موقفه من قضية تحديد النسل

لقد أثير موضوع تحديد النسل عندما نشرت بعض الصحف المحلية فتوى للمفتي العام في الأردن يقول فيها بإباحة تحديد النسل، وأن الحكومة إذا قررته لزم العمل به، حيث انتشر هذا الخبر بين الناس كانتشار النار في الهشيم، وصار حديث المجالس وكثرت الأسئلة حول هذه الموضوع وهل هذه الفتوى صواب أم خطأ؟! [1]
فرأى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز أنه من الضروري عليه أن يبين للناس الحكم الشرعي لهذه المسألة، وأن يوضح للناس مدى صواب أو خطأ هذه الفتوى، خاصة أنها صدرت من جهة مسؤولة.
فبدأ سماحته بتأمل الأدلة التي اعتمدت عليها هذه الفتوى، فوجدها بعيدة كل البعد عن موضوع الفتوى، حيث استدل بقوله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33]، وبقول النبي ﷺ : يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء[2]، وبالأحاديث الدالة على إباحة العزل، كما اعتمدت هذه الفتوى في القول بتحديد النسل على التخوف من الزيادة السكانية وما يترتب عليها من قلة الموارد كما يقول الخبراء!! [3]
وقد قام سماحته بالرد على هذه الفتوى بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة التي تؤكد على أن القول بتحديد النسل قول مخالف للشريعة، التي جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، كما وضَّح سماحته أن الله سبحانه فطر العباد علي محبة الأولاد وبذل الأسباب في تكثير النسل، وقد امتن الله بذلك في كتابه وجعله من زينة الدنيا، حيث قال تعالى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَات[النحل:72]، وقال تعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الكهف:46]، وحديث النبي ﷺ: تزوجوا الولود الودود؛ فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة[4] وغيرها من الأدلة.
 كما ذكر سماحته أن القول بتحديد النسل مخالف لمصالح الأمة، فإن كثرة النسل من أسباب قوة الأمة وعزتها ومنعتها وهيبتها، وتحديد النسل بضد ذلك يفضي إلي قلتها وضعفها بل إلى فنائه وانقراضها، وهذا واضح لجميع العقلاء لا يحتاج إلى تدليل. [5]
 وأما تخوف المفتي من كثرة السكان وقول الخبراء إن ذلك ينذر بالويل والثبور؛ فهذا شيء لا ينبغي للعاقل فضلا عن العالم أن يلتفت إليه بأن يعلق به أحكامًا تخالف الشريعة، وقد احتج على هذا الزعم بقوله تعالي: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6]، وقوله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم [العنكبوت:60]، وغيرها من الآيات التي تؤكد هذا المعنى. [6]
كما قام سماحته بالرد على قول المفتي في آخر الفتوى: "وإذا قررت الدولة ذلك يكون العمل به لازمًا؛ لأن من المتفق عليه أن ولي الأمر إذا أخذ بقول ضعيف يكون حتمًا".
فقال سماحته: "فهذا القول في غاية السقوط بل هو ظاهر البطلان؛ لأن الحكومة إنما تطاع في المعروف، لا فيما يضر الأمة ويخالف الشرع المطهر والقول بتحديد النسل مخالف للشرع ومصلحة الأمة فكيف تلزم طاعتها فيه، ثم ذكر جملة من الأدلة الشرعية على ذلك، وكان منها، قوله ﷺ: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق[7].
  1. ينظر: مجموع الفتاوى لابن باز (3/326).
  2. صحيح البخاري: (5065).
  3. ينظر: مجموع فتاوى ابن باز، محمد بن سعد الشويعر (3/ 326- 327).
  4. سنن النسائي: (3227).
  5. مجموع فتاوى ابن باز، محمد بن سعد الشويعر (3/ 331).
  6. المصدر السابق، نفسه.
  7. سنن أبي داود: (2625).