صدعه بالحق ونصحه للمسلمين
لا شكَّ أن الصَّدْعَ بالحق له تبعاته التي لا يستطيع تحمّلها إلا عباد الله المخلصون، خاصةً إذا كان الحق مخالفًا لهوى أصحاب النفوذ، أو أهل المال والجاه، وإن شيخنا - رحمه الله - كان من أولئك الذين صدعوا بالحق دون خوفٍ أو ترددٍ، وبذلوا النصح للمسلمين خاصتهم وعامتهم، فلم يتوقف في يومٍ من الأيام عن قول الحق، وإنكار المنكر والتوجيه للخير، وقد نبع ذلك من شعوره بالمسؤولية تجاه إخوانه المسلمين في شتى بقاع الأرض؛ ويمكننا أن نتلمَّس ما قدمه الشيخ - رحمه الله - لأمته الإسلامية فيما يأتي:
يحمل همَّ الإسلام والمسلمين:
"لم يعش لنفسه، ولم يمثل بلده الذي يعيش فيه فقط، بل كان يعيش للمسلمين جميعًا، يحمل هم الجميع، ويتفاعل مع قضايا الكل، لا يألو جهدًا، ولا يدخر وسعًا، ولا يتخلف عن واجب، ولا يُعرض عن نصرة مسلم، أحب المسلمين جميعًا؛ فأحبه المسلمون جميعًا، أقاصي الشرق، وأطراف الغرب، وأدغال إفريقيا، وزوايا آسيا فيها أناس تعيش - بعد الله - على علمه، وتأكل - بعد الله تعالى - من دعمه، ما من قضية من قضايا المسلمين إلا وله فيها نصيب، وما من كربةٍ تحل ببلد مسلم إلا والشيخ من أول الداعمين والمعينين، وما من عالم أو داعية في بلدٍ إلا ويلجأ - بعد الله تعالى - إلى الشيخ استشارةً واستعانةً واستمدادًا واستنصارًا". [1]
"هذا الرجل السهل، السمح، الحليم، محب الفقراء، سرعان ما ينقلب أسدًا لا يرده عن إقدامه شيء إذا علم بظلم يقع على المسلمين، أو عدوان على شريعة الله.
إن مسلك الشيخ في هذه الناحية هو مسلك العالِم الإسلامي الذي يوقن ملء جوارحه أنه مسؤول عن حماية محارم الله، والدفاع عن حقوق أهل الإسلام بكل ما يملك من طاقةٍ، وبدافع من الشعور الكامل بهذه المسؤولية يتتبع أحوال العالم الإسلامي، فلا ينال المسلمين خير إلا فرح به، ولا مسهم سوء إلا اضطرب له، ويرتفع غضبه إلى القمة حين يتعلق الأمر بدين الله، لذلك تراه أسرع العلماء إلى إنكار البدع؛ لأنها بنظره عدوان على حقائق الوحي، وتغيير لدين الله، وفي النهاية هي إبعاد للمسلمين عن جادة الإسلام". [2]
ففي تونس إبان حكم الرئيس السابق الحبيب بورقيبه، حُكِم على جماعة من المسلمين بالإعدام ظلمًا، فلما علم - رحمه الله - بالأمر اتصل بالأمير عبدالله بن عبدالعزيز - الذي كان وليًّا للعهد آنذاك - للشفاعة لدى الحكومة التونسية، فاتصل الأمير بالحكومة هناك واستجابت لشفاعته، وأفرج عن المساجين بعفو عام.
وتكرر الأمر أيضًا في عام 1409هـ، ولكن هذه المرة في الصومال؛ حيث حُكِم على عشرة من الدعاة وطلبة العلم بالإعدام، فتدخل الشيخ واتصل أيضًا بالأمير عبدالله بن عبدالعزيز، والذي استجاب سريعًا واتصل بالحكومة الصومالية، وتم الإفراج عنهم. [3]
كما تأثر الشيخ تأثرًا كبيرًا بما حدث للمسلمين الأكراد في مدينة حلبجة العراقية من تقتيلٍ وتهجيرٍ وتشريدٍ إبان حرب الخليج الأولى، فقدَّم ما يستطيع من مساعدةٍ، وجعل يُحرض أهل الخير على تقديم المساعدات، واهتمَّ بمتابعة قضية الأكراد اهتمامًا كبيرًا جعلت الدكتور علي بن محي الدين القره داغي يقول: "كان مهتمًّا بالقضية الكردية حتى كنتُ أظن أنها القضية الأولى عنده، ولكن كانت هذه عادته في العناية بكل قضايا المسلمين". [4]
وكان من اهتمامه بأمر المسلمين أنه يحرص على استماع أخبار العالم الإسلامي عبر المذياع، ويُقرأ عليه التقرير الإخباري الذي يأتيه من وكالة الأنباء السعودية، فإذا سمع خبرًا سارًّا تهلل وجهه وحمد الله، وإذا سمع خبرًا سيئًا تأثَّر وحوقل واسترجع وربما بكى، بل إنه يفقد الشهية للطعام أحيانًا من شدة تألمه بما وقع للمسلمين.
ووصل به الأمر إلى أن يسأل عن أحوال المسلمين في كوسوفا وهو على سرير المرض في المستشفى - وذلك في مرضه الأخير الذي تلته الوفاة، يقول الدكتور عبدالله بن حافظ الحكمي مدير مكتب الشيخ: "سمعت من بعض الإخوة الفضلاء، وقد زاره وزميل له وهو في المستشفى في الطائف، وقد عزما على أن لا يذكرا للشيخ شيئًا من الأحوال العامَّة؛ استبقاء لصحته ورفقًا به، ولكنه - رحمه الله - صرفهم عن السؤال عن حاله بالسؤال عن المسلمين في كوسوفا، وقد كان يسأل بإلحاح ونفس تتقطع أسى وحزنًا على أحوالهم". [5]
ويقول الشيخ هشام بن صالح الزير: "ولا أنسى ولن ينسى الناس أن الشيخ كان يسعى لهم حتى في أيامه الأخيرة، ففي آخر جمعة صلاها في جامع العباس بالطائف - وكان ذلك قبل وفاته بنحو عشرة أيام - خطب الإمام عن أوضاع المسلمين في كوسوفا، ومدى حاجتهم، فما أن انتهت الصلاة حتى وقف الشيخ أمام الناس وألقى موعظةً حثَّ فيها على التبرع للمسلمين". [6]
لا يخشى في الحق لومة لائم:
كان سماحة الشيخ - رحمه الله - قويًّا في الحق، لا يتردد في قوله وإن غضب مَن غضب، متجردًا من الأهواء، عاملًا بوصية النبي ﷺ لأبي ذر حيث أوصاه أن يقول بالحق وإن كان مُرًّا، وألا يخاف في الله لومة لائم. [7]
يقول الشيخ محمد الموسى - أحد المقرَّبين من سماحته: "سماحته معروف بقول الحق والصدق، ولا أعلم أنه اهتزَّ أو توقَّف عن إنكار منكرٍ لكونه صدر من فلان أو فلان، بل يُنكر المنكر على أي أحدٍ، ولكن بالأساليب الحكيمة الناجعة الناجحة الموافقة لما جاء في الشرع المطهر". [8]
وإن مما يدل أيضًا على شجاعة الشيخ في الحق: أنه لما طعن أحدُ الرؤساء في القرآن الكريم، واصفًا إياه بالتناقض، وتكلَّم عن النبي ﷺ بكلامٍ لا يليق، وكان ذلك عام 1394هـ؛ أرسل له الشيخُ رسالةً بيَّن فيها أن كلامه هذا كفر وردة عن الإسلام، وأنه يجب عليه أن يتوب ويرجع إلى الإسلام، ويُعلن توبته في الصحف التي نشرت كلامه الأول، فلما لم يفعل كتب سماحته مقالًا فنَّد فيه كلام هذا الرجل، موضحًا كفره بدين الله تعالى، دون أن يخشى ردة فعله وعاقبة غضبه. [9]
الإنصاف مع الموافقين والمخالفين:
لم يكن الشيخ - رحمه الله - في يوم من الأيام متحاملًا على أحدٍ، أو مُتربِّصًا بأحدٍ، أو يحمل في صدره ضغينةً لإنسانٍ، بل كان منصفًا، متجرِّدًا للحق، منافحًا عنه، مُؤيِّدًا لمن يأتي به أيًّا كان شخصه، وأيًّا كانت منزلته، وإن كان له معه قبل ذلك خلاف أو أخطأ في حقِّ الشيخ وأساء إليه، فالشيخ يتميز بسلامة صدره، وقد ظهر أثر ذلك في إنصافه وإحقاقه للحق؛ لذلك قَبِلَ الناس حكمه، ورضخوا لرأيه.
ومن مظاهر هذا العدل: أنه إذا قُرئ عليه كتاب أو سمع كلامًا لأحدٍ؛ استمع لذلك وهو خالي الذهن من أي خلافٍ سابقٍ أو محبَّةٍ وودٍّ، فيُثني على المخالف إذا وجد في كلامه ما يوافق الحق، وينتقد المحب إذا كان في كلامه مخالفة للحق، دون تحاملٍ أو مجاملةٍ.
يقول الشيخ محمد الموسى: "كثيرًا ما كنتُ أقرأ عليه في كتبٍ لأناس قريبين إليه، بل ربما كانوا من خاصة محبيه، ومع ذلك ربما كتب على الكتاب عددًا كثيرًا من الملحوظات والاستدراكات، والعكس من ذلك؛ حيث أقرأ عليه بعض الأحيان في كتب يطلب قراءتها لأناس مخالفين، فإذا قرأها تجرَّد من كل هوى، وقبل ما فيها من حقٍّ، بل ربما أثنى على بعض المواضيع فيها، وإذا رأى ملحوظة أشار إليها، ونقل الدليل على خطئها، أو ساق ما يراه، أو أبدى الوجه الأَوْلَى في المسألة التي تدور حولها الملحوظة". [10].
ولا يغضب إذا ردَّ عليه أحدٌ في مسألةٍ ما وناقشه فيها، بل يتسع صدره للنقاش، ويقابل الحجة بالحجة، ويُظهر وجه الحق فيما ذهب إليه، وإن بان له بعد النقاش صوابَ رأي مناقشه تراجع عن رأيه، وأعلن تأييده لرأي مناقشه دون تردد أو شعور بالهزيمة كما يفعل البعض.
لقد تحرى الشيخ العدل والإنصاف حتى فيما يصدر من القارئ تجاه ما يقرأه، فإذا شعر أن القارئ الذي يقرأ عليه ينتقص من كلام إنسان أو يحط من شأنه؛ أظهر سماحته الاحترام والتقدير لذلك الشخص، ومدحه بما هو أهله، ويقول لقارئه: "فيه خير كثير، وليس معصومًا، ولسنا معصومين، وكلنا ذوو خطأ، وهذه صفات البشر".
كما أنه لا يكره المخالفين، ولا ينتقدهم لمجرد مخالفتهم له، بل يُرحِّب بالخلاف طالما أنه مستندٌ إلى دليل يُقوِّيه، ولا يتكلَّف عناء الرد عليه، ويلتمس العذر للمخالفين، ولا يُلزم غيره باتباع ما يراه.
ومما يذكر في ذلك: أن سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - أفتى بأن للمسافر أن يترخص برخص السفر طيلة سفره، ولو مكث في سفره ما مكث، دون أن يقصر ذلك على زمن محدد كما يرى الجمهور، واشتهرت هذه الفتوى، حتى ألح كثير من طلبة العلم والمشايخ على سماحة شيخنا ابن باز - رحمه الله - في أن يكتب ردًّا على تلك الفتوى، فأحضر سماحته عددًا من الكتب - كالمغني لابن قدامة ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهما - وأمر بقراءة ما يتعلق بهذه المسألة، فلما انتهى القارئ قال سماحة الشيخ: "أما أنا فلن أرد عليه، ورأيه له وجاهته".
وقد أعدَّ الدكتور إبراهيم الصبيحي بحثًا مفصَّلًا يرد فيه على فتوى الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - وطلب من شيخنا أن يطلع عليه ويبدي رأيه فيه، فلما قرئ البحث على الشيخ قال: "هذا بحث مفيد، ولكن رأي المخالف له حقه من النظر"، ثم قال: "أما أنا فالذي أُفتي به هو رأي الجمهور، وهو التحديد بأربعة أيام". [11]
المسارعة إلى إنكار المنكر:
لم يتوانَ الشيخ - رحمه الله - عن إنكار منكرٍ علم به صغيرًا أو كبيرًا، سواء كان فاعله فردًا أو جماعةً، شريفًا أو وضيعًا، من طلبة العلم أو عاميًّا، وسواء كان داخل المملكة أو خارجها، بحسب طاقته واستطاعته.
فسماحته لا يحتقر شيئًا من المنكرات، فمعظم النار من مُسْتَصْغَر الشَّرر، كما أنه لا يستعظم فاعل المنكر، فمهما عَلَا قدرُه وارتفعت منزلته فهو بشر غير معصوم.
جلس بالقرب منه ذات يوم رجلٌ رفيع القدر، عالي المنزلة، فلما أراد الشيخ أن يقوم وطئتْ قدمُه عباءة الضيف؛ فأحس أنها طويلة، فقال له الشيخ: "أيش هذا؟! بشتك طويل! هداك الله!". [12]
يذكر أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري: "أنَّ أحد العوام الجَهلَة ذبح الذبائح عند عجلات سيارة الملك سعود - رحمه الله - بالصفاة؛ ابتهاجًا بقدومه، فقام الشيخ ابن باز يدور والدمع يخنقه، ويصيح بأعلى صوته: إنها حرام حرام لا يجوز أكلها، ولما علم الملك سعود - رحمه الله - بفعل الجاهل غضب، وأذن لها نُقِلَت لحديقة الحيوانات، وشكر للشيخ موقفه". [13]
منهجه في النصح والإرشاد:
حرص الشيخ - رحمه الله - على أن يأمر بالمعروف بمعروفٍ، وينهى عن المنكر بمعروفٍ؛ رغبةً منه في استمالة قلب المخاطب واستجابته لما يُؤمر به أو يُنهى عنه، فكان لذلك يحرص على الأمور الآتية:
1. التثبت:
كان الشيخ - رحمه الله - حريصًا على تحري صحة الأخبار التي ترد إليه قبل أن يُقدِم على فعلٍ أو يُحجم عن أمرٍ، خاصةً إذا كان المخبرُ مجهولًا أو غير موثوقٍ به.
قال الشيخ محمد الموسى: "كان من منهجه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أنه يتثبت ويتحرى ويطلب البينة، وإذا ثبت لديه وقوع منكر من شخصٍ أو جهةٍ كتب إليهم، وخاطبهم مشافهةً، أو استدعى من يعنيه الأمر، ثم أنكر عليه بلطفٍ، وبيَّن له الأدلة على ما يقول، ورغَّبه في الخير، وحذَّره من الشر، فما يكاد يقوم بهذا الأمر إلا ويجد القبول والاستجابة، فكم درأ الله به من مفسدةٍ، وكم قضى الله على يديه من منكرٍ، وكم أحيا به من سنةٍ، وقمع به من بدعةٍ". [14]
وقال عبدالرحمن بن عبدالله التويجري: "كان - رحمه الله - يتعامل مع الأمور التي تعرض له بحكمة وتأنٍ وبعد نظر بعيدًا عن العجلة والتسرع. يأتي إليه الرجل وهو يبكي ويتضجر، فيقول عد إلينا بعد كذا حتى نبحث في الأمر وننظر، ويأتيه الآخر وهو يرمي بكلامه بشرر واصفًا ما رآه من منكر فيشكره على غيرته ويهون عليه ويكتب إلى من كان مسئولا عن ذلك ويذكره، وأذكر يومًا من الأيام أتيته لأخبره عن وجود نشرة تقلل من شأن بعض العلماء، فقال: ائتني بنسخة منها وتثبت في الأمر أكثر". [15]
2. استغلال المناسبات في النُّصح والإرشاد:
استغل الشيخ - رحمه الله - ما يمر بالمسلمين من مناسبات سارَّة أو غير سارة في تذكيرهم بالله، وحثهم على ترك المعاصي والالتزام بالشرع الحنيف، وتبصيرهم بما عليهم فعله في هذه المناسبة أو تلك.
فكان إذا أقبل شهر رمضان وجَّه كلمةً إلى عموم المسلمين يحثهم فيها على اغتنام هذا الشهر بالإكثار من الطاعات والأعمال الصالحة، والتوبة النصوح والإقلاع عن المعاصي والذنوب في هذا الشهر وفي غيره.
وإذا حضر موسم الحج نشر في وسائل الإعلام والصحف كلمات وفتاوى تُبين عظم هذا الركن عند الله تعالى، ووجوب تأديته على المستطيع، موضحًا الكثير من الأحكام المتعلقة به، ومحذرًا من البدع والأخطاء التي قد يقع فيها بعضُ الحجيج.
وعند احتباس الأمطار عن الناس، مع حاجة الناس إليها، يُوجه - رحمه الله - نصيحةً للمسلمين يدعوهم فيها إلى التوبة النَّصوح، والإقبال على الله تعالى بالصلاة والدعاء، ويُبين لهم أنَّ الذنوب والمعاصي من أعظم أسباب احتباس الأمطار، ويحضهم على الصدقات، وإخراج الزكاة المفروضة.
وعند وقوع اعتداء على المسلمين في أي مكانٍ في العالم يُسارع بتوجيه كلمة يستنفر فيها المسلمين إلى نصرة إخوانهم بالمستطاع، مبينًا لهم حقّ إخوانهم عليهم في مثل هذه الظروف، وضرورة إمدادهم بما يحتاجون، ومستنكرًا في الوقت نفسه ذلك الاعتداء، كما حدث في عام 1419هـ حين تسلط الصربُ على المسلمين في كوسوفا، فأملى الشيخ كلمةً نُشرت في وسائل الإعلام يدعو فيها المسلمين إلى مساعدة إخوانهم، وإمدادهم بما يحتاجون من مساعدات. [16]
وإن وقع نزاع أو خلاف بين دولتين مسلمتين أو جماعتين يرسل رسالة يُبين فيها حق الإخوة في الإسلام، ويدعو إلى الألفة وترك الاختلاف وحلّ ما يقع من مشكلات بالحكمة والروية والاحتكام إلى الشرع، ويحذر من مغبة الاختلاف وسوء عاقبة النزاع.
فحين وقع خلاف بين مصر والسودان بسبب تنازع السيطرة على حلايب وشلاتين، أرسل رسالةً إلى الرئيس المصري - في ذلك الوقت - حسني مبارك، اقترح فيها تشكيل لجنة من أهل الشرع لينظروا في الأمر، ويحكموا فيه وفق أحكام الإسلام، مبينًا عدم جواز الاحتكام إلى محكمة العدل الدولية. [17]
كما أرسل رسالةً إلى المجاهدين الأفغان سنة 1406هـ حين وقع خلاف بينهم أدى إلى انفصال قائد منهم بأتباعه عن الباقين، فحذرهم الشيخ من سوء عاقبة الخلاف، وطالبهم بالاجتماع وحل خلافاتهم في ضوء الشرع الحنيف، وأن يكونوا وحدةً واحدةً في مواجهة أعدائهم، وأرسل أيضًا وفدًا من بعض المشايخ للإصلاح بينهم. [18]
وفي الولائم التي يُدْعَى إليها سماحته - كولائم الزواج وغيرها - يحرص على نفع الحاضرين بالعلم، فيطلب من أحد الحاضرين قراءة بعض آيات من كتاب الله تعالى، ثم يقوم الشيخ بتفسيرها وبيان المستفاد منها، ويجيب بعد ذلك عن أسئلة الحاضرين. [19]
وهكذا كان يفعل سماحة شيخنا - رحمه الله - في سائر المناسبات، مستشعرًا عظم المسؤولية الملقاة على عاتقه، ليس تجاه إخوانه في المملكة فحسب، بل تجاه إخوانه المسلمين في شتى بقاع الأرض.
3. طريقته في النصح:
حرص سماحة الشيخ - رحمه الله - على اتباع طريقة قويمة في النصح والإرشاد، فلم يكن ينظر إلى جانب الإبلاغ وأداء ما عليه فقط، بل كان مهتمًّا أيضًا باستجابة المخاطب واستمالة قلبه؛ فالتزم بالأمور الآتية ليحقق ما يريد:
أ. الرفق وإخفاء النصيحة:
من الأمور الأساسية التي حافظ عليها - رحمه الله - الرفق بالمدعو، وإخفاء النصيحة؛ عملًا بقول النبي ﷺ: إنَّ الرِّفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه، ولا يُنزع من شيءٍ إلا شانه[20]، وقول الإمام الشافعي - رحمه الله: "مَن وعظ أخاه سِرًّا فقد نصحه وزانه، ومَن وعظه علانيةً فقد فضحه وشانه". [21]
جاءه ذات يوم شاب للسلام عليه، فلما اقترب من الشيخ شمَّ منه رائحة الدخان، فجعل الشيخ يتلطف معه في الحديث وينصحه سِرًّا وبرفق بترك التدخين، مبينًا له حرمته وخطورته على صحته، فأثَّرت نصيحة الشيخ في هذا الشاب وترك التدخين وأقبل على العلم الشرعي وصار بعد ذلك من الدعاة إلى الله تعالى. [22]
وجلس إليه شخصٌ في أحد الأيام، فكان الشيخ يُثني عليه ويُخاطبه بقوله: (يا شيخ)، فلما انصرف قال أحدُ الحاضرين: يا سماحة الشيخ، هذا الشخص لا يستحق أن يُعطى مكانةً، ولا أن يُلقَّب ويُنادى بـ (يا شيخ)؛ لأنه مسبِل، وحالق لحيته، ومطيل لشاربه! فقال له الشيخ: "وهل نصحته؟" فقال: لا، فغضب الشيخ وقال: "لماذا لم تنصحه؟ كيف تُقابل ربك وأنت قد رأيتَ المنكر ولم تُنكره؟ أتخشى الناس؟!" ثم قال لمن حوله: "ذكروني به إذا جاء مرةً أخرى"، وبالفعل جاء الرجل مرة أخرى، فأُخبر الشيخ بذلك، فرَفِق به وجعل ينصحه سِرًّا. [23]
ويقول الدكتور ناصر الزهراني: "لقد كان - رحمه الله - يأخذ بلبي، ويمتلك قلبي بنصائحه القيمة، وتوجيهاته الغالية، كان إذا أراد أن يُقدِّم لي نصيحةً أو يُنبهني على خطأ يُناديني قريبًا منه، ثم يبتسم، ثم يهمس في أذني بلطفٍ: "أقول - بارك الله فيك - لو لاحظت كذا، لو تنبهت لكذا، لو فعلت كذا، جزاك الله خيرًا"، فأجد الكلمات تنساب إلى قلبي وإلى حنايا نفسي، وكأنها الماء البارد على شدة العطش، لقد كان يُقدِّم نصيحته كما لو أنه هو التلميذ ونحن الأساتذة، وهو المريد ونحن الشيوخ، وليس ذلك خاصًّا بي، بل هذا طبعه وديدنه - عليه رحمة الله - مع كلِّ الناس". [24]
وهناك الكثير من المواقف والقصص التي تُخبر عن رفق الشيخ بالمدعوين، وحرصه على إخفاء نصيحته لهم، مما جعل لنصيحته أكبر الأثر في نفوسهم، وتبدلت أحوالهم إلى الأفضل.
ب. حسن الأسلوب وجمال العبارة:
مما اهتم به الشيخ - رحمه الله - إلى جانب الرفق وإخفاء النصيحة: الأسلوب الطيب في عرض النصيحة، وانتقاء العبارات المؤثرة في نفس المدعو، بحيث يستجيب للنصح ولا يتمادى في خطئه.
فكم من إنسانٍ استجاب لتوجيهات الشيخ بسبب الأسلوب المهذب المُشْعِر بأبوة الشيخ للمنصوح، والعبارة السهلة الفهم، القريبة الدلالة على المقصود، حتى قال الشيخ عبدالرحمن بن يوسف الرحمة - أحد تلاميذ الشيخ المقرَّبين: "سماحته - رحمه الله - كان ممن إذا نصح وجد لنصحه أثرًا صادقًا؛ لأنه ينصح برفقٍ ولينٍ وصدقٍ وعزيمةٍ وقَّادةٍ، بل يأخذ بنصحه الصادق قلب المنصوح بكلماتٍ عظيمة المعنى، كبيرة المغزى، فيُخاطب وجدانه بلسانٍ عربي مبين، مؤثر فيه أشد التأثير". [25]
كما تميز الشيخ في مناقشاته وحواراته بالهدوء وطلب الحق، فلا يحمله تعصب متعصِّبٍ أو نفور جاهل أو اعتداد امرئٍ بنفسه على مجاراته في أخلاقه، وإنما يسعى إلى تهدئته ومخاطبته بالأسلوب الذي يُحب، مبينًا له وجه الحق فيما يقول به.
من ذلك أنه جاءه ذات يوم رجلٌ مُعتدٌّ بنفسه، يظن أنه من طلبة العلم الكبار، وجعل يسأل سماحته أسئلة كثيرة دون أن يُفسح المجال لغيره للسؤال، حتى امتدت أسئلته إلى وقت الغداء، فجعل يسأل الشيخ أثناء تناول الغداء، وكلما أجابه الشيخ عن مسألةٍ قال الرجل: هذا هو رأيي، هذا يوافق ما عندي. والشيخ في كل ذلك يُجيبه بلطفٍ دون أن يُظهر له تأففه من كثرة الأسئلة أو اعتراضه على طريقته.
وجاء هذا الرجل في يوم آخر وحضر درس الشيخ بعد صلاة الفجر، وقال للشيخ بعد انتهاء الدرس: سُئلتَ عن كذا وكذا وأجبتَ السائل بكذا وكذا، وأخطأتَ في الإجابة! فابتسم الشيخ وقال: "دليل ما قلت حديث في صحيح مسلم"، وساق الحديث؛ فسكت الرجل. [26]
ج. مخاطبة العقل والمشاعر:
مما جعل لنصائح الشيخ أبلغ الأثر في نفوس المخاطبين: حرصه على مخاطبة عقول مَن ينصحهم ومشاعرهم، فأحيانًا يتصل آباء وأمهات يشكون للشيخ من عقوق أولادهم، فيرسل الشيخ إلى الأولاد أو يُهاتفهم، ويُبين لهم حرمة العقوق، وما يترتب عليه من مفاسد على الأفراد والمجتمعات، ثم يُردف ذلك بسؤال الأولاد: "هل تحبون أن يعقكم أولادكم إذا وصلتم لمثل سنهم؟ وهل يُناسبكم أن تتكففوا الناس وأولادكم أقوياء أصحاء وأغنياء؟ إن ما تعملون في آبائكم من صلةٍ وإحسانٍ سترون أثره في أبنائكم، وهو حق واجب عليكم في البر والعطف ولين الجانب للآباء". [27]
وهكذا نجد في كثيرٍ من نصائحه وتوجيهاته، فلا يكتفي بإيراد الحكم وأدلته من الكتاب أو السنة أو غيرهما، بل يدعم ذلك بحديث العقل وتحريك المشاعر نحو الخير والإحسان، فرحمه الله، وغفر له.
يحمل همَّ الإسلام والمسلمين:
"لم يعش لنفسه، ولم يمثل بلده الذي يعيش فيه فقط، بل كان يعيش للمسلمين جميعًا، يحمل هم الجميع، ويتفاعل مع قضايا الكل، لا يألو جهدًا، ولا يدخر وسعًا، ولا يتخلف عن واجب، ولا يُعرض عن نصرة مسلم، أحب المسلمين جميعًا؛ فأحبه المسلمون جميعًا، أقاصي الشرق، وأطراف الغرب، وأدغال إفريقيا، وزوايا آسيا فيها أناس تعيش - بعد الله - على علمه، وتأكل - بعد الله تعالى - من دعمه، ما من قضية من قضايا المسلمين إلا وله فيها نصيب، وما من كربةٍ تحل ببلد مسلم إلا والشيخ من أول الداعمين والمعينين، وما من عالم أو داعية في بلدٍ إلا ويلجأ - بعد الله تعالى - إلى الشيخ استشارةً واستعانةً واستمدادًا واستنصارًا". [1]
"هذا الرجل السهل، السمح، الحليم، محب الفقراء، سرعان ما ينقلب أسدًا لا يرده عن إقدامه شيء إذا علم بظلم يقع على المسلمين، أو عدوان على شريعة الله.
إن مسلك الشيخ في هذه الناحية هو مسلك العالِم الإسلامي الذي يوقن ملء جوارحه أنه مسؤول عن حماية محارم الله، والدفاع عن حقوق أهل الإسلام بكل ما يملك من طاقةٍ، وبدافع من الشعور الكامل بهذه المسؤولية يتتبع أحوال العالم الإسلامي، فلا ينال المسلمين خير إلا فرح به، ولا مسهم سوء إلا اضطرب له، ويرتفع غضبه إلى القمة حين يتعلق الأمر بدين الله، لذلك تراه أسرع العلماء إلى إنكار البدع؛ لأنها بنظره عدوان على حقائق الوحي، وتغيير لدين الله، وفي النهاية هي إبعاد للمسلمين عن جادة الإسلام". [2]
ففي تونس إبان حكم الرئيس السابق الحبيب بورقيبه، حُكِم على جماعة من المسلمين بالإعدام ظلمًا، فلما علم - رحمه الله - بالأمر اتصل بالأمير عبدالله بن عبدالعزيز - الذي كان وليًّا للعهد آنذاك - للشفاعة لدى الحكومة التونسية، فاتصل الأمير بالحكومة هناك واستجابت لشفاعته، وأفرج عن المساجين بعفو عام.
وتكرر الأمر أيضًا في عام 1409هـ، ولكن هذه المرة في الصومال؛ حيث حُكِم على عشرة من الدعاة وطلبة العلم بالإعدام، فتدخل الشيخ واتصل أيضًا بالأمير عبدالله بن عبدالعزيز، والذي استجاب سريعًا واتصل بالحكومة الصومالية، وتم الإفراج عنهم. [3]
كما تأثر الشيخ تأثرًا كبيرًا بما حدث للمسلمين الأكراد في مدينة حلبجة العراقية من تقتيلٍ وتهجيرٍ وتشريدٍ إبان حرب الخليج الأولى، فقدَّم ما يستطيع من مساعدةٍ، وجعل يُحرض أهل الخير على تقديم المساعدات، واهتمَّ بمتابعة قضية الأكراد اهتمامًا كبيرًا جعلت الدكتور علي بن محي الدين القره داغي يقول: "كان مهتمًّا بالقضية الكردية حتى كنتُ أظن أنها القضية الأولى عنده، ولكن كانت هذه عادته في العناية بكل قضايا المسلمين". [4]
وكان من اهتمامه بأمر المسلمين أنه يحرص على استماع أخبار العالم الإسلامي عبر المذياع، ويُقرأ عليه التقرير الإخباري الذي يأتيه من وكالة الأنباء السعودية، فإذا سمع خبرًا سارًّا تهلل وجهه وحمد الله، وإذا سمع خبرًا سيئًا تأثَّر وحوقل واسترجع وربما بكى، بل إنه يفقد الشهية للطعام أحيانًا من شدة تألمه بما وقع للمسلمين.
ووصل به الأمر إلى أن يسأل عن أحوال المسلمين في كوسوفا وهو على سرير المرض في المستشفى - وذلك في مرضه الأخير الذي تلته الوفاة، يقول الدكتور عبدالله بن حافظ الحكمي مدير مكتب الشيخ: "سمعت من بعض الإخوة الفضلاء، وقد زاره وزميل له وهو في المستشفى في الطائف، وقد عزما على أن لا يذكرا للشيخ شيئًا من الأحوال العامَّة؛ استبقاء لصحته ورفقًا به، ولكنه - رحمه الله - صرفهم عن السؤال عن حاله بالسؤال عن المسلمين في كوسوفا، وقد كان يسأل بإلحاح ونفس تتقطع أسى وحزنًا على أحوالهم". [5]
ويقول الشيخ هشام بن صالح الزير: "ولا أنسى ولن ينسى الناس أن الشيخ كان يسعى لهم حتى في أيامه الأخيرة، ففي آخر جمعة صلاها في جامع العباس بالطائف - وكان ذلك قبل وفاته بنحو عشرة أيام - خطب الإمام عن أوضاع المسلمين في كوسوفا، ومدى حاجتهم، فما أن انتهت الصلاة حتى وقف الشيخ أمام الناس وألقى موعظةً حثَّ فيها على التبرع للمسلمين". [6]
لا يخشى في الحق لومة لائم:
كان سماحة الشيخ - رحمه الله - قويًّا في الحق، لا يتردد في قوله وإن غضب مَن غضب، متجردًا من الأهواء، عاملًا بوصية النبي ﷺ لأبي ذر حيث أوصاه أن يقول بالحق وإن كان مُرًّا، وألا يخاف في الله لومة لائم. [7]
يقول الشيخ محمد الموسى - أحد المقرَّبين من سماحته: "سماحته معروف بقول الحق والصدق، ولا أعلم أنه اهتزَّ أو توقَّف عن إنكار منكرٍ لكونه صدر من فلان أو فلان، بل يُنكر المنكر على أي أحدٍ، ولكن بالأساليب الحكيمة الناجعة الناجحة الموافقة لما جاء في الشرع المطهر". [8]
وإن مما يدل أيضًا على شجاعة الشيخ في الحق: أنه لما طعن أحدُ الرؤساء في القرآن الكريم، واصفًا إياه بالتناقض، وتكلَّم عن النبي ﷺ بكلامٍ لا يليق، وكان ذلك عام 1394هـ؛ أرسل له الشيخُ رسالةً بيَّن فيها أن كلامه هذا كفر وردة عن الإسلام، وأنه يجب عليه أن يتوب ويرجع إلى الإسلام، ويُعلن توبته في الصحف التي نشرت كلامه الأول، فلما لم يفعل كتب سماحته مقالًا فنَّد فيه كلام هذا الرجل، موضحًا كفره بدين الله تعالى، دون أن يخشى ردة فعله وعاقبة غضبه. [9]
الإنصاف مع الموافقين والمخالفين:
لم يكن الشيخ - رحمه الله - في يوم من الأيام متحاملًا على أحدٍ، أو مُتربِّصًا بأحدٍ، أو يحمل في صدره ضغينةً لإنسانٍ، بل كان منصفًا، متجرِّدًا للحق، منافحًا عنه، مُؤيِّدًا لمن يأتي به أيًّا كان شخصه، وأيًّا كانت منزلته، وإن كان له معه قبل ذلك خلاف أو أخطأ في حقِّ الشيخ وأساء إليه، فالشيخ يتميز بسلامة صدره، وقد ظهر أثر ذلك في إنصافه وإحقاقه للحق؛ لذلك قَبِلَ الناس حكمه، ورضخوا لرأيه.
ومن مظاهر هذا العدل: أنه إذا قُرئ عليه كتاب أو سمع كلامًا لأحدٍ؛ استمع لذلك وهو خالي الذهن من أي خلافٍ سابقٍ أو محبَّةٍ وودٍّ، فيُثني على المخالف إذا وجد في كلامه ما يوافق الحق، وينتقد المحب إذا كان في كلامه مخالفة للحق، دون تحاملٍ أو مجاملةٍ.
يقول الشيخ محمد الموسى: "كثيرًا ما كنتُ أقرأ عليه في كتبٍ لأناس قريبين إليه، بل ربما كانوا من خاصة محبيه، ومع ذلك ربما كتب على الكتاب عددًا كثيرًا من الملحوظات والاستدراكات، والعكس من ذلك؛ حيث أقرأ عليه بعض الأحيان في كتب يطلب قراءتها لأناس مخالفين، فإذا قرأها تجرَّد من كل هوى، وقبل ما فيها من حقٍّ، بل ربما أثنى على بعض المواضيع فيها، وإذا رأى ملحوظة أشار إليها، ونقل الدليل على خطئها، أو ساق ما يراه، أو أبدى الوجه الأَوْلَى في المسألة التي تدور حولها الملحوظة". [10].
ولا يغضب إذا ردَّ عليه أحدٌ في مسألةٍ ما وناقشه فيها، بل يتسع صدره للنقاش، ويقابل الحجة بالحجة، ويُظهر وجه الحق فيما ذهب إليه، وإن بان له بعد النقاش صوابَ رأي مناقشه تراجع عن رأيه، وأعلن تأييده لرأي مناقشه دون تردد أو شعور بالهزيمة كما يفعل البعض.
لقد تحرى الشيخ العدل والإنصاف حتى فيما يصدر من القارئ تجاه ما يقرأه، فإذا شعر أن القارئ الذي يقرأ عليه ينتقص من كلام إنسان أو يحط من شأنه؛ أظهر سماحته الاحترام والتقدير لذلك الشخص، ومدحه بما هو أهله، ويقول لقارئه: "فيه خير كثير، وليس معصومًا، ولسنا معصومين، وكلنا ذوو خطأ، وهذه صفات البشر".
كما أنه لا يكره المخالفين، ولا ينتقدهم لمجرد مخالفتهم له، بل يُرحِّب بالخلاف طالما أنه مستندٌ إلى دليل يُقوِّيه، ولا يتكلَّف عناء الرد عليه، ويلتمس العذر للمخالفين، ولا يُلزم غيره باتباع ما يراه.
ومما يذكر في ذلك: أن سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - أفتى بأن للمسافر أن يترخص برخص السفر طيلة سفره، ولو مكث في سفره ما مكث، دون أن يقصر ذلك على زمن محدد كما يرى الجمهور، واشتهرت هذه الفتوى، حتى ألح كثير من طلبة العلم والمشايخ على سماحة شيخنا ابن باز - رحمه الله - في أن يكتب ردًّا على تلك الفتوى، فأحضر سماحته عددًا من الكتب - كالمغني لابن قدامة ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهما - وأمر بقراءة ما يتعلق بهذه المسألة، فلما انتهى القارئ قال سماحة الشيخ: "أما أنا فلن أرد عليه، ورأيه له وجاهته".
وقد أعدَّ الدكتور إبراهيم الصبيحي بحثًا مفصَّلًا يرد فيه على فتوى الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - وطلب من شيخنا أن يطلع عليه ويبدي رأيه فيه، فلما قرئ البحث على الشيخ قال: "هذا بحث مفيد، ولكن رأي المخالف له حقه من النظر"، ثم قال: "أما أنا فالذي أُفتي به هو رأي الجمهور، وهو التحديد بأربعة أيام". [11]
المسارعة إلى إنكار المنكر:
لم يتوانَ الشيخ - رحمه الله - عن إنكار منكرٍ علم به صغيرًا أو كبيرًا، سواء كان فاعله فردًا أو جماعةً، شريفًا أو وضيعًا، من طلبة العلم أو عاميًّا، وسواء كان داخل المملكة أو خارجها، بحسب طاقته واستطاعته.
فسماحته لا يحتقر شيئًا من المنكرات، فمعظم النار من مُسْتَصْغَر الشَّرر، كما أنه لا يستعظم فاعل المنكر، فمهما عَلَا قدرُه وارتفعت منزلته فهو بشر غير معصوم.
جلس بالقرب منه ذات يوم رجلٌ رفيع القدر، عالي المنزلة، فلما أراد الشيخ أن يقوم وطئتْ قدمُه عباءة الضيف؛ فأحس أنها طويلة، فقال له الشيخ: "أيش هذا؟! بشتك طويل! هداك الله!". [12]
يذكر أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري: "أنَّ أحد العوام الجَهلَة ذبح الذبائح عند عجلات سيارة الملك سعود - رحمه الله - بالصفاة؛ ابتهاجًا بقدومه، فقام الشيخ ابن باز يدور والدمع يخنقه، ويصيح بأعلى صوته: إنها حرام حرام لا يجوز أكلها، ولما علم الملك سعود - رحمه الله - بفعل الجاهل غضب، وأذن لها نُقِلَت لحديقة الحيوانات، وشكر للشيخ موقفه". [13]
منهجه في النصح والإرشاد:
حرص الشيخ - رحمه الله - على أن يأمر بالمعروف بمعروفٍ، وينهى عن المنكر بمعروفٍ؛ رغبةً منه في استمالة قلب المخاطب واستجابته لما يُؤمر به أو يُنهى عنه، فكان لذلك يحرص على الأمور الآتية:
1. التثبت:
كان الشيخ - رحمه الله - حريصًا على تحري صحة الأخبار التي ترد إليه قبل أن يُقدِم على فعلٍ أو يُحجم عن أمرٍ، خاصةً إذا كان المخبرُ مجهولًا أو غير موثوقٍ به.
قال الشيخ محمد الموسى: "كان من منهجه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أنه يتثبت ويتحرى ويطلب البينة، وإذا ثبت لديه وقوع منكر من شخصٍ أو جهةٍ كتب إليهم، وخاطبهم مشافهةً، أو استدعى من يعنيه الأمر، ثم أنكر عليه بلطفٍ، وبيَّن له الأدلة على ما يقول، ورغَّبه في الخير، وحذَّره من الشر، فما يكاد يقوم بهذا الأمر إلا ويجد القبول والاستجابة، فكم درأ الله به من مفسدةٍ، وكم قضى الله على يديه من منكرٍ، وكم أحيا به من سنةٍ، وقمع به من بدعةٍ". [14]
وقال عبدالرحمن بن عبدالله التويجري: "كان - رحمه الله - يتعامل مع الأمور التي تعرض له بحكمة وتأنٍ وبعد نظر بعيدًا عن العجلة والتسرع. يأتي إليه الرجل وهو يبكي ويتضجر، فيقول عد إلينا بعد كذا حتى نبحث في الأمر وننظر، ويأتيه الآخر وهو يرمي بكلامه بشرر واصفًا ما رآه من منكر فيشكره على غيرته ويهون عليه ويكتب إلى من كان مسئولا عن ذلك ويذكره، وأذكر يومًا من الأيام أتيته لأخبره عن وجود نشرة تقلل من شأن بعض العلماء، فقال: ائتني بنسخة منها وتثبت في الأمر أكثر". [15]
2. استغلال المناسبات في النُّصح والإرشاد:
استغل الشيخ - رحمه الله - ما يمر بالمسلمين من مناسبات سارَّة أو غير سارة في تذكيرهم بالله، وحثهم على ترك المعاصي والالتزام بالشرع الحنيف، وتبصيرهم بما عليهم فعله في هذه المناسبة أو تلك.
فكان إذا أقبل شهر رمضان وجَّه كلمةً إلى عموم المسلمين يحثهم فيها على اغتنام هذا الشهر بالإكثار من الطاعات والأعمال الصالحة، والتوبة النصوح والإقلاع عن المعاصي والذنوب في هذا الشهر وفي غيره.
وإذا حضر موسم الحج نشر في وسائل الإعلام والصحف كلمات وفتاوى تُبين عظم هذا الركن عند الله تعالى، ووجوب تأديته على المستطيع، موضحًا الكثير من الأحكام المتعلقة به، ومحذرًا من البدع والأخطاء التي قد يقع فيها بعضُ الحجيج.
وعند احتباس الأمطار عن الناس، مع حاجة الناس إليها، يُوجه - رحمه الله - نصيحةً للمسلمين يدعوهم فيها إلى التوبة النَّصوح، والإقبال على الله تعالى بالصلاة والدعاء، ويُبين لهم أنَّ الذنوب والمعاصي من أعظم أسباب احتباس الأمطار، ويحضهم على الصدقات، وإخراج الزكاة المفروضة.
وعند وقوع اعتداء على المسلمين في أي مكانٍ في العالم يُسارع بتوجيه كلمة يستنفر فيها المسلمين إلى نصرة إخوانهم بالمستطاع، مبينًا لهم حقّ إخوانهم عليهم في مثل هذه الظروف، وضرورة إمدادهم بما يحتاجون، ومستنكرًا في الوقت نفسه ذلك الاعتداء، كما حدث في عام 1419هـ حين تسلط الصربُ على المسلمين في كوسوفا، فأملى الشيخ كلمةً نُشرت في وسائل الإعلام يدعو فيها المسلمين إلى مساعدة إخوانهم، وإمدادهم بما يحتاجون من مساعدات. [16]
وإن وقع نزاع أو خلاف بين دولتين مسلمتين أو جماعتين يرسل رسالة يُبين فيها حق الإخوة في الإسلام، ويدعو إلى الألفة وترك الاختلاف وحلّ ما يقع من مشكلات بالحكمة والروية والاحتكام إلى الشرع، ويحذر من مغبة الاختلاف وسوء عاقبة النزاع.
فحين وقع خلاف بين مصر والسودان بسبب تنازع السيطرة على حلايب وشلاتين، أرسل رسالةً إلى الرئيس المصري - في ذلك الوقت - حسني مبارك، اقترح فيها تشكيل لجنة من أهل الشرع لينظروا في الأمر، ويحكموا فيه وفق أحكام الإسلام، مبينًا عدم جواز الاحتكام إلى محكمة العدل الدولية. [17]
كما أرسل رسالةً إلى المجاهدين الأفغان سنة 1406هـ حين وقع خلاف بينهم أدى إلى انفصال قائد منهم بأتباعه عن الباقين، فحذرهم الشيخ من سوء عاقبة الخلاف، وطالبهم بالاجتماع وحل خلافاتهم في ضوء الشرع الحنيف، وأن يكونوا وحدةً واحدةً في مواجهة أعدائهم، وأرسل أيضًا وفدًا من بعض المشايخ للإصلاح بينهم. [18]
وفي الولائم التي يُدْعَى إليها سماحته - كولائم الزواج وغيرها - يحرص على نفع الحاضرين بالعلم، فيطلب من أحد الحاضرين قراءة بعض آيات من كتاب الله تعالى، ثم يقوم الشيخ بتفسيرها وبيان المستفاد منها، ويجيب بعد ذلك عن أسئلة الحاضرين. [19]
وهكذا كان يفعل سماحة شيخنا - رحمه الله - في سائر المناسبات، مستشعرًا عظم المسؤولية الملقاة على عاتقه، ليس تجاه إخوانه في المملكة فحسب، بل تجاه إخوانه المسلمين في شتى بقاع الأرض.
3. طريقته في النصح:
حرص سماحة الشيخ - رحمه الله - على اتباع طريقة قويمة في النصح والإرشاد، فلم يكن ينظر إلى جانب الإبلاغ وأداء ما عليه فقط، بل كان مهتمًّا أيضًا باستجابة المخاطب واستمالة قلبه؛ فالتزم بالأمور الآتية ليحقق ما يريد:
أ. الرفق وإخفاء النصيحة:
من الأمور الأساسية التي حافظ عليها - رحمه الله - الرفق بالمدعو، وإخفاء النصيحة؛ عملًا بقول النبي ﷺ: إنَّ الرِّفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه، ولا يُنزع من شيءٍ إلا شانه[20]، وقول الإمام الشافعي - رحمه الله: "مَن وعظ أخاه سِرًّا فقد نصحه وزانه، ومَن وعظه علانيةً فقد فضحه وشانه". [21]
جاءه ذات يوم شاب للسلام عليه، فلما اقترب من الشيخ شمَّ منه رائحة الدخان، فجعل الشيخ يتلطف معه في الحديث وينصحه سِرًّا وبرفق بترك التدخين، مبينًا له حرمته وخطورته على صحته، فأثَّرت نصيحة الشيخ في هذا الشاب وترك التدخين وأقبل على العلم الشرعي وصار بعد ذلك من الدعاة إلى الله تعالى. [22]
وجلس إليه شخصٌ في أحد الأيام، فكان الشيخ يُثني عليه ويُخاطبه بقوله: (يا شيخ)، فلما انصرف قال أحدُ الحاضرين: يا سماحة الشيخ، هذا الشخص لا يستحق أن يُعطى مكانةً، ولا أن يُلقَّب ويُنادى بـ (يا شيخ)؛ لأنه مسبِل، وحالق لحيته، ومطيل لشاربه! فقال له الشيخ: "وهل نصحته؟" فقال: لا، فغضب الشيخ وقال: "لماذا لم تنصحه؟ كيف تُقابل ربك وأنت قد رأيتَ المنكر ولم تُنكره؟ أتخشى الناس؟!" ثم قال لمن حوله: "ذكروني به إذا جاء مرةً أخرى"، وبالفعل جاء الرجل مرة أخرى، فأُخبر الشيخ بذلك، فرَفِق به وجعل ينصحه سِرًّا. [23]
ويقول الدكتور ناصر الزهراني: "لقد كان - رحمه الله - يأخذ بلبي، ويمتلك قلبي بنصائحه القيمة، وتوجيهاته الغالية، كان إذا أراد أن يُقدِّم لي نصيحةً أو يُنبهني على خطأ يُناديني قريبًا منه، ثم يبتسم، ثم يهمس في أذني بلطفٍ: "أقول - بارك الله فيك - لو لاحظت كذا، لو تنبهت لكذا، لو فعلت كذا، جزاك الله خيرًا"، فأجد الكلمات تنساب إلى قلبي وإلى حنايا نفسي، وكأنها الماء البارد على شدة العطش، لقد كان يُقدِّم نصيحته كما لو أنه هو التلميذ ونحن الأساتذة، وهو المريد ونحن الشيوخ، وليس ذلك خاصًّا بي، بل هذا طبعه وديدنه - عليه رحمة الله - مع كلِّ الناس". [24]
وهناك الكثير من المواقف والقصص التي تُخبر عن رفق الشيخ بالمدعوين، وحرصه على إخفاء نصيحته لهم، مما جعل لنصيحته أكبر الأثر في نفوسهم، وتبدلت أحوالهم إلى الأفضل.
ب. حسن الأسلوب وجمال العبارة:
مما اهتم به الشيخ - رحمه الله - إلى جانب الرفق وإخفاء النصيحة: الأسلوب الطيب في عرض النصيحة، وانتقاء العبارات المؤثرة في نفس المدعو، بحيث يستجيب للنصح ولا يتمادى في خطئه.
فكم من إنسانٍ استجاب لتوجيهات الشيخ بسبب الأسلوب المهذب المُشْعِر بأبوة الشيخ للمنصوح، والعبارة السهلة الفهم، القريبة الدلالة على المقصود، حتى قال الشيخ عبدالرحمن بن يوسف الرحمة - أحد تلاميذ الشيخ المقرَّبين: "سماحته - رحمه الله - كان ممن إذا نصح وجد لنصحه أثرًا صادقًا؛ لأنه ينصح برفقٍ ولينٍ وصدقٍ وعزيمةٍ وقَّادةٍ، بل يأخذ بنصحه الصادق قلب المنصوح بكلماتٍ عظيمة المعنى، كبيرة المغزى، فيُخاطب وجدانه بلسانٍ عربي مبين، مؤثر فيه أشد التأثير". [25]
كما تميز الشيخ في مناقشاته وحواراته بالهدوء وطلب الحق، فلا يحمله تعصب متعصِّبٍ أو نفور جاهل أو اعتداد امرئٍ بنفسه على مجاراته في أخلاقه، وإنما يسعى إلى تهدئته ومخاطبته بالأسلوب الذي يُحب، مبينًا له وجه الحق فيما يقول به.
من ذلك أنه جاءه ذات يوم رجلٌ مُعتدٌّ بنفسه، يظن أنه من طلبة العلم الكبار، وجعل يسأل سماحته أسئلة كثيرة دون أن يُفسح المجال لغيره للسؤال، حتى امتدت أسئلته إلى وقت الغداء، فجعل يسأل الشيخ أثناء تناول الغداء، وكلما أجابه الشيخ عن مسألةٍ قال الرجل: هذا هو رأيي، هذا يوافق ما عندي. والشيخ في كل ذلك يُجيبه بلطفٍ دون أن يُظهر له تأففه من كثرة الأسئلة أو اعتراضه على طريقته.
وجاء هذا الرجل في يوم آخر وحضر درس الشيخ بعد صلاة الفجر، وقال للشيخ بعد انتهاء الدرس: سُئلتَ عن كذا وكذا وأجبتَ السائل بكذا وكذا، وأخطأتَ في الإجابة! فابتسم الشيخ وقال: "دليل ما قلت حديث في صحيح مسلم"، وساق الحديث؛ فسكت الرجل. [26]
ج. مخاطبة العقل والمشاعر:
مما جعل لنصائح الشيخ أبلغ الأثر في نفوس المخاطبين: حرصه على مخاطبة عقول مَن ينصحهم ومشاعرهم، فأحيانًا يتصل آباء وأمهات يشكون للشيخ من عقوق أولادهم، فيرسل الشيخ إلى الأولاد أو يُهاتفهم، ويُبين لهم حرمة العقوق، وما يترتب عليه من مفاسد على الأفراد والمجتمعات، ثم يُردف ذلك بسؤال الأولاد: "هل تحبون أن يعقكم أولادكم إذا وصلتم لمثل سنهم؟ وهل يُناسبكم أن تتكففوا الناس وأولادكم أقوياء أصحاء وأغنياء؟ إن ما تعملون في آبائكم من صلةٍ وإحسانٍ سترون أثره في أبنائكم، وهو حق واجب عليكم في البر والعطف ولين الجانب للآباء". [27]
وهكذا نجد في كثيرٍ من نصائحه وتوجيهاته، فلا يكتفي بإيراد الحكم وأدلته من الكتاب أو السنة أو غيرهما، بل يدعم ذلك بحديث العقل وتحريك المشاعر نحو الخير والإحسان، فرحمه الله، وغفر له.
- إمام العصر، لناصر الزهراني (105).
- علماء ومفكرون عرفتهم، لمحمد المجذوب (91).
- ينظر: عبدالعزيز بن باز عالم فقدته الأمة، للشويعر (709-711)، والإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، لعبدالرحمن الرحمة (202،201).
- مجلة المجتمع الكويتية، عدد (1352). بواسطة: الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، لعبدالرحمن الرحمة (199،198).
- جريدة الرياض، عدد (11288). بواسطة: سيرة وحياة الشيخ ابن باز، لإبراهيم الحازمي (1/ 232).
- سيرة وحياة الشيخ ابن باز، لإبراهيم الحازمي (246/1).
- أخرجه أحمد في "المسند" (21415)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (199/5).
- جوانب من سيرة الإمام عبدالعزيز بن باز، رواية محمد الموسى (206).
- ينظر: جوانب من سيرة الإمام عبدالعزيز بن باز، رواية محمد الموسى (208،207)، وعلماء ومفكرون عرفتهم، لمحمد المجذوب (92).
- جوانب من سيرة الإمام عبدالعزيز بن باز، رواية محمد الموسى (217،216).
- ينظر: جوانب من سيرة الإمام عبدالعزيز بن باز، رواية محمد الموسى (217-219)، وسيرة وحياة الشيخ ابن باز، لإبراهيم الحازمي (254/1).
- ينظر: إمام العصر، لناصر الزهراني (73).
- مواقف مضيئة في حياة الإمام عبدالعزيز ابن باز، لحمود المطر (32).
- جوانب من سيرة الإمام عبدالعزيز بن باز، رواية محمد الموسى (343،342).
- جريدة الجزيزة - عدد: (9727)، بواسطة: مواقف مضيئة في حياة الإمام ابن باز، حمود بن عبدالله المطر(71).
- ينظر: عبدالعزيز بن باز عالم فقدته الأمة، للشويعر (711).
- ينظر: المصدر السابق (709).
- ينظر: المصدر السابق (709،708).
- ينظر: جوانب من سيرة الإمام عبدالعزيز بن باز، رواية محمد الموسى (524-528).
- أخرجه مسلم (2594).
- رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (140/9).
- ينظر: الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، لعبدالرحمن الرحمة (184)، وسيرة وحياة الشيخ ابن باز، لإبراهيم الحازمي (303،302/1).
- ينظر: جوانب من سيرة الإمام عبدالعزيز بن باز، رواية محمد الموسى (353).
- إمام العصر، لناصر الزهراني (73،72).
- الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، لعبدالرحمن الرحمة (184).
- ينظر: جوانب من سيرة الإمام عبدالعزيز بن باز، رواية محمد الموسى (218،217).
- عبدالعزيز بن باز عالم فقدته الأمة، للشويعر (703،702).