - ومدى اهتمامه بالقضايا الاقتصادية في عصره، وحرصه على إرشاد المسلمين وتحذيرهم من كل ما يغضب الله .
قضية استثمار الأموال في البنوك الربوية:
بحكم موقع الشيخ الوظيفي ومكانته العلمية كانت تُعرض عليه أسئلة المستفتيين وكان يقدم الحكم الشرعي مصحوبًا بالدليل من الكتاب والسنة الصحيحة، وكان كثيرًا ما يُسأل عن حكم وضع الأموال في البنوك الربوية بغرض الاستثمار؟ فكان يفتي بعدم جواز أخذ الفوائد البنكية، ويحذر تحذيرًا شديدًا من ذلك لخطورة هذا الأمر. [1]
وكان يتصدى سماحته كثيرًا لما تنشره بعض الصحف التي تدعو إلى استثمار الأموال في هذه البنوك الربوية، ونذكر من ذلك موقفه عندما اطلع على إعلان نشرته (جريدة الرياض) الصادرة يوم الأربعاء، الموافق: (1404/10/14هـ) يتضمن هذا الإعلان الدعاية لإيداع الأموال في البنك الفيدرالي للشرق الأوسط الكائن في دولة قبرص للحصول على نسبة أعلى من الفوائد الربوية من البنك المذكور.
فما إن قرأ سماحته هذا الإعلان إلا وكتب تحذيرًا للمسلمين من عدم التعامل مع هذا البنك وأشباهه من البنوك التي تتعامل بالفوائد الربوية، وكان مما جاء في هذا البيان، قوله: "ولا يخفى على كل مسلم بصير بدينه أن التعامل بالربا وأكله منكر، ومن كبائر الذنوب كما قال الله : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة:275-276]، وقد جعل الله سبحانه ذلك محاربة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ[البقرة:278-279]، وثبت عن النبي ﷺ: أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء[2].
والآيات والأحاديث في التحذير من الربا وبيان عواقبه الوخيمة كثيرة جدًا، فالواجب على كل من يتعاطى ذلك التوبة إلى الله سبحانه منه، وترك المعاملة به مستقبلاً وعدم الانصياع لمثل هذه الدعايات الباطلة طاعة لله سبحانه وتعالى ولرسوله ﷺ، وحذرًا من العقوبات المترتبة على ذلك عاجلاً وآجلاً". [3]
وكذلك عندما نشرت (جريدة الجزيرة) في العدد (2263) بتاريخ: (11 شوال 1398هـ) مقالًا يدعو إلى استثمار الأموال في البنوك الربوية تحت عنوان: (خططنا للضمان الممتاز)، استنكره الشيخ استنكارًا شديدًا، وكتب بيانًا للناس بخطورة هذه المعاملات المحرمة وراح يذكر الأدلة المتعددة من الآيات والأحاديث التي تؤكد حرمة الربا وعظيم جرم أكلها، كما ذكر الحكم الذي أصدرته هيئة كبار العلماء حول الفوائد البنكية، فقال:
"وهذه المسألة التي كثرت الدعاية لها في الصحف والمجلات من المسائل التي بحثها مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية وهذا مضمون ما قرره: وضع الأموال في البنوك لأخذ فائدة ربوية بنسبة معينة يحصل عليها صاحب المال من البنك ونحوه ويدفعها له إما بعد مضي الأجل الذي يتفق عليه، وإما عند سحب المال فيدفع له ما اتفق عليه من الربا الذي سمي ربحًا أو فائدة، وهذا ربا صريح حرمه الله ورسوله وأجمع سلف الأمة الإسلامية على تحريمه، وتسميته وديعة أو باسم غير ذلك لا يغير من حكم الربا المحرم فيه شيئًا، فقد جمع ربا الفضل وربا النسيئة؛ لأنه بيع نقود بنقود نسيئة بزيادة ربح ربوي إلى أجل".
وكان كثيرًا ما يقدم النصيحة لولاة الأمور والمسؤولين فيقول:
"والواجب على ولاة الأمور وعلى علماء الإسلام في كل مكان إنكار مثل هذه المعاملات الربوية والتحذير منها، كما أن الواجب على وزارة الإعلام منع نشر هذه المعاملات الربوية والدعاية إليها في جميع وسائل الإعلام". [4]
الرد على القائلين بجواز أخذ الفوائد البنكية:
لم تتوقف جهود الشيخ ابن باز عند التحذير والتوضيح للمسلمين بخطورة التعامل مع البنوك الربوية، ولكن اهتم الشيخ كذلك بالرد على القائلين بجواز استثمار الأموال في هذه البنوك وأخذ الفوائد، ونذكر من ذلك ما يلي:
- الرد على مقالة الدكتور إبراهيم بن عبدالله الناصر:
عندما كتب الدكتور إبراهيم بن عبدالله الناصر بحثًا تحت عنوان: (موقف الشريعة الإسلامية من المصارف) يجيز فيه الفوائد الربوية، تصدى سماحة الشيخ لهذا البحث وقام بكتابة ردٍ مفصلٍ على كل جزئية فيه.
حيث بدأ سماحته الحديث، قائلًا: " فقد اطلعت على البحث الذي أعده الدكتور إبراهيم بن عبدالله الناصر تحت عنوان (موقف الشريعة الإسلامية من المصارف) فألفيته قد حاول فيه تحليل ما حرم الله من الربا بأساليب ملتوية وحجج واهية وشبه داحضة، ورأيت أن من الواجب على مثلي بيان بطلان ما تضمنه هذا البحث ومخالفته لما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة من تحريم المعاملات الربوية، وكشف الشبهة التي تعلق بها، وبيان بطلان ما استند إليه في تحليل ربا الفضل وربا النسيئة ما عدا مسألة واحدة وهي ما اشتهر من ربا الجاهلية من قول الدائن للمدين المعسر عند حلول الدين: إما أن تربي وإما أن تقضي، فهذه المسألة عند إبراهيم المذكور هي المحرمة من مسائل الربا وما سواها فهو حلال، ومن تأمل كتابته اتضح له منها ذلك وسأبين ذلك إن شاء الله بيانًا شافيًا؛ يتضح به الحق ويزهق به الباطل، والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله". [5]
وقد استطاع سماحة الشيخ من خلال الرد والتعليق على هذا البحث أن يثبت عدم صحة ما ذهب إليه الدكتور إبراهيم بن عبدالله الناصر، وأن الفوائد البنكية عين الربا الذي حرمه الله ورسوله، ويجب الحذر منه وتحذير الناس من الوقع في شباكه.
- الرد على فتوى الشيخ محمد سيد طنطاوي:
عندما اطلع سماحة الشيخ ابن باز على ما نشرته (صحيفة الشرق الأوسط) الصادرة في يوم الأربعاء (1416/1/2هـ) حول تصريح مفتي الديار المصرية السابق الدكتور محمد سيد طنطاوي، بجواز أخذ الفوائد البنكية وحلِّها، رأي سماحة الشيخ أنه من الواجب عليه الرد على هذا الفتوى وبيان الحكم الشرعي نصحًا لله ولعباده، وأداءً لواجب البلاغ الذي أوجبه الله على أهل العلم.
ومما ذكره سماحته في معرض الرد: "لا ريب أن القول بحل ما تتعامل به البنوك من أنواع الربا، فيه تحليل لما حرمه الله تعالى؛ لأن الربا كما هو معلوم كبيرة من كبائر الذنوب التي جاء تحريمها مغلظًا في كتاب الله تعالى وسنة رسول الله ﷺ بجميع أشكاله وأنواعه ومسمياته، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[آل عمران:130- 132] ... فما أعظم جريمة من حارب الله ورسوله، نسأل الله العافية من ذلك، وقال ﷺ: اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات[6] متفق على صحته، وفي صحيح مسلم عن جابر قال: لعن رسول الله ﷺ آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء[7]، فهذه بعض الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله محمد ﷺ التي تبين تحريم الربا وخطره على الفرد والأمة، وأن من تعامل به وتعاطاه، فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، وقد أصبح محاربًا لله ولرسوله". [8]
وأنهى سماحته هذا البيان بتوجيه نصيحة للدكتور محمد سيد طنطاوي، قال فيها: "ونصيحتي لفضيلة المفتي محمد سيد طنطاوي أن يتقي الله، وأن يعيد النظر فيما كتب، وأن يتوب إلى الله سبحانه مما طغى به اللسان، وزل به القلم، ولا ريب أن الرجوع إلى الحق واجب وفضيلة، وشرف لصاحبه، وخير من التمادي في الخطأ، والله المسئول أن يوفقه للرجوع إلى الحق، وأن يجعلنا وإياه وسائر إخواننا من الهداة المهتدين، إنه سميع قريب. وصلى الله وسلم على خير خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين". [9]
قضية العمل في البنوك الربوية:
لقد سُئل سماحة الشيخ - رحمه الله - مرارًا عن حكم العمل في البنوك الربوية، فكان يفتي بعدم الجواز؛ لأن ذلك من الإعانة عن المنكر، ومن ذلك أنه عندما اطلع على ما نشرته أحد الصحف عن إتاحة بعض البنوك الفرصة للشباب للتوظف فيها، قام سماحته بالتحذير والنصح لعامة الشباب بعدم الاستجابة لهذه الدعوة والتقدم للتوظف في هذه البنوك لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، كما نصح الصحف بعدم نشر مثل هذه الإعلانات وأيضًا نصح القائمين على البنوك بتحويلها إلى بنوك إسلامية لا تتعامل بالربا، وذلك من خلال البيان الذي صدر عن مكتب سماحته، برقم: (312/1)، بتاريخ: (1414/2/9هـ).
ومما جاء في هذا البيان، قول الشيخ: "فقد اطلعت على ما نشرته بعض الصحف من إعلانات من بعض البنوك عن إتاحة الفرصة للشباب للتوظف فيها ودعوتهم إلى ذلك، وبهذه المناسبة فإنني أنصح الشباب بعدم الاستجابة لهذه الدعوة والتقدم للتوظف في هذه البنوك لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، وأنصح الصحف بعدم نشر مثل هذه الإعلانات، وأنصح القائمين على البنوك من المسلمين أن يجتهدوا في تحويلها إلى بنوك إسلامية، وأن يحذروا الربا بجميع أنواعه عملاً بقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ[البقرة:278-279]، وأحذر من لعنة رسول الله ﷺ فقد ثبت عنه: أنه لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء[10]، وما ذاك إلا أن شأن الربا عظيم والتعامل به من كبائر الذنوب التي تجعل صاحبها على خطر عظيم وتوجب العقوبة في الدنيا وشدة العقاب في الآخرة إلا من رحم الله؛ لأنه محاربة لله ولرسوله ولا شيء أعظم من محاربة الله ورسوله ما لم تغسل بتوبة صادقة، وعزم على ترك هذه العمل، وفق الله المسلمين جميعا لكل ما فيه رضاه وصلاح عباده إنه سميع قريب، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم". [11]
قضية الاقتراض من البنوك بالربح:
إن قضية الاقتراض من البنوك مقابل الزيادة أو الربح أحدى صور المعاملات الربوية التي انتشرت في كثير من البنوك، وهذا ما أفتى به جمهور العلماء وعلى رأسهم سماحة الشيخ ابن باز.
فعندما اطلع على إعلانٍ نشرته (صحيفة الشرق الأوسط) الصادرة في يوم (1409/8/13هـ) الذي جاء فيه أن خزينة إحدى الدول العربية أصدرت سندات اقتراض بربح أحد عشر واثني عشر في المائة لسنوات مبينة في الإعلان، تكدر صفو سماحته ورأى أن من الواجب عليه النصح والبيان للحكم الشرعي لما جاء في هذا الإعلان.
فقام بإصدار بيان يوضح فيه حكم الاقتراض بالفائدة، ومما جاء في هذا البيان قوله: "قد دل الكتاب العزيز والسنة المطهرة على تحريم الربا بنوعيه: ربا الفضل، وربا النسيئة، تحريمًا شديدًا، وأبان الله سبحانه في كتابه الكريم الوعيد على ذلك فقال : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة:275- 276] وذكر سبحانه أن الربا محاربة لله ولرسوله ﷺ فقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ[البقرة:278-279] وقال النبي ﷺ: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الفضة بالفضة إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز[12]، وقال ﷺ: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد[13].
والأحاديث في هذا الباب كثيرة، ولا شك أن المعاملات الورقية لها حكم المعاملات بالذهب والفضة؛ لأنها حلت محلها في قيم المقومات وثمن المبيعات، فلا يجوز بيع عملة منها بعملة أخرى نسيئة ولا اقتراض شيء منها بفائدة من جنسها ولا من غير جنسها إلا يدًا بيد مثلاً بمثل إذا كانت عملة واحدة، فإن اختلفت العمل كالدولار بالجنيه الاسترليني فلا بد من التقابض في المجلس، ولا يشترط التماثل لاختلاف الجنس، وقد أجمع العلماء على أن كل قرض شرطت فيه فائدة أو اتفق الطرفان فيه على فائدة فهو ربا، فنصيحتي للخزينة المذكورة ترك هذه المعاملة والحذر منها؛ لكونها معاملة ربوية. ونصيحتي لكل مسلم ألا يدخل فيها لكونها معاملة محرمة مخالفة للشرع المطهر". [14]
معاملات البيع والشراء:
أسهم الشيخ بشكل كبير في توضيح المعاملات الجائزة وغير الجائزة في البيع والشراء، وكانت للفتاوى التي يصدرها عن طريق اللجنة الدائمة - التي كان يرأسها - أو بشكل منفرد أثر كبير في بيان ذلك، ينضاف إلى ذلك قرارات المجمع الفقهي الذي كان رئيسًا له.
هذه المعاملات كانت تمارس في حياة الناس وكانت تتجدد بأشكال مختلفة ويستجد لناس فيها أمور، فيبحثون عن أحكامها فيبين سماحته حكم هذه المعاملات من حيث الجواز وعدمه، ولعلنا عندما ننظر في باب البيوع من مجموع فتاواه نجد ذلك الأمر واضحًا جليًّا. [15]
هذه بعض الصور التي توضح موقف الشيخ - رحمه الله - ومدى اهتمامه بالقضايا الاقتصادية في عصره، وحرصه على إرشاد المسلمين وتحذيرهم من كل ما يغضب الله .
- ينظر: مجموع فناوى ابن باز، لمحمد بن سعد الشويعر (246/19-247).
- رواه مسلم: (1598).
- ينظر: مجموع فتاوى ابن باز، محمد بن سعد الشويعر (147/19- 148).
- المصدر السابق: (178/19- 179).
- المصدر السابق: (215/19- 216).
- رواه البخاري: (2767).
- رواه مسلم: (1598).
- ينظر: مجموع فتاوى ابن باز، محمد بن سعد الشويعر (240/19- 243).
- المصدر السابق: (243/19- 244).
- رواه مسلم: (1598).
- مجموع فتاوى ابن باز، محمد بن سعد الشويعر (379/13- 380).
- رواه البخاري: (2177)، مسلم: (1584).
- رواه مسلم: (1587).
- مجلة الدعوة، العدد: (1186) بتاريخ: (30\8\1409هـ)، نقلًا عن: مجموع فتاوي ابن باز، محمد بن سعد الشويعر(190/19-191).
- لمعرفة بعض الفتاوى في ذلك، ينظر: المجلد التاسع عشر من مجموع فتاوى ورسائل ابن باز.