علاقة الشيخ بالإعلام

عرف سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - أهمية وسائل الإعلام، ومدى أثرها الفعال في المتلقي؛ فحرص على توظيف هذه الوسائل التوظيف الأمثل والإفادة منها في خدمة الإسلام والمسلمين، وسوف نعرض فيما يلي صورًا من عناية سماحته بهذه الوسائل:

أولًا: الاهتمام بالصحف والمجلات:
حرص سماحة الشيخ على الإفادة من الصحف والمجلات واستغلالها فيما يعود بالنفع على المسلمين، وذلك من خلال نشره لبعض مقالاته وتوجيهاته والعمل على تصحيح ما يشيع بين الناس من الأخطاء عبر هذه الصحف والمجلات، كذلك كان يلبي طلبات أصحاب الصحف والمجلات بعقد المقبلات معهم والإجابة على التساؤلات التي تطرح عليه، وكان يهتم أيضًا بمتابعة ما تنشره بعض الصحف ويقوم بالرد على المقالات التي تحمل مخالفات شرعية أو تشيع البدع والفواحش بين الناس.
ومن الصحف التي اهتم بها سماحته: مجلة الإفتاء، ومجلة الجامعة الإسلامية، ومجلة التوحيد المصرية، ومجلة الدعوة السعودية، وبعض المجلات السلفية بالهند والباكستان، ومجلة المجتمع الكويتية، ومجلة الإصلاح الإمارتية، ومجلة الرائد الألمانية، ومجلة التوعية بالحج، وكذلك الصحف والجرائد المحلية كالرياض والجزيرة وغيرهما، ومجلة البحوث الفقهية المعاصرة، ومجلة التضامن الإسلامية، ومجلة المجمع الفقهي الإسلامي، والمجلة العربية، ومجلة الجندي المسلم، ومجلة راية الإسلام بالرياض، ومجلة البيان البريطانية، ومجلة التربية الإسلامية، ومجلة البعث الإسلامي، ومجلة النور الكويتية، وصحيفة الراية السودانية، ومجلة التكبير الباكستانية، ومجلة الأزهر، ومجلة الاقتصاد الإمارتية، ومجلة المنهل. [1]

ثانيًا: الاهتمام بالقنوات الإذاعية المسموعة والمرئية:
ظهر اهتمام الشيخ ابن باز بالإعلام المرئي والمسموع من خلال حلول سماحته ضيفًا على كثيرٍ من البرامج الإذاعية، وكان من أشهرها برنامج (نور على الدرب) الذي ظلَّ أكثر من ربع قرن يبثُّ فتاوى الشيخ ومواعظة وتوجيهاته إلى الأمة.
كما قدَّم الشيخ - رحمه الله - عبر الإذاعة شرحًا لكتاب: (المنتقى من أخبار المصطفى) لمجد الدين أبي البركات عبد السلام ابن تيمية، إلى جانب ما كان يقدمه سماحته من لقاءات عبر الإذاعة المرئية والمسموعة كلما دعت الحاجة ذلك، وقد نفع الله المسلمين بهذه المشاركات نفعًا عظيمًا. [2]
ومن استغلاله لوسائل الإعلام ومعرفته مدى توصيلها النفع للمسلمين، فإنه عند حلول المناسبات كان يرسل الكلمات النافعة للإمة الإسلامية، ومن ذلك ما كان يرسله إلى وسائل الإعلام عند حلول شهر رمضان. [3]

رؤية الشيخ لدور الإعلام في خدمة الإسلام:
كان الشيخ - رحمه الله - كثيرًا ما يؤكد على دور وسائل الإعلام في خدمة الإسلام وحراسة العقيدة، فيقول: "ويجب على أجهزة الإعلام أن تنشر العقيدة الإسلامية الصافية؛ بحيث تكون نقية من كل شوائب البدع والشرك ودعاوى الدجل والتصوف حتى لا يضل الناس، وينخدعوا بما يروجه المتصوفة وأهل البدع والخرافات، وهذا واجب كل وسائل الإعلام لخدمة العقيدة النقية الصافية ونشر الدعوة الإسلامية". [4]
كما كان يثني على البرامج التي تعود بالنفع على المسلمين، ومن ذلك ثناؤه على إنشاء إذاعة القرآن الكريم، حيث قال: "ولقد أحسنت حكومتنا - وفقها الله - في إيجاد إذاعة خاصة بالقرآن الكريم والتفسير والأحاديث الدينية، وصارت بذلك قدوة لكثير من الدول الإسلامية، كما أحسنت في إيجاد البرنامج العظيم الفائدة، وهو برنامج: نور على الدرب". [5]

الإعلام سلاح ذو حدين:
رغم اهتمام الشيخ - رحمه الله - بالإعلام، كان يدرك تمامًا أنَّه سلاح ذو حدين، فإما أن يكون أداةً للبناء وإما أن يكون أداةً للهدم؛ لذلك كان دائمًا ما يحذر من استخدام وسائل الإعلام فيما يغضب الله  أو ما يعود بالضرر على المسلمين.
يقول - رحمه الله: "بلا شك أن وسائل الإعلام لها دور عظيم، ولا شك أنها سلاح ذو حدين، فالواجب على القائمين عليها أن يتقوا الله ويتحروا فيما ينشرون، سواء عن طريق الوسيلة المرئية أو المسموعة أو المقروءة، والواجب أن ينشروا ويذيعوا عن أهل العلم والإيمان والبصيرة، أما المقالات الضارة والمقالات الملحدة فينبغي الحذر منها وعدم نشرها، وعليهم أن يؤدوا الأمانة في ذلك فلا ينشرون إلا ما يقود الناس إلى الحق ويبعدهم عن الباطل". [6]
ومن المواقف التي تؤكد على إدراك الشيخ - رحمه الله - أن وسائل الإعلام سلاح ذو حدين أنه في إحدى الندوات سُئل سماحته عن التلفاز وهل يجوز اقتناؤه أم لا، فكان جوابه حكيمًا، حيث لم يقل بالحل أو الحرمة وربط الحكم بكيفية الاستخدام .. وقال: "إن التليفزيون جهاز يمكن أن يُستعمل في الشر كما يمكن أن يستعمل في الخير، ولكن السائل - وكان شابًا ممتلئًا حماسة واندفاعًا - أخذ يجادل سماحة الشيخ مبديًا الجوانب السلبية الكثيرة للتلفاز وكان يلح على الشيخ أن يفتي بحرمة اقتناء هذا الجهاز، ولكن الشيخ أصرَّ على أنَّ الحكم يتعلق بالاستخدام ... وهذه نظرة منهجية واقعية تُتيح لدعاة الإسلام توظيف هذه الوسائل لخدمة الدين وربط الناس بمبادئ الحق والخير". [7]

سعى الشيخ لإصلاح الإعلام:
لقد كان الشيخ - رحمه الله - حريصًا على إصلاح وسائل الإعلام؛ لتعود بالنفع على الجميع، وقد سلك في سبيل ذلك عدة طرق، وهي:
  1. حثه على إصلاح الإعلام:
    كان الشيخ - رحمه الله - دائمًا ما يدعو للسعي إلى إصلاح الإعلام، ومن ذلك قوله: "أتوجه إلى جميع ولاة أمور المسلمين وأسألهم أن يصونوا وسائل الإعلام عن البرامج الهدامة، ويطهروها من كل ما يضر المسلمين". [8]
     
  2. نصحه للكُّتاب والإعلامين بالتزام الحق:
    حرص الشيخ - رحمه الله - على توجيه النصح للكَّتاب والإعلامين بتحري الحق فيما ينشرون، فقال: "الواجب على كُتّابنا من الرجال والنساء أن يتحروا الحق فيما يكتبون وأن يزنوا كلماتهم وأهدافهم بالميزان الذي لا يجور وهو ميزان الشريعة الإسلامية الكاملة المعروفة من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وأن لا يغتروا بالشعارات المضللة، والدعايات الجوفاء والأساليب الساحرة التي انتحلها أعداؤهم وقصدوا من وراءها تضليل المسلمين وتلبيس دينهم عليهم ودعوتهم إلى التملص منه والخروج على أحكامه بشتى الأساليب وأنواع المغريات. وهكذا وسائل الإعلام يجب على القائمين عليها أن يتحروا الخير فيما يوجهون للناس". [9]
    ومما أوجب سماحته على الإعلامين كذلك: "أن يصونوا الإعلام الإسلامي المقروء والمسموع والمرئي من أن يكون وسيلة للتشكيك في الإسلام والدعاة إليه، أو أن يستخدم للتفريق بين علماء الأمة وشعوبها والناصحين لها، وغرس أسباب الشحناء والتباغض بين حكامها ومحكوميها وعلمائها وعامتها". [10]
     
  3. حثه للمسؤولين على تولية الإعلام للثقات:
    اهتم الشيخ - رحمه الله - بنصح المسؤولين وتوجيههم إلى ضرورة توليه وسائل الإعلام لمن يثقون في دينه وخلقه؛ لعظم المسؤولية التي سيحملونها، فكان يقول: "والواجب على المسؤولين في وسائل الإعلام ألا يولوا في الإعلام إلا الثقات الذين عندهم علم وبصيرة وأمانة؛ لأن وسائل الإعلام تحتاج إلى رجال يخافون الله ويتقونه ويعظمونه ويتحرون نفع المسلمين والمجتمع كله فيما ينشرون حتى لا يضل الناس بسببهم، ومعلوم أن من نشر قولًا يضر الناس تكون عليه العاقبة السيئة، كما أن من نشر ما ينفع الناس يكون له أجر من انتفع بها، ونسأل الله تعالى أن يهديهم ويوفقهم ويصلح أحوالهم".[11]
     
  4. حثه للعلماء وطلبة العلم على التعاون مع الإعلام:
    كما حث الشيخ - رحمه الله - العلماء وطلاب العلم على التعاون مع المسؤولين على الإعلام من أجل إفادة الناس وإرشادهم للحق، فكان يقول: "يجب على العلماء وطلبة العلم أن يتعاونوا مع هذه الوسائل حتى يرشدوا الناس ويفقهوهم ويعلموهم؛ لأن هذه الوسائل يستفيد منها الملايين من الناس إذا استقامت ووجهت الوجهة الصالحة، لذلك ينبغي على العلماء والأخيار أن يتعاونوا مع وسائل الإعلام فيما ينفع الناس في دينهم ودنياهم". [12]
كما أنه - رحمه الله - لم يكن يأخذ مقابلًا على ما يقدمه من مشاركات إعلامية، بل يرجو ثوبها من الواحد الأحد، وهذه نماذج تدل على ذلك:
  • رده المكافآت التي كانت ترسل له من وزارة الإعلام[13]:
    أرسلت مكافأة لسماحته من وزارة الإعلام، في 1384/5/20هـ وذلك مقابل أحاديث إذاعية لسماحة الشيخ؛ فردها سماحته، فأرسلوا له كتابًا آخر يشكرونه على مشاركاته، وعدم قبوله المكافأة؛ وإليك كتاب وزير الإعلام آنذاك، جميل الحجيلان:

بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة صاحب الفضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسرني أن أرفق لفضيلتكم، الشيكين المسحوبين على البنك الأهلي التجاري رقم، 165298 ورقم 165323 في 1384/5/16هـ الممثلين لمبلغ قدره ثلاثة آلاف وخمسمائة وأربعة وعشرين ريالًا وقرشان.
وهما عن أحاديثكم القيمة المذاعة في الفترة من 1384/3/1هـ لغاية 1384/4/29هـ التي تفضلتم بإرسالها إلى الإذاعة.
منتهزًا هذه الفرصة لأؤكد لفضيلتكم تقديري لإسهامكم في هذا المجال، راجيًا من الله أن يوفقكم لما فيه الخير مع خالص التقدير.
وزير الإعلام
جميل الحجيلان

وكان من عادة سماحة الشيخ - رحمه الله - إذا وصلته المكافأة يردها، فيرسل إليه وزير الإعلام شكرًا بذلك.
وإليك نماذج من رد وزير الإعلام، وشكره:

النموذج الأول:
بسم الله الرحمن الرحيم
الرقم 632/م/خ
التاريخ 84/9/2هـ
حضرة صاحب الفضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
تلقينا خطابكم المرقم 662 بتاريخ 1384/8/14هـ، ونشكر لفضيلتكم تكرمكم بتوجيهه لنا، كما نقدر الروح الدينية العالية التي أمْلت على فضيلتكم عدم قبول القيمة المعتادة للأحاديث الدينية؛ فأنتم دائمًا وأبدًا المثل الذي يحتذى به.
ويهمنا أن نبين لفضيلتكم بأن الإذاعة حريصة كل الحرص على إيصال أحاديثكم إلى مستمعيها؛ لما فيها من النفع الكبير.
وقد زودت مديرية الإذاعة بصورة من هذا الخطاب الموجه لفضيلتكم، لتقوم بالاتصال بكم، وتسجل أحاديثكم بالطريقة المعتادة.
وإننا إذ نكرر الشكر مرة ثانية نرجو لكم دوام الصحة والتوفيق، والله يحفظكم.
وزير الإعلام
جميل الحجيلان


النموذج الثاني:
بسم الله الرحمن الرحيم
الرقم 828/م/خ
التاريخ 84/11/16هـ
حضرة صاحب الفضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
تلقينا خطابكم رقم 1013 في 1384/11/2هـ، وبرفقه الشيك رقم 165413 في 84/10/15هـ، الذي سبق أن بعثته لفضيلتكم بخطابي رقم 1/5/13889 في 1384/10/24هـ عن أحاديثكم القيمة التي أذيعت خلال شهري شعبان ورمضان 1384هـ، ورغبة فضيلتكم إشعار الجهة المختصة عدم إرسال أي مكافأة في المستقبل.
وبهذه المناسبة أقدم شكري، وشكر الهيئة الإذاعية كاملة على تواضع فضيلتكم بالإسهام في هذا المجال دون قبول أي مكافأة، راجيًا لفضيلتكم التوفيق لما فيه الخير.
المخلص وزير الإعلام
جميل الحجيلان

وكذلك عندما كان ينشر مقالاته في الصحف والمجالات لا يأخذ مقابلا على ذلك، وإليك هذا المثال شاهدًا على ذلك:
كتب سماحة الشيخ - رحمه الله - مقالًا بعنوان (خطر مشاركة المرأة للرجل في عمله) وذلك لمجلة منار الإسلام الصادرة عن وزارة العدل والشؤون الإسلامية في دولة الأمارات العربية المتحدة.
وبعد أن نشر المقال أرسلوا كتابًا إلى سماحة الشيخ ضمنوه شكرهم، وشفعوه بشيك مقابل تلك المشاركة، فأرسل إليهم سماحة الشيخ ردًا وذلك برقم 2/1 بتاريخ 1399/1/11هـ، وإليك رد سماحته رحمه الله:
 
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم مدير مجلة المنار وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
فأعيد لكم كتابكم برقم 183م في 1398/11/27هـ ومشفوعه الشيك رقم 110262 بالمبلغ الذي جعلتموه مكافأة لنا فيما ننشره من مقال في الحق، وأخبركم أنه ليس من عادتنا أخذ مكافأة على ما ننشره من المقالات في الدعوة إلى الحق، أرجو مسامحتنا في ذلك.
شكر الله سعيكم، وبارك في أعمالكم، وأعانكم على كل خير؛ إنه خير مسؤول.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

هذه جملة من الجهود المباركة التي انتفع بها كثير من المسلمين، وإلى الآن لا تزال بعض الشرائط والتسجيلات والصحف محفوظة لتظل شاهدة عبر الزمان على علاقة الشيخ بالإعلام وسعيه للإفادة منه في خدمة الإسلام والمسلمين.
  1. ينظر: الإبريزية في التسعين البازية، حمد بن إبراهيم الشتوي (94،93).
  2. ينظر: المصدر السابق (94).
  3. ينظر: جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز، لمحمد الموسى (87).
  4. مجموعة فتاوي سماحة الشيخ ابن باز، محمد بن سعد الشويعر (135/3-136).
  5.  المصدر السابق: (432/3).
  6. المصدر السابق: (179/6).
  7. جريدة المدينة: العدد (13175) بواسطة كتاب: موسوعة أعلام القرن الرابع عشر والخامس عشر، إبراهيم بن عبد الله الحازمي(347:346).
  8. مجموع فتاوي سماحة الشيخ ابن باز، محمد بن سعد الشويعر: (432/3).
  9. المصدر السابق: (160/4).
  10. المصدر السابق: (343/7).
  11. المصدر السابق: (179/6).
  12. المصدر السابق: (179/6).
  13. ينظر: جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز، لمحمد الموسى (160-163).