فاعجب لشيخ في الثرى ويذكر
للشاعر نايف رشدان
| لا هم عفوك والمنايا تزأر | تجوالها خبر وفينا المخبر |
| تختال ما بين الأنام عصيّة | لا قيد آبدة ولا من ينصر |
| لما نأت بالشيخ وهي قوافل | ضج العرين بها وضج المنبر |
| عصفت بآمال الحقول، وبيدها | دوّى بها رعد الفقير الممطر |
| واحتل فينا الدمع حزنا شامخًا | فإذا العيون كليلة تستعبر |
| لا الحزن يرجع في المآتم شيخنا | كلا، ولا همّ يجود ويقتر |
| فإذا النفوس الواجمات شواطئ | وإذا المواجع في مسانا تبحر |
| يا من تودعه القلوب حزينة | وتئن في كنف المصاب وتجأر |
| قد صرت أوعظ في مماتك شرعة | فاعجب لشيخ في الثرى ويُذكّر |
| وروت دموع الحزن موتك سيرة | فكأن عمرك قصة لا تذكر |
| ما كان للموت المهيب جلالة | حتى طواك بحضنه يتبختر |
| لم يترك الحزن العنيف بأرضنا | نورًا يسافر في الدنا أو يسفر |
| لم يبق في حقل الحياة لأجلنا | عودًا زها إلا ذوى يتكسر |
| لم يبق هذا الموت شيئًا صالحًا | إلا طواه كما يباد الأخضر |
| لم تكتحل عيناه إلا بالأذى | فالموت ماض في الخلائق يكبر |
| عنوانه التجويع بين قلوبنا | ومكانه التوديع حين تفطر |
| يا راحلًا لم يثنه حب طغى | ومدامع من كل هم تعصر |
| وتظل منه خوافق مكسورة | لا تستفيق، فأي كسر يجبر |
| أتصير أرض القوم بعدك بلقعًا | وهي التي من غيم علمك تزهر |
| ولقد تأذن من هداك بجنة | لمعلم يبني النهى ويعمر |
| يا راحلًا لم يلقه هذا الردى | حتى طواه بجذعه يستبشر |
| تبدو المباهج في يديك يتيمة | فكأن قلبك في الهوى لا يشعر |
| وتلوك أنفسنا المتاع سخية | ولعابنا في كل ملهى يقطر |
| وعليك من حلل الوقار سحائب | وعلى جليسك كل ود يمطر |
| فتموت خلق الله في غسق الدجى | وتقوم أنت الليل حيًا يبصر |
| ويظل بعض القوم في وضح النهار | يسير يغتال المنى ويكفّر |
| كم كنت تملأ بالرضا أسماعنا | فإذا المقال عذوبة تتكرر |
| كم كنت تملأ كل فتوى حجة | من عذب وردك كل ساق يصدر |
| وكتمت فعل الخير رغم شيوعه | وسواك يعلن بالعطاء ويجهر |
| وأذعت حب الله ليس تباهيًا | إن المحبة ما حيينا تظهر |
| وسموت عن قلل الخصام رجاحة | والخلق عن آثامه لا تصبر |
| وأشحت وجهًا مال عن وهج الدنا | وهي التي في حبها لا تعذر |
| ومشيت عدلا لا تضل بك الخطا | وهي التي من غينا تستغفر |
| وطهرت من أوضار مال الأرض لم | تهنأ قرى والجار حولك معسر |
| رمت الرحيل كما تروم لنا البقا | والله يفعل ما يريد ويقدر |
| يملي لنا التاريخ بعدك أسطرًا | ستظل تبني العمر تلك الأسطر |
| اليوم كيف تغيب يا صبح الورى | والليل بعدك في الشوارع يكبر |
| اليوم كيف تنام يا لغة الهدى | والعلم بعدك في الحقائب يسهر |
| أتُهال فوق البحر أتربة النوى ؟!! | هيهات يفنى الماء وهو الأكثر[1] |
- سيرة وحياة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز لإبراهيم الحازمي، (4/ 1940).