شمس المعالي الكاسفة
للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد
ما لي أرى شمس المعالي كاسفه | وبدورها في الليل باتت خاسفه |
ما لي أرى تلك الجموع عيونهم | قد أسبلت دمعًا كوبل الواكفه |
ما لي أرى تلك الجموع قلوبهم | أصبحت من الأحزان حسرى واجفه |
قالوا: ألا تدري بمن فجعوا ومن | ذاك الذي خلف شُعوب الخاطفه |
ذاك الإمام المرتضى بدر الدجى | شمس الهدى مأوى القلوب الخائفه |
شيخ العلا علم التقى بحر الندى | سُمّ العِدَا طِبُّ النفوس اللاهفه |
ملك القلوب فأسلمت لقياده | وأتته بالدعوات تشدو هاتفه |
جاءته طائعة ولم يهزز لها | رمحٌ ولم تُرسل جيوش واحفه |
ملك العيون فإن بدا أعطيته النـ | ـظرات عما في الضمائر كاشفه |
يجدون رؤياه الشريفة نعمة | وإذا توارى فالأضالعُ آسفه |
ملك البيان وحاز فضل خطابه | بقريحة في الخير دومًا ساعفه |
ومواعظ تشفي نفوسًا طالما | ظلَّت على سوء الطرائق عاكفه |
ملك الفضائل من فنون محاسن | فتلادُها في شخصه متآلفه |
حلمٌ وعقل راجح وسكينة | زهد وأيد شاتيات صائفه |
يزور عن هجر الكلام تكرمًا | ويغض طرفًا عن أمور زائفه |
ومن احتمى بطرافه السامي الذُّرا | آوى إلى تلك الظلال الوارفه |
الله شرَّفه وأعلى ذكره | فالناس للشيخ المبجل آلفه |
ألقى العصا بدرى الحجاز فأقفرت | منه الدنا فالعين منها ذارفه |
تبكي الجزيرة من عظيم مصابها | تبكي الشآم لهول تلك القاصفه |
تبكي فلسطين السليبة فقده | تبكية كوسوفا جراحًا نازفه |
تبكيه كشمير الجريحة حينما | عبثت بها أيدي الطغاة الحائفه |
تبكيه أفغان الجهاد فإنها | كانت لنعماه الكريمة عارفه |
نعم النصيرُ لها بحومات الوغى | نعم النصيح إذا الرُّؤى متخالفه |
تبكيه بلدان العروبة كلُّها | والمسلمون بأدمع مترادفه |
يبكي شداة العلم شيخ شيوخهم | من كان وحيًا للفهوم الثاقفه |
حتى المخالفُ مكبر لمقامه | إذ نفسه عن غيها متجانفه |
من للأمور صغارها وكبارها | من للمصائب إن توالت جارفه |
من للوقار وللمسكينة والحجا | أيان تغشى الناس ريحٌ عاصفه |
يا أيها الغطريف ذكرك عاطرٌ | أحييت فينا سيرةً لِغطارفه |
ذكرتنا بالشافعي وأحمد | وذوي الفضائل في القرون السالفه |
هل أنت بعد الشيخ تدخر عبرةً | أو هل ستوليها دماءً راعفه |
لولا التسلي بالقضاء وحكمه | لغدت نفوسٌ في عداد التالفه[1] |
- الإنجاز في ترجمة ابن باز لعبد الرحمن بن يوسف الرحمه، (496).