مات ابن باز
للدكتور عبدالرحمن صالح العشماوي
للشعر بعدك أن يظل حزينا | ولنبض قلبي أن يذوب حنينا |
ولكل قافية خبأت حروفها | أن تفتح الباب الذي يشجينا |
ولصوت حادي الشعر بعدك أن يرى | منا لا وفاء لأنه يحدونا |
يا وارثًا للأنبياء، وإنما | ورثت الهدى والعلم والتمكينا |
ورث العقيدة وهي أعظم ثروة | وأعز مال مورث يعنينا |
يا راحلًا عنا كأنك لم تكن | فينا تحدثنا بما ينجينا |
لما نعاك إليّ صوت محدثي | أحسست أن الشك صار يقينا |
ورأيت أثبت ما أمامي دائرًا | وسمعت أصوات الشك صار يقينا |
وشعرت أن الحزن صار يحيط بي | من كل ناحية، وصرت رهينا |
هل يدرك الناعي حقيقة من نعى | وبأي سهم من الفؤاد رمينا؟ |
وبأي فاجعة أصيبت أمتي | وبأي أصناف البلاء بلينا؟ |
يا أيها الناعي جرحت قلوبنا | وأثرت فيها لوعة وأنينا |
مات ابن باز، يا لها من أحرف | وهاجة بلهيبهن صُلينا |
مات ابن باز، هل علمت بما حوت | هذي الحروف وما تحرك فينا؟! |
يا أيها الناعي رويدك، إن من | تنعي، أب بحنانه يسقينا |
أو لم يكن نورًا يضيء عقولنا | وإلى الهداية والتقى يدعونا؟ |
أتراك لم تعلم بأن وفاته | رُزء وأن وداعه يشقينا؟! |
أنسيت أن وفاة عالم أمة | حدّث بأسهم بؤسه يرمينا؟ |
يا خادم الحرمين شكرًا صادقًا | فلقد رأينا كل ما يرضينا |
أسرجت خيلًا للوفاء كريمة | ما زال لحن صهيلها يغرينا |
شيعت عالمنا الجليل وإنما | شيعت عقلًا راجحًا ورزينا |
شيعت في يوم الفضيلة والتقى | شيخًا بنى للمكرمات حصونا |
لما تقدمت الجموع مودعًا | رفع التلاحم والوفاء جبينا |
ورسمت للأجيال أجمل صورة | ستظل من أمجادنا تدنينا |
كرمت فيها العلم، علم شريعة | تمحو الضلال وترشد الغاوينا |
فلتشهد الدنيا حقيقة ما جرى | إن الحقائق تهزم التخمينا |
لكأنني بوفاة شيخ شيوخنا | صارت مثالًا للوفاء مبينا |
خرجت جموع المسلمين فلا تسل | عن مشهد جعل الشمال يمينا |
في مسجد الله الحرام، وهل رأت | عين مكانا مثله مأمونا |
لما تلاقى المسلمون هناك في | أزكى وأطهر بقعة باكينا |
وتزاحمت أفواجهم وكأنهم | يردون حوضًا منه يستسقونا |
شهدت بقاع الأرض صورة أمة | لا ترتضي غير الشريعة دينا |
هو ديننا نبع الفضائل ترتوي | منه القلوب وماؤه يشفينا |
وبه يغرد طائر الأمن الذي | من كل بغي مكابر يحمينا |
وبه نخوض محيط كل رزية | فهو السفين لمن يريد سفينا |
يا شيخنا ودعتنا، وقلوبنا | تهدي إليك من الوفاء فنونا |
ودعت دنيانا بحسمك بعدما | ودعتها بالقلب منك سنينا |
وزهدت فيها وهي ذات تبرج | جعلت محب دلالها مفتونا |
عزيت فيك ولاة أمر بلادنا | ورجالها وبناتها وبنينا |
عزيت فيك العلم والعلماء قد | منحوك حبًا في القلوب ثمينا |
عزيت فيك المسلمين جميعهم | فقدوا بفقدك مرشدًا ومعينا |
يا رب لطفك صار فيض جراحنا | نهرًا من الدمع الغزير سخينا |
إنا برغم الحزن نحزم أمرنا | بك يا عظيم الشأن يا هادينا |
إنا إليك لراجعون، وإننا | بقضاء عدلك في العباد رضينا |
إن مات عالمنا فإنا لم نزل | فيما تعوضنا به راجينا |
سلمت بلاد الخير من آلامها | ورعى المهيمن خطها الميمونا[1] |
- إمام العصر لناصر الزهراني، (560).