كيف لم نحزن؟!
للدكتور عبدالرحمن بن صالح العشماوي
عظيم في مقامك والرحيل | لأن لديك ميراث الرسول |
ومن ورث الهدى ورث المعالي | وأورثهن جيلًا بعد جيل |
أبي وأبا الجميع، مضيت عنا | كما تمضي الشموس إلى الأفول |
وقد فضلت عنها، فهي تفنى | وتبقى أنت بالذكر الجميل |
مددت جسور وُدِّك لليتامى | وللمسكين والشاكي العليل |
ووجهت الغنيَّ إلى عطاء | ولم تبخل بنصحك للبخيل |
كأنك هامة الجبل ارتفاعًا | وما قُبضت يداه عن السهول |
لنبرة صوتك البازي سرٌّ | يؤثر في القلوب وفي العقول |
تنادي المسلمين إلى ائتلاف | وتدعوهم إلى حلف الفضول |
تبشرهم وتنذرهم وتلوي | أعنتهم عن الفكر الدَّخيل |
وترشدهم إلى كنزٍ عظيم | من الإسلام والمجد الأثيل |
وكم ذي بدعة أغضيت عنه | كما يغضي العزيز عن الذليل |
ولم تبخل عليه بقول حق | وتوجيه إلى أهدى سبيل |
وفرق بين زقوم وشوك | وبين ثمار أشجار النخيل |
وبين الفارس المقدام يمضي | بهمَّته، وسبَّاق الفلول |
وكم مستثمر مالًا وجاهًا | يتوق إليك بالطرف الكليل |
رآك وقد حللت مقام عزٍّ | ينافح عنه بالسيف الصقيل |
ولم تبذل له إلا ثباتًا | على التقوى ومنهاج الرسول |
لأنك كنت تخشى الله حقًا | فترضى في حياتك بالقليل |
كتاب الله نورك في الدياجي | وزادك في المبيت وفي المقيل |
عقيدتك التي جعلتك رمزًا | يذكِّرنا بتاريخ الرَّعيل |
أرى أمي تخاطبني بدمعٍ | وفي نظراتها أثر الذهول |
أمات الشيخ؟ قلت: نعم، ولكن | ممات الصاعدين بلا نزول |
ممات الزاهدين بلا انعزال | عن الدنيا، ولا عزم كليل |
وتسألني ابنتي عما تراءى | لها، من ليل حسرتنا الطويل |
فقلت لها: ابن باز غاب عنا | غياب المزن عن روض محيل |
حزنا، كيف لم نحزن؟ ولكن | أضأنا الحزن بالصبر الجميل |
ورفَّينا المشاعر باحتسابٍ | يقربها من المولى الجليل |
ولولا ما حملنا من يقين | لكان الصبر باب المستحيل |
قصائدنا تكاد تذوب وجدًا | وتهرب من تفاعيل الخليل |
تكاد غمامة الأحزان تمحو | ملامح وجهها الحر الأصيل |
نظمناها فما اسطاعت ثباتًا | أمام هجوم حسرتنا المهول |
وكدت أفرُّ من حَدَبٍ عليها | وأبحثُ في رثائك عن بديل |
ولكن القصائد استعفتني | على وجلٍ جادت بالقليل |
وكم من شاعرٍ كبرت عليه | مواجعه فهاب من الدخول |
أبي وأبا الجميع لنا خيول | من الذكرى مميزة الصهيل |
نقلنا عنك أخبارًا حسانًا | وبعض الحسن يظهر في النقول |
رأيتك في سماء المجد فجرًا | يسلسل نوره بين الحقول |
وفاتك أيقظت في الناس حسًّا | بأن المجد في الخلق النبيل |
وأن المجد في علم صحيح | يقوم على التثبت والدليل |
وأن المجد في رفق ولين | بلا ضعف يقود إلى النكول |
حسبتك مخلصًا وليل قولي | على الإخلاص فوزك بالقبول |
وصلت – نعم بإذن الله – لكن | بقينا نحن نطمع في الوصول[1] |
- مجلة الدعوة: العدد (1695)، نقلًا عن الإنجاز في ترجمة ابن باز لعبدالرحمن بن يوسف الرحمه، (492).