عنايته بالقرآن الكريم
عناية الشيخ بكتاب الله العظيم
لقد كانت حياة الإمام مع القرآن منذ الصغر وعنايته به في سن مبكرة، فقد بدأ في حفظ القرآن في صغره وأتم حفظه قبل البلوغ، يقول - رحمه الله - عن نفسه: "وقد بدأت الدراسة منذ الصغر، فحفظت القرآن الكريم قبل البلوغ على يدي الشيخ عبدالله بن مفيريج - رحمه الله، ثم بدأت في تلقي العلوم الشرعية والعربية على أيدي كثير من علماء الرياض". [1]
واستمرت عنايته بكتاب الله بعد البلوغ فصلى به التراويح والقيام في رمضان سنة 1347هـ. [2]
ولحرصه على تعلم القراءة الصحيحة لكتاب الله قرأه وتعلم تجويده على يدي الشيخ سعد وقاص البخاري - رحمه الله، يقول الشيخ - رحمه الله - وهو يحكي بداية طلبه للعلم ومن أخذ عنهم العلم: "الشيخ سعد وقاص البخاري من علماء مكة المكرمة أخذت عنه علم التجويد في عام 1355هـ، حيث كنت أتردد على الشيخ سعد في دكانه مدة شهرين، آخذ عنه علم التجويد". [3]
وبعد أن حفظ القرآن الكريم وأتقنه كان - رحمه الله - عظيم العناية به، شديد الحفاوة به، كثير الإقبال عليه؛ قراءة وتدبرًا، وتعليمًا وتفسيرًا، وقد أخذت هذه العناية صورًا شتى علمًا وعملًا، في حياته الخاصة والعامة، وبرزت من خلال مظاهر عديدة، منها:
أولًا: حفظه المتقن المتمكن لكتاب الله تعالى، فلا يكاد يخطئ في تلاوته، أو يتلعثم عند قراءته، أو يطلب الفتح عليه.
يقول الدكتور محمد السريع - أحد تلاميذ الشيخ رحمه الله: "إن الشيخ إبراهيم الأخضر القيم شيخ القراء في المدينة المنورة قال: "لقد كان حفظ الشيخ للقرآن الكريم متقنًا جدًا، فسبحان الذي أعطاه، إن حافظته ليست محِلَ سؤال، لقد كان شيئًا نادرًا".
ومن مظاهر هذا الإتقان والتمكن أنه ربما ارتجل الكلمة على البديهة أو شرع في إجابة سؤال مفاجئ، فإذا به يسوق مع الآية أخواتها، ويورد مع الاستشهاد أمثاله متتابعًا دون توقف، متدفقًا دون إبطاء، وربما كانت الآيات من التشابه اللفظي فلا يكاد يخطئ في شيء منها". [4]
يقول الشيخ محمد الموسى: "لا أعرف أن الشيخ أخطأ في شيء من المتشابهات، بل كان إذا أملى آية، وقلنا: أليست كذا؟ قال: لا تلك في سورة كذا وكذا". [5]
ثانيًا: الاتصال الدائم بكتاب الله، والارتباط الذي لا ينقطع به، فقد كان - رحمه الله - لا يترك ورده اليومي أبدًا، فهو يصحو قبل الفجر بساعة ليصلي ويقرأ من القرآن ما شاء الله [6]، وكلما سنحت له فرصة في الطريق أو قبل الصلوات اغتنمها بذكر الله وقراءة القرآن الكريم.
ثالثًا: تحين الفرص لدلالة الناس على فضل القرآن وربطهم به، يقول تلميذه الدكتور محمد السريع: "فمما هو معروف من سيرته - رحمه الله - أنه لا يكاد يجلس مجلسًا، أو يزور أحدًا أو يدعى إلى مناسبة إلا ويأمر أحد طلابه أو مرافقيه بتلاوة شيء من القرآن، ثم يفسر الآيات ويعلق عليها، ويبين معانيها.
وهذا المنهج لم ألتق أحدًا ممن عرف الشيخ قديمًا ولا حديثًا إلا وهو يحدثني عنه ... الذين صحبوا الشيخ في الدلم أو الذي عرفوه في آخر حياته على حد سواء". [7]
وقال الدكتور عبدالله الأهدل - أحد تلاميذ الشيخ في المدينة المنورة: "كنا إذا اجتمعنا مع الشيخ في لقاء أو احتفال أو رحلة أمر أحد الطلاب أن يقرأ القرآن، ثم يفسر الآيات ويوضح معناها، وكان يحب قراءة الشيخ محمد أيوب، ويأمره أن يقرأ إذا كان موجودا، ويثني على قراءته". [8]
وقال الدكتور عبدالعزيز القارئ: كان الشيخ - رحمه الله - يفتتح جلسات المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالقرآن ويختمها بالقرآن، وكان يفتتح المحاضرات التي تلقى في الجامعة بالقرآن، وكان يحثني أن يكون القارئ مجودًا حسن الصوت، وكان يوجهني أن تكون القراءة طويلة، وأحيانا يقول: من طوال المفصل".
وقال أيضًا: كان الشيخ يدعونا لما كان في المدينة في كل شهر إلى جلسة خارج المدينة - في الصيف ليلًا وفي الشتاء نهارًا - وكان يدعو نحوًا من عشرين من الإخوة وأهل العلم، وكان اللقاء يُعمر بالقراءة في الكتب والمذاكرة والنقاش العلمي في جو لا يخلو من الانبساط والأنس، وكان يفتتح الجلسة بالقرآن وتفسيره، وذات مرة أمرني أن أقرأ وقال: اقرأ حزبًا، فلما قدرت أن القراءة ستطول والحال حال نزهة قرأت حدرًا، فتبسم وقال: ليش العجلة، احنا جالسين، وكان يعلق أثناء القراءة فتكون القراءة أطول من التي أطول منها". [9]
قال الشيخ تقي الدين الهلالي فيه:
هذه بعض مظاهر عنايته - رحمه الله - بكتاب الله ، وما لم نذكره أكثر مما ذكر، رحم الله الشيخ الإمام ابن باز، وأسكنه فسيح الجنان.
عنايته بتفسير القرآن العظيم
من عنايته بكتاب الله وتعلقه به، عنايته ببيانه وتوضيحه للآخرين، سواء كانوا طلابًا أو عامة، أو سائلين، فقد كان - رحمه الله - يلقي المحاضرات التي تبين أهمية كتاب الله ، وتحث على التمسك به، والعمل بما فيه، وكذلك الدروس التي تفسر آياته، وتجلي معانيه ومقاصده، ولذا فإنه قلَّ أن يخلو درسٌ من دروسه عن جزء مخصص للتفسير.
فمنذ أن جلس للناس حين كان قاضيًا في الخرج وتدريس التفسير يلازمه لا يكاد ينفك عنه، يقول عبدالعزيز بن ناصر البراك - أحد تلامذته: "وقد قسّم الشيخ أوقاته بين القضاء والتدريس، وعقد له حلقتين في المسجد الجامع الكبير في الدِّلم: إحداهما بعد صلاة الفجر في التوحيد والفقه والحديث والنحو والتفسير..."، ثم قال: "وبعد أذان العشاء يبدأ درسًا آخر في تفسير ابن كثير حيث يقرأ أحد تلامذته وهو عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن جلال على الشيخ في تفسير ابن كثير مدة من الزمن". [11]
يقول ابن جلال: "لقد أكرمني الشيخ عبدالعزيز - رحمه الله - بتخصيص هذا الوقت لي للقراءة عليه في تفسير ابن كثير قبل صلاة العشاء، وقد لاحظت من خلال قراءتي عليه شدة تأثره وكثرة بكائه، وربما زاد تأثره بما يسمع، فيمتد الدرس ويطول الوقت دون أن يشعر، حتى ينتبه فينهيه، فتقام صلاة العشاء". [12]
ومما أدركه طلابه إقباله الدائم على كتاب الله وحرصه على تبليغه، وقد كان لهذا الحرص الأثر البالغ على أولئك الطلاب.
يقول الدكتور محمد السريع: "ولقد أمضى الشيخ - رحمه الله - فترة من الزمن على افتتاح درسه في الجامع الكبير بالرياض بتلاوة آيات من القرآن يقرؤها أحد الطلاب، ثم يشرع في تفسيرها وبيان معانيها". [13]
ويقول الشيخ عبدالرحمن بن جلال: "خرجنا مع الشيخ - رحمه الله - في نزهة برية، وذلك للمذاكرة، والراحة، وجلسنا في حلقة علم وأنس وتذكير ورياضة واتباع للسنة، وقراءة عامرة في بطون الكتب، فلما جاء المساء نزل مطر غزير، وكان معنا حمار نحمل عليه البسط، ولوازم السفر، فلجأنا إلى بعض الفرش والعباءات نتدثر بها، واشتد الأمر، فالمطر عظيم، فلما دخلنا واستقر بنا المقام، قال الشيخ - رحمه الله - رافعًا صوته: ابن جلال!! معك آيات من كتاب الله، اقرأها واجعلها من حزبك، فعرفت أنه يريد أن تكون القراءة طويلة، وقال: سمّ اقرأ، فعجبنا من ذلك أشد العجب، فقرأت من سورة الأعراف من أولها إلى ذكر قصة نوح عليه السلام، ففسر الآيات تفسيرا رائعا، يبكي فيه أحيانًا، ويفسر أحيانًا". [14]
فالشيخ - رحمه الله - كان دائم التعلق بالقرآن الكريم، كثير الاهتمام به، يريد أن يوصل رسالته إلى كافة الناس، فهو ينتهز كل فرصة، ويغتنم كل مناسبة، ليعلم كتاب الله .
يقول الدكتور عبدالله الأهدل: "كنا إذا اجتمعنا مع الشيخ في لقاء أو احتفال أو رحلة أمر أحد الطلاب أن يقرأ القرآن، ثم يفسر الآيات، ويوضح معناها". [15]
وقال الدكتور عبدالعزيز القارئ: "كان الشيخ - رحمه الله - يدعونا لما كان في المدينة في كل شهر إلى جلسة خارج المدينة - في الصيف ليلًا وفي الشتاء نهارًا - وكان يدعو نحوًا من عشرين من الإخوة وأهل العلم، وكان اللقاء يُعمر بالقراءة في الكتب والمذاكرة والنقاش العلمي في جو لا يخلو من الانبساط والأنس، وكان يفتتح الجلسة بالقرآن وتفسيره ... وكان يعلق أثناء القراءة فتكون القراءة أطول من التي أطول منها". [16]
دروس التفسير
كان الشيخ - رحمه الله - له دروس في تفسير القرآن الكريم منها ما كان في المسجد، ومنها ما كان في بيته، وقد كانت هذه الدروس في: جامع البيان، لابن جرير، ومعالم التنزيل للبغوي، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي، وتفسير الجلالين [17]، ولكن الأغلب كان في كتابي: الإمام البغوي، والإمام ابن كثير، رحمهما الله.
أما تفسير ابن كثير فكان - رحمه الله - يقرأ عليه في الفجر، وبعد المغرب، وبعد صلاة الجمعة، وأما تفسير البغوي فكان يقرأ عليه بعد صلاة الجمعة.
يقول عبدالرحمن بن يوسف الرحمة: "تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير، قرأه في درس الفجر الشيخ د. عمر بن سعود العيد، وفي درس المغرب الشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن باز، وكلاهما وصل إلى حدود المجلد الثاني من المجلدات الأربعة، وكان يُقرأ أيضًا في بيت سماحة الشيخ - رحمه الله - بعد صلاة الجمعة، وقرأه الشيخ أحمد بن راشد العرفج من بدايات المجلد الأخير فيما أحسب، وقد طالعت نسخة سماحة الشيخ في مكتبته فرأيت له فيها عددًا من التعليقات النفيسة". [18]
أما يوم الجمعة فكان - رحمه الله - بعد أن يؤدي صلاة الجمعة يجتمع مع طلابه وزوَّاره وأصحاب الحاجات، فيقيم لهم وليمة في منزله العامر، ويجيب على الأسئلة والاستفسارات، ويقضي حوائج أصحاب الحاجات، ومع هذه الأعمال الجليلة إلا أن درس التفسير له النصيب الأوفر والحظ الأكثر.
يقول تلميذه عبدالرحمن الرحمة عن محطاته اليومية أنه "بعد صلاة الجمعة يجتمع عند طلابه للأسئلة والاستفسارات ويقيم لهم وليمة غداء في منزله العامر، ومع هذه الوليمة درس في تفسير ابن كثير ثم في البغوي يتناوب القراءة عليه فيه كل من الشيخين الفاضلين عبدالعزيز بن ناصر بن باز، وأحمد بن راشد العرفج - وفقهما الله لكل خير". [19]
إجاباته عن أسئلة بعض السائلين في التفسير
كان الشيخ - رحمه الله - يسأل كثيرًا عن تفسير بعض الآيات من القرآن الكريم من قبل المستفتين، وكان يجيب عليها بإجابات شافية، يفسر فيها ما طلب، بكل وضوح وسهولة فيقرب معانيها للسائلين، ويزيل الإشكال الذي في أذهان المستفتين، وقد حفل كتابه (مجموع الفتاوى) بإجابات كثيرة حول هذا الأمر، ومنها على سبيل المثال:
يقول السائل: ما هو الحق في تفسير قوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ [القلم:42]؟
فأجاب الشيخ - رحمه الله: "الرسول ﷺ فسرها بأن المراد يوم يجيء الرب يوم القيامة، ويكشف لعباده المؤمنين عن ساقه، وهي العلامة التي بينه وبينهم سبحانه وتعالى، فإذا كشف عن ساقه عرفوه وتبعوه، وإن كانت الحرب يقال لها: كشفت عن ساق إذا استشرت، وهذا معروف لغويًّا، قاله أئمة اللغة. ولكن في الآية الكريمة يجب أن يفسر بما جاء في الحديث الشريف، وهو كشف الرب عن ساقه .
وهذه من الصفات التي تليق بالله لا يشابهه فيها أحد جل وعلا، وهكذا سائر الصفات كالوجه واليدين والقدم والعين وغير ذلك من الصفات الثابتة بالنصوص، ومن ذلك الغضب والمحبة والكراهة وسائر ما وصف به نفسه سبحانه في الكتاب العزيز، وفي ما أخبر به عنه النبي ﷺ كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]، وقال تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]، وهذا هو قول أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي ﷺ، ومن تبعهم بإحسان من أئمة العلم والهدى، والله ولي التوفيق". [20]
كان هذا جانبًا من حياة الشيخ - رحمه الله - مع كتاب الله العزيز، القرآن العظيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، حري بالعلماء وطلبة العلم أن يستفيدوا من حياة الشيخ هذا الجانب، وينهلوا من علمه الذي تركه في تفسير آيات كتاب الله العزيز.
ولقد ظهر أثر كتاب الله على سماحة الشيخ - رحمه الله - في جوانحه وجوارحه، يلحظ ذلك من جالسه، ويراه من تتلمذ على يديه؛ لأنه أحيانًا من شدة تأثره ما كان يستطيع أن يخفي بكاؤه وعبرته.
وقد تكاثرت النقول التي تصف حاله - رحمه الله - عند سماعه لما كان يقرأ من آيات، أو ما يسمع من تفسير لبعض الآيات.
كان عندما يسمع القرآن لا يتمالك نفسه، فتدمع عينه ويتغير وجهه، ويظهر الخشوع على جوارحه، وهذا ينبئ عن قلب يحيا مع القرآن، ونفس شفافة أضاءت بأنواره.
يقول الشيخ إبراهيم الأخضر: "لم أر في حياتي أحدًا يستمع القرآن مثل الشيخ ابن باز، كنت أتأمل في وجه الشيخ أثناء القراءة فكان يتغير ويتأثر، لقد كان في سماعه للقرآن عجيب جدًا، كنت تشعر كأنه يُحس بكل حرفٍ، وكل حركة على كل حرف". [21]
ويقول ابنه أحمد: "كان كثير التأثر إذا سمع القرآن، وخصوصًا قصص الأنبياء عليهم السلام، وأحوال الأمم السابقة، وكل مرة تمر عليه يتأثر ويبكي وكأنه لأول مرة يسمعها". [22]
هذه الحالة من التأثر التي كان يراها من حوله كانت درسًا مؤثرًا، وموعظة بليغة في الانتفاع من كتاب الله .
ولا عجب فالطالب يتأثر بشيخه ويستفيد من حاله كما يستفيد من مقاله وربما أكثر.
يقول ابن الجوزي عن شيخه الأنماطي: "كنت أقرأ عليه وهو يبكي، فاستفدت ببكائه أكثر من استفادتي بروايته، وانتفعت به ما لم أنتفع بغيره". [23]
هذا التأثر وهذا الخشوع كان يُرى كذلك عند دروس تفسير القرآن، وشرح آيات الرحمن، يقول الشيخ ابن جلال: "كنت أقرأ على الشيخ في تفسير ابن كثير، وكان طيلة هذه القراءة ما بين شرح وتذكير، وما بين تضرع وبكاء وخشوع، حتى أنه في بعض الليالي ينسى الوقت مع الخشوع حتى يذهب وقت كثير". [24]
ويقول الشيخ أحمد العرفج: "كان - رحمه الله - كثير البكاء عند سماع التفسير، مع أنه يخفي بكاءه فلا يُفطن له في كثير من الأحيان، وأحيانًا يُغلب فيظهر بكاؤه، وأكثر ما رأيته يبكي عند قصة الإفك في سورة النور". [25]
ويقول مدير مكتبه محمد الموسى - وهو يعدد بعض المواطن التي كان يبكي فيها الشيخ: "كان - رحمه الله - كثيرًا ما يبكي عند سماع القرآن الكريم، أيًّا كان صوت التالي، أو حسن ترتيله من عدمه...
أما طريقة بكائه فكان يبكي بصوت خافت جدًا، ويُرَى التأثر على وجهه، أو يرى الدمع يُهراق من عينيه، وكان لا يحب رفع الصوت بالبكاء...
وكان كثير البكاء إذا سمع شيئًا يتعلق بتعظيم القرآن، أو السنة، وأذكر أنني كنت أقرأ عليه في كتاب (القول القويم) للشيخ العلامة حمود التويجري - رحمه الله - ومر أثناء القراءة كلام للشيخ حمود حول تعظيم السنة فالتفتُّ فإذا دموع سماحة الشيخ تتحادر على خديه.
وكانت من عادة سماحة الشيخ - رحمه الله - أنه إذا استُضيف في مكان ما طلب من بعض الحاضرين أن يتلو بعض الآيات؛ ليعطر بها المجلس، وليقوم سماحته بشرحها، وكثيرًا ما كنت ألحظ عليه البكاء، والدمع، وتغير الصوت". [26]
لقد كان الشيخ - رحمه الله - سريع العبرة، متدفق الدمعة، عميق الفكرة، حاضر الخشوع.
يقول الشاعر الدكتور ناصر بن مسفر الزهراني عنه:
هذه حاله - رحمه الله - مع كتاب ربه سبحانه وتعالى، وهذا جانب من حياته مع القرآن الكريم.
واستمرت عنايته بكتاب الله بعد البلوغ فصلى به التراويح والقيام في رمضان سنة 1347هـ. [2]
ولحرصه على تعلم القراءة الصحيحة لكتاب الله قرأه وتعلم تجويده على يدي الشيخ سعد وقاص البخاري - رحمه الله، يقول الشيخ - رحمه الله - وهو يحكي بداية طلبه للعلم ومن أخذ عنهم العلم: "الشيخ سعد وقاص البخاري من علماء مكة المكرمة أخذت عنه علم التجويد في عام 1355هـ، حيث كنت أتردد على الشيخ سعد في دكانه مدة شهرين، آخذ عنه علم التجويد". [3]
وبعد أن حفظ القرآن الكريم وأتقنه كان - رحمه الله - عظيم العناية به، شديد الحفاوة به، كثير الإقبال عليه؛ قراءة وتدبرًا، وتعليمًا وتفسيرًا، وقد أخذت هذه العناية صورًا شتى علمًا وعملًا، في حياته الخاصة والعامة، وبرزت من خلال مظاهر عديدة، منها:
أولًا: حفظه المتقن المتمكن لكتاب الله تعالى، فلا يكاد يخطئ في تلاوته، أو يتلعثم عند قراءته، أو يطلب الفتح عليه.
يقول الدكتور محمد السريع - أحد تلاميذ الشيخ رحمه الله: "إن الشيخ إبراهيم الأخضر القيم شيخ القراء في المدينة المنورة قال: "لقد كان حفظ الشيخ للقرآن الكريم متقنًا جدًا، فسبحان الذي أعطاه، إن حافظته ليست محِلَ سؤال، لقد كان شيئًا نادرًا".
ومن مظاهر هذا الإتقان والتمكن أنه ربما ارتجل الكلمة على البديهة أو شرع في إجابة سؤال مفاجئ، فإذا به يسوق مع الآية أخواتها، ويورد مع الاستشهاد أمثاله متتابعًا دون توقف، متدفقًا دون إبطاء، وربما كانت الآيات من التشابه اللفظي فلا يكاد يخطئ في شيء منها". [4]
يقول الشيخ محمد الموسى: "لا أعرف أن الشيخ أخطأ في شيء من المتشابهات، بل كان إذا أملى آية، وقلنا: أليست كذا؟ قال: لا تلك في سورة كذا وكذا". [5]
ثانيًا: الاتصال الدائم بكتاب الله، والارتباط الذي لا ينقطع به، فقد كان - رحمه الله - لا يترك ورده اليومي أبدًا، فهو يصحو قبل الفجر بساعة ليصلي ويقرأ من القرآن ما شاء الله [6]، وكلما سنحت له فرصة في الطريق أو قبل الصلوات اغتنمها بذكر الله وقراءة القرآن الكريم.
ثالثًا: تحين الفرص لدلالة الناس على فضل القرآن وربطهم به، يقول تلميذه الدكتور محمد السريع: "فمما هو معروف من سيرته - رحمه الله - أنه لا يكاد يجلس مجلسًا، أو يزور أحدًا أو يدعى إلى مناسبة إلا ويأمر أحد طلابه أو مرافقيه بتلاوة شيء من القرآن، ثم يفسر الآيات ويعلق عليها، ويبين معانيها.
وهذا المنهج لم ألتق أحدًا ممن عرف الشيخ قديمًا ولا حديثًا إلا وهو يحدثني عنه ... الذين صحبوا الشيخ في الدلم أو الذي عرفوه في آخر حياته على حد سواء". [7]
وقال الدكتور عبدالله الأهدل - أحد تلاميذ الشيخ في المدينة المنورة: "كنا إذا اجتمعنا مع الشيخ في لقاء أو احتفال أو رحلة أمر أحد الطلاب أن يقرأ القرآن، ثم يفسر الآيات ويوضح معناها، وكان يحب قراءة الشيخ محمد أيوب، ويأمره أن يقرأ إذا كان موجودا، ويثني على قراءته". [8]
وقال الدكتور عبدالعزيز القارئ: كان الشيخ - رحمه الله - يفتتح جلسات المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالقرآن ويختمها بالقرآن، وكان يفتتح المحاضرات التي تلقى في الجامعة بالقرآن، وكان يحثني أن يكون القارئ مجودًا حسن الصوت، وكان يوجهني أن تكون القراءة طويلة، وأحيانا يقول: من طوال المفصل".
وقال أيضًا: كان الشيخ يدعونا لما كان في المدينة في كل شهر إلى جلسة خارج المدينة - في الصيف ليلًا وفي الشتاء نهارًا - وكان يدعو نحوًا من عشرين من الإخوة وأهل العلم، وكان اللقاء يُعمر بالقراءة في الكتب والمذاكرة والنقاش العلمي في جو لا يخلو من الانبساط والأنس، وكان يفتتح الجلسة بالقرآن وتفسيره، وذات مرة أمرني أن أقرأ وقال: اقرأ حزبًا، فلما قدرت أن القراءة ستطول والحال حال نزهة قرأت حدرًا، فتبسم وقال: ليش العجلة، احنا جالسين، وكان يعلق أثناء القراءة فتكون القراءة أطول من التي أطول منها". [9]
قال الشيخ تقي الدين الهلالي فيه:
بتفسير قرآن وسنة أحمد | يُعمِّرُ أوقاتًا وينشرُها درًا[10] |
عنايته بتفسير القرآن العظيم
من عنايته بكتاب الله وتعلقه به، عنايته ببيانه وتوضيحه للآخرين، سواء كانوا طلابًا أو عامة، أو سائلين، فقد كان - رحمه الله - يلقي المحاضرات التي تبين أهمية كتاب الله ، وتحث على التمسك به، والعمل بما فيه، وكذلك الدروس التي تفسر آياته، وتجلي معانيه ومقاصده، ولذا فإنه قلَّ أن يخلو درسٌ من دروسه عن جزء مخصص للتفسير.
فمنذ أن جلس للناس حين كان قاضيًا في الخرج وتدريس التفسير يلازمه لا يكاد ينفك عنه، يقول عبدالعزيز بن ناصر البراك - أحد تلامذته: "وقد قسّم الشيخ أوقاته بين القضاء والتدريس، وعقد له حلقتين في المسجد الجامع الكبير في الدِّلم: إحداهما بعد صلاة الفجر في التوحيد والفقه والحديث والنحو والتفسير..."، ثم قال: "وبعد أذان العشاء يبدأ درسًا آخر في تفسير ابن كثير حيث يقرأ أحد تلامذته وهو عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن جلال على الشيخ في تفسير ابن كثير مدة من الزمن". [11]
يقول ابن جلال: "لقد أكرمني الشيخ عبدالعزيز - رحمه الله - بتخصيص هذا الوقت لي للقراءة عليه في تفسير ابن كثير قبل صلاة العشاء، وقد لاحظت من خلال قراءتي عليه شدة تأثره وكثرة بكائه، وربما زاد تأثره بما يسمع، فيمتد الدرس ويطول الوقت دون أن يشعر، حتى ينتبه فينهيه، فتقام صلاة العشاء". [12]
ومما أدركه طلابه إقباله الدائم على كتاب الله وحرصه على تبليغه، وقد كان لهذا الحرص الأثر البالغ على أولئك الطلاب.
يقول الدكتور محمد السريع: "ولقد أمضى الشيخ - رحمه الله - فترة من الزمن على افتتاح درسه في الجامع الكبير بالرياض بتلاوة آيات من القرآن يقرؤها أحد الطلاب، ثم يشرع في تفسيرها وبيان معانيها". [13]
ويقول الشيخ عبدالرحمن بن جلال: "خرجنا مع الشيخ - رحمه الله - في نزهة برية، وذلك للمذاكرة، والراحة، وجلسنا في حلقة علم وأنس وتذكير ورياضة واتباع للسنة، وقراءة عامرة في بطون الكتب، فلما جاء المساء نزل مطر غزير، وكان معنا حمار نحمل عليه البسط، ولوازم السفر، فلجأنا إلى بعض الفرش والعباءات نتدثر بها، واشتد الأمر، فالمطر عظيم، فلما دخلنا واستقر بنا المقام، قال الشيخ - رحمه الله - رافعًا صوته: ابن جلال!! معك آيات من كتاب الله، اقرأها واجعلها من حزبك، فعرفت أنه يريد أن تكون القراءة طويلة، وقال: سمّ اقرأ، فعجبنا من ذلك أشد العجب، فقرأت من سورة الأعراف من أولها إلى ذكر قصة نوح عليه السلام، ففسر الآيات تفسيرا رائعا، يبكي فيه أحيانًا، ويفسر أحيانًا". [14]
فالشيخ - رحمه الله - كان دائم التعلق بالقرآن الكريم، كثير الاهتمام به، يريد أن يوصل رسالته إلى كافة الناس، فهو ينتهز كل فرصة، ويغتنم كل مناسبة، ليعلم كتاب الله .
يقول الدكتور عبدالله الأهدل: "كنا إذا اجتمعنا مع الشيخ في لقاء أو احتفال أو رحلة أمر أحد الطلاب أن يقرأ القرآن، ثم يفسر الآيات، ويوضح معناها". [15]
وقال الدكتور عبدالعزيز القارئ: "كان الشيخ - رحمه الله - يدعونا لما كان في المدينة في كل شهر إلى جلسة خارج المدينة - في الصيف ليلًا وفي الشتاء نهارًا - وكان يدعو نحوًا من عشرين من الإخوة وأهل العلم، وكان اللقاء يُعمر بالقراءة في الكتب والمذاكرة والنقاش العلمي في جو لا يخلو من الانبساط والأنس، وكان يفتتح الجلسة بالقرآن وتفسيره ... وكان يعلق أثناء القراءة فتكون القراءة أطول من التي أطول منها". [16]
دروس التفسير
كان الشيخ - رحمه الله - له دروس في تفسير القرآن الكريم منها ما كان في المسجد، ومنها ما كان في بيته، وقد كانت هذه الدروس في: جامع البيان، لابن جرير، ومعالم التنزيل للبغوي، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي، وتفسير الجلالين [17]، ولكن الأغلب كان في كتابي: الإمام البغوي، والإمام ابن كثير، رحمهما الله.
أما تفسير ابن كثير فكان - رحمه الله - يقرأ عليه في الفجر، وبعد المغرب، وبعد صلاة الجمعة، وأما تفسير البغوي فكان يقرأ عليه بعد صلاة الجمعة.
يقول عبدالرحمن بن يوسف الرحمة: "تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير، قرأه في درس الفجر الشيخ د. عمر بن سعود العيد، وفي درس المغرب الشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن باز، وكلاهما وصل إلى حدود المجلد الثاني من المجلدات الأربعة، وكان يُقرأ أيضًا في بيت سماحة الشيخ - رحمه الله - بعد صلاة الجمعة، وقرأه الشيخ أحمد بن راشد العرفج من بدايات المجلد الأخير فيما أحسب، وقد طالعت نسخة سماحة الشيخ في مكتبته فرأيت له فيها عددًا من التعليقات النفيسة". [18]
أما يوم الجمعة فكان - رحمه الله - بعد أن يؤدي صلاة الجمعة يجتمع مع طلابه وزوَّاره وأصحاب الحاجات، فيقيم لهم وليمة في منزله العامر، ويجيب على الأسئلة والاستفسارات، ويقضي حوائج أصحاب الحاجات، ومع هذه الأعمال الجليلة إلا أن درس التفسير له النصيب الأوفر والحظ الأكثر.
يقول تلميذه عبدالرحمن الرحمة عن محطاته اليومية أنه "بعد صلاة الجمعة يجتمع عند طلابه للأسئلة والاستفسارات ويقيم لهم وليمة غداء في منزله العامر، ومع هذه الوليمة درس في تفسير ابن كثير ثم في البغوي يتناوب القراءة عليه فيه كل من الشيخين الفاضلين عبدالعزيز بن ناصر بن باز، وأحمد بن راشد العرفج - وفقهما الله لكل خير". [19]
إجاباته عن أسئلة بعض السائلين في التفسير
كان الشيخ - رحمه الله - يسأل كثيرًا عن تفسير بعض الآيات من القرآن الكريم من قبل المستفتين، وكان يجيب عليها بإجابات شافية، يفسر فيها ما طلب، بكل وضوح وسهولة فيقرب معانيها للسائلين، ويزيل الإشكال الذي في أذهان المستفتين، وقد حفل كتابه (مجموع الفتاوى) بإجابات كثيرة حول هذا الأمر، ومنها على سبيل المثال:
يقول السائل: ما هو الحق في تفسير قوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ [القلم:42]؟
فأجاب الشيخ - رحمه الله: "الرسول ﷺ فسرها بأن المراد يوم يجيء الرب يوم القيامة، ويكشف لعباده المؤمنين عن ساقه، وهي العلامة التي بينه وبينهم سبحانه وتعالى، فإذا كشف عن ساقه عرفوه وتبعوه، وإن كانت الحرب يقال لها: كشفت عن ساق إذا استشرت، وهذا معروف لغويًّا، قاله أئمة اللغة. ولكن في الآية الكريمة يجب أن يفسر بما جاء في الحديث الشريف، وهو كشف الرب عن ساقه .
وهذه من الصفات التي تليق بالله لا يشابهه فيها أحد جل وعلا، وهكذا سائر الصفات كالوجه واليدين والقدم والعين وغير ذلك من الصفات الثابتة بالنصوص، ومن ذلك الغضب والمحبة والكراهة وسائر ما وصف به نفسه سبحانه في الكتاب العزيز، وفي ما أخبر به عنه النبي ﷺ كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]، وقال تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]، وهذا هو قول أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي ﷺ، ومن تبعهم بإحسان من أئمة العلم والهدى، والله ولي التوفيق". [20]
كان هذا جانبًا من حياة الشيخ - رحمه الله - مع كتاب الله العزيز، القرآن العظيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، حري بالعلماء وطلبة العلم أن يستفيدوا من حياة الشيخ هذا الجانب، وينهلوا من علمه الذي تركه في تفسير آيات كتاب الله العزيز.
تأثره - رحمه الله - عند سماع القرآن الكريم
القرآن الكريم له وقعه الخاص على القلوب، فهو علاجها الشافي، ودواؤها الناجع، فترق القلوب وتلين عند سماعه وتخضع الجوارح عند قراءته، قال تعالى: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر:21].ولقد ظهر أثر كتاب الله على سماحة الشيخ - رحمه الله - في جوانحه وجوارحه، يلحظ ذلك من جالسه، ويراه من تتلمذ على يديه؛ لأنه أحيانًا من شدة تأثره ما كان يستطيع أن يخفي بكاؤه وعبرته.
وقد تكاثرت النقول التي تصف حاله - رحمه الله - عند سماعه لما كان يقرأ من آيات، أو ما يسمع من تفسير لبعض الآيات.
كان عندما يسمع القرآن لا يتمالك نفسه، فتدمع عينه ويتغير وجهه، ويظهر الخشوع على جوارحه، وهذا ينبئ عن قلب يحيا مع القرآن، ونفس شفافة أضاءت بأنواره.
يقول الشيخ إبراهيم الأخضر: "لم أر في حياتي أحدًا يستمع القرآن مثل الشيخ ابن باز، كنت أتأمل في وجه الشيخ أثناء القراءة فكان يتغير ويتأثر، لقد كان في سماعه للقرآن عجيب جدًا، كنت تشعر كأنه يُحس بكل حرفٍ، وكل حركة على كل حرف". [21]
ويقول ابنه أحمد: "كان كثير التأثر إذا سمع القرآن، وخصوصًا قصص الأنبياء عليهم السلام، وأحوال الأمم السابقة، وكل مرة تمر عليه يتأثر ويبكي وكأنه لأول مرة يسمعها". [22]
هذه الحالة من التأثر التي كان يراها من حوله كانت درسًا مؤثرًا، وموعظة بليغة في الانتفاع من كتاب الله .
ولا عجب فالطالب يتأثر بشيخه ويستفيد من حاله كما يستفيد من مقاله وربما أكثر.
يقول ابن الجوزي عن شيخه الأنماطي: "كنت أقرأ عليه وهو يبكي، فاستفدت ببكائه أكثر من استفادتي بروايته، وانتفعت به ما لم أنتفع بغيره". [23]
هذا التأثر وهذا الخشوع كان يُرى كذلك عند دروس تفسير القرآن، وشرح آيات الرحمن، يقول الشيخ ابن جلال: "كنت أقرأ على الشيخ في تفسير ابن كثير، وكان طيلة هذه القراءة ما بين شرح وتذكير، وما بين تضرع وبكاء وخشوع، حتى أنه في بعض الليالي ينسى الوقت مع الخشوع حتى يذهب وقت كثير". [24]
ويقول الشيخ أحمد العرفج: "كان - رحمه الله - كثير البكاء عند سماع التفسير، مع أنه يخفي بكاءه فلا يُفطن له في كثير من الأحيان، وأحيانًا يُغلب فيظهر بكاؤه، وأكثر ما رأيته يبكي عند قصة الإفك في سورة النور". [25]
ويقول مدير مكتبه محمد الموسى - وهو يعدد بعض المواطن التي كان يبكي فيها الشيخ: "كان - رحمه الله - كثيرًا ما يبكي عند سماع القرآن الكريم، أيًّا كان صوت التالي، أو حسن ترتيله من عدمه...
أما طريقة بكائه فكان يبكي بصوت خافت جدًا، ويُرَى التأثر على وجهه، أو يرى الدمع يُهراق من عينيه، وكان لا يحب رفع الصوت بالبكاء...
وكان كثير البكاء إذا سمع شيئًا يتعلق بتعظيم القرآن، أو السنة، وأذكر أنني كنت أقرأ عليه في كتاب (القول القويم) للشيخ العلامة حمود التويجري - رحمه الله - ومر أثناء القراءة كلام للشيخ حمود حول تعظيم السنة فالتفتُّ فإذا دموع سماحة الشيخ تتحادر على خديه.
وكانت من عادة سماحة الشيخ - رحمه الله - أنه إذا استُضيف في مكان ما طلب من بعض الحاضرين أن يتلو بعض الآيات؛ ليعطر بها المجلس، وليقوم سماحته بشرحها، وكثيرًا ما كنت ألحظ عليه البكاء، والدمع، وتغير الصوت". [26]
لقد كان الشيخ - رحمه الله - سريع العبرة، متدفق الدمعة، عميق الفكرة، حاضر الخشوع.
يقول الشاعر الدكتور ناصر بن مسفر الزهراني عنه:
العين دامعة، والكف ضارعة | والنفس خاشعة من خشية الوالي[27] |
- جوانب من سيرة الإمام ابن باز، لمحمد الموسى (33).
- انظر: الإمام ابن باز حياته ودعوته، لسعاد الغامدي (12).
- جوانب من سيرة الإمام ابن باز، لمحمد الموسى (34).
- جهود الشيخ في تفسير القرآن الكريم، لمحمد السريع (30).
- جوانب من سيرة الإمام عبدالعزيز بن باز، لمحمد الموسى (204).
- انظر: المصدر السابق (61).
- جهود الشيخ عبدالعزيز بن باز في تفسير القرآن الكريم، لمحمد السريع (32).
- المصدر السابق (33).
- جهود الشيخ عبدالعزيز بن باز في تفسير القرآن الكريم، لمحمد السريع (34).
- الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، لعبدالرحمن بن يوسف الرحمة (331).
- ابن باز في الدلم قاضيًا ومعلمًا، لعبدالعزيز البراك (18-19).
- المصدر السابق (19).
- جهود الشيخ عبدالعزيز بن باز في تفسير القرآن الكريم، لمحمد السريع (19).
- ابن باز في الدلم قاضيًا ومعلمًا، لعبدالعزيز البراك (34-35)، جهود الشيخ عبدالعزيز بن باز في تفسير القرآن الكريم، لمحمد السريع (34).
- جهود الشيخ عبدالعزيز بن باز في تفسير القرآن الكريم، لمحمد السريع (34).
- المصدر السابق (34).
- للاستزادة حول هذه الدروس انظر: جهود الشيخ عبدالعزيز بن باز في تفسير القرآن الكريم، لمحمد السريع (61- 76).
- الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، لعبدالرحمن بن يوسف الرحمة (129).
- المصدر السابق (165).
- مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، لسماحة الشيخ ابن باز (372/5).
- جهود الشيخ عبدالعزيز بن باز في تفسير القرآن الكريم، لمحمد السريع (35).
- المصدر السابق (35).
- سير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي (136/20).
- جهود الشيخ عبدالعزيز بن باز في تفسير القرآن الكريم، لمحمد السريع (35).
- المصدر السابق (35).
- جوانب من سيرة الإمام عبدالعزيز بن باز، رواية محمد الموسى (123).
- الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، لعبدالرحمن بن يوسف الرحمة (337).