أعماله الخيرية

كان لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - همة عالية في الأعمال الخيرية التي تعود بالنفع على عامة المسلمين، ومن ذلك ما يلي:
 
المساهمة في بناء المساجد:
لقد اهتم الشيخ –رحمه الله- اهتمامًا كبيرًا بالمساجد؛ وذلك لعلمه بمكانة المسجد في الإسلام، حيث ساهم مساهمات كبيرة في بنائها وتشييدها وإعمارها، انطلاقا من قوله تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ [التوبة:18]، وقول النبي ﷺ: من بنى لله بيتًا بنى الله له بيتًا في الجنة[1].
فبعد تعين الشيخ على الدِّلم بعام واحد، عام 1358هـ، أمر بهدم "الجامع الكبير" وإعادة بنائه من جديد؛ وذلك لقدمه وعدم دخول أشعة الشمس إليه، وتمَّ ذلك بمساعدة الأهالي وتعاونهم مع الشيخ.
وفي العام التالي قام سماحته بتجديد بناء "جامع المحمدي" الواقع في شمال الدِّلم، كما قام بتجديد "جامع العذار" و"الحوشة" و"زميقة" وغيرها من المساجد في نواحي الدِّلم[2].
واستمر في بناء المساجد وإعمارها الواحد تلو الآخر، ولكثرة اهتمامات الشيخ وانشغاله قام بتعيين وكيلًا له في القيام بهذه المهمة وهو الشيخ عبدالله بن رشيد البراك –رحمه الله- حيث كان يقوم بالإشراف على البناء والنفقة بعد الرجوع إلى سماحة الشيخ[3].
وكان كثيرًا ما يكتب للمحسنين، ويشير عليهم ببناء المساجد في القرى والأماكن البعيدة والتي تفتقر إلى المساجد، فكم من قرية نائية بعيدة كل البعد تجد فيها مسجدًا قائمًا معمورًا على أحسنِ طرازٍ، فإن سألت عن بنائه، تعلم أن سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- قد توسط في بناءه عن طريق أحد المحسنين[4].
ولم تكن جهود سماحة الشيخ في بناء المساجد محصورة داخل بلاد الحرمين فحسب، بل تعددت هذه الجهود لتشمل الكثير من البلدان سواء العربية أو غير العربية [5].
يقول مدير مكتبه الشيخ محمد الموسى: "كان رحمه الله حريصًا  كل الحرص على عمارة بيوت الله، وقد شُيِّد على يديه من المساجد مالا يحصى سواء في الداخل أو الخارج؛ أما طريقته في عمارة المساجد فكان يَتَثَبَّت من مدى الحاجة لإقامة المسجد؛ فإذا رفع إليه أحد من الناس سواء من المحاكم، أو الجمعيات، أو المراكز الإسلامية أو غيرها، تثبت من ذلك، وكتب إلى قاضي البلد، أو إلى مركز الدعوة، أو إلى أي جهة رسمية، أو إلى من يعرفه ويثق به، فيطلب من هؤلاء أن يفيدوه عن الحاجة إلى المسجد، وعن المساحة الكافية، ثم يطلب وضع المواصفات اللازمة لعمارته، ثم يطلب عرض المناقصة على ثلاث مؤسسات معمارية، أو على ثلاثة من المعنيين بالبناء، ثم تُقَدم إليه العروض، فيُوقِعُ الاختيار على أنسبهم.
وبعد ذلك يكتب للمحسنين، و على رأسهم خادم الحرمين، أو أحد الأمراء، أو أحد الموسرين، فيطلب منهم التبرع بتكلفة البناء.
وإذا جاءه المبلغ المطلوب أحاله إلى الجهة التي تمت المكاتبة بينه وبينها من محكمة أو غيرها؛ ليكون متابعة التنفيذ للمشروع تحت إشرافها.
وقد تم على يد سماحته إعمار الكثير من المساجد، وبيوت الأئمة والمؤذنين، بأسعار مناسبة بعد التحري الدقيق، والتثبت بواسطة الثقات -رحمه الله، وجعل ذلك في موازين حسناته-.
ولعل من آخر تلك المساجد وليس آخرها -مسجده الذي أقيم في مكة المكرمة، وأصبح معلمًا بارزًا من معالمها، ذلك المسجد الذي بذل فيه سماحته جهدًا كبيرًا حتى قام واستوى على سوقه"[6].
 
الاهتمام ببناء المدارس:
كما اهتم الشيخ بإعمار المساجد وبنائها اهتم كذلك ببناء المدارس كأحد الوسائل المعينة على نشر العلم، فمع انتشار المدارس النظامية واتجاه الطلاب إليها شعر بأهمية دور هذه المدارس، فسعى إلى فتح أول مدرسة نظامية في الدلم عام 1367هـ، وذلك عندما طلب من ولي العهد – آنذاك - الأمير سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله-  افتتاح مدرسة ابتدائية هناك، وبالفعل صدر الأمر لمدير المعارف الشيخ محمد بن مانع -رحمه الله- بافتتاح مدرسة ابتدائية في الدِّلم، بإشراف سماحة الشيخ ابن باز، وقد تولى إدارتها الشيخ صالح بن حسين العرقي، ومعه خمسة مدرسين من طلاب الشيخ ابن باز، وقد سميت هذه المدرسة باسم "المدرسة السعودية الابتدائية"، وتسمى حاليًّا "مدرسة ابن عباس".
 وكان الشيخ –رحمه الله- يحرص على رعايتها وزيارتها من وقت لأخر، ويلتقي بالطلاب فينصحهم ويسألهم، وقد حثَّ سماحته الأهالي على إلحاق أبنائهم بهذه المدرسة عند امتناع بعضهم عن ذلك[7].
 
إعادة بناء بيت القاضي:
ومن أعمال سماحته الخيرية اهتمامه بإعادة بناء بيت القاضي، فعندما عُين قاضيًا على الدلم لاحظ أن بيت القاضي قد تعرض للخراب، وأوشك على السقوط، وذلك لتقدم العهد به، ولِمَ يمثله هذه البيت من أهمية في الفصل بين المتخاصمين، وإعادة الحقوق لأهلها، عمد الشيخ إلى السعي لإعماره وإعادة بناءه، حيث طلب من الملك عبدالعزيز رحمه الله التكرم بالأمر بتعميره فوافق على ذلك، وعمد الوزير عبد الله بن سليمان رحمه الله بما يلزم بتعميره حسب توحيه سماحته، فاشترى دارًا مجاورة وضمَّه إلى بيت القاضي لتوسعته ونظمه من جديد، فأمر ببناء مجلس القضاء وجعل فيه (حبسًا) للجلوس، وجعل مكانًا لانتظار الرجال، وآخر لانتظار النساء به نافذة صغيرة يستمع من خلالها إلى شكوى المرأة صاحبة الدعوى، وبجوار مجلس القضاء جعل غرفة صغيرة للكاتب وسجل أوراق القضاة، وجلب له مكتبًا صغيرًا وكرسيًا، وبهذه الغرفة نافذة صغيرة تطل على مكان جلوس الشيخ فيملي من خلالها على الكاتب ما يريد كتابته، وعمَّر بقية البيت لسكناه، فأمر ببناء مكتبة للكتب وغرفة أخرى للجلوس. [8]

الاهتمام بدار الحديث الخيرية:
ومن أعماله التي كان يوليها سماحته اهتماه دار الحديث الخيرية بمكة المكرمة، وقد كان رئيسًا لها وقد تأسست عام 1352هـ بأمر من الملك عبدالعزيز رحمه الله.
وهذه الدار مدرسة أهلية تقوم على تبرعات أهل الخير، ويدرس فيها المئات من أنحاء الدنيا، وقبل أكثر من ثلاثين سنة من وفاة سماحته وهو يرعاها، ويجمع لها الأموال من المحسنين ويدفع أجرتها، ويصرف رواتب مدرسيها وطلابها وموظفيها وجميع ما تحتاج إليه. والدار المذكورة لها مجلس أعلى كان يرأسه سماحة الشيخ رحمه الله.
وأخيرًا بني للدار بناية خاصة بها، كافية للدراسة والسكن، وصدر لها أوقاف كثيرة تقوم بحاجتها.
والفضل بعد الله إلى من أسسها، ثم إلى سماحة الشيخ الذي كان يتعاهدها ويرعاها.
وقد نفع الله بهذه الدار كثيرًا، فهي تضم القسم المتوسط، والثانوي، والقسم العالي، وقد استفاد منها خلق كثير، صار منهم الأئمة والدعاة[9].
ومما يدل على عناية سماحته بهذه الدار ومنزلتها عنده أنه رحمه الله "لما رشح عام 1402هـ لجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام -ألقى كلمة في ذلك الاحتفال الكبير الذي ضم العديد من الأمراء، والعلماء، وكان ذلك الحفل تحت رعاية الملك فهد، ولم ينس في تلك الكلمة دار الحديث، حيث إنه ضَمَّن كلمته في ذلك الحفل إشادة بدار الحديث، ونوه بدورها، وأعلن في تلك الكلمة أنه قد تبرع بجائزته التي فاز بها لدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة، وكان مقدار الجائرة ثلاثمائة ألف ريال"[10].
 
اهتمامه بالجامعات الإسلامية والمراكز الشرعية:
ومن أعمال سماحته رحمه الله أعانته للجامعات الإسلامية الخاصة في خارج المملكة، والمراكز الشرعية التي تدرس طلبة العلم العلوم الشرعية، وذلك بمد يد العون لها بالمساعدات المالية التي تعينها على القيام بدورها وتحقيق أهدافها، فإنه رحمه الله كان لديه حساب في مصرف السبيعي الرياض-فرع الديرة، باسم جامعة ابن تيمية بالهند، يصرف لبعض مشاريعها، وإليك ذكر ما كان يصرف من مكتب سماحته من مساعدات للمراكز والمدارس الإسلامية، يقول مدير مكتبه الشيخ محمد الموسى: "وعدد المستفيدين في الخارج من المدارس والمراكز الإسلامية (20) .
وإجمالي المستحق (516.000) ريال في السنة.
وإجمالي السنوي المستحق الذي يصدر من مكتب البيت سواء في الداخل أو الخارج يبلغ (863.800) ريال.
وإليك ذكر لأسماء بعض المراكز المستفيدة من المساعدات السنوية في الخارج.
1- مدرسة الروضة بعلواق: 15000 ريال.
2- مدرسة النجاح في كينيا: 12.000ريال.
3- معهد أوجير في كينيا: 36.000 ريال
4- إعاشة طلبة معهد أوجير: 20.000 ريال.
5- الشيخ ...: 12000 ريال.
6- ....المغربي: 5000 ريال.
7- معهد خولان باليمن: 20000 ريال.
8- مدرسة نور الإسلام في كينيا: 30000 ريال.
9- المركز الثقافي في أستراليا: 36000 ريال. .
10- مدرسة دار الحديث بساحل العاج: 120000 ريال.
11- صحيفة النور في المغرب: 10000 ريال.
12- معهد الأسد لتحفيظ القرآن في سوريا: 10000 ريال.
13- معهد الصديق في صنعاء: 50000 ريال.
14- مدارس بني عامر في موريتانيا: 50000 ريال.
15- مدرسة الفيصل بأستراليا: 10000 ريال.
16- مدرسة الإرشاد في جيبوتي: 20000 ريال.
17- مدرسة السلام في كينيا: 20000 ريال.
18- مركز منديرا الإسلامي في كينيا: 20000 ريال.
19- مدرسة العلوم الخيرية: 20000 ريال.
20- جماعة الدعوة للقرآن والسنة في أفغانستان: 20000 ريال.
كل هذا من غير المقطوعات التي تصرف لكثير من المراكز والجمعيات إما لتأسيسها، أو لرواتب موظفيها، أو غير ذلك، ومبالغ المقطوعات كثيرة جدًّا"[11].
 
الحرص على تسجيل الأوقاف:
فقد كان الشيخ - رحمه الله - بحكم عمله قاضيًا حريصًا كل الحرص على المحافظة على الأوقاف وتوثيقها، ولو كانت ممن قبله، فيأمر كاتبه بنسخ حروفها، ونقلها في سجل القضاء حفظًا لها، وكان يسعى سماحته إلى استغلال ريعها في المشروعات العامة التي تعود بالنفع على المسلمين. [12]

إنشاء مساكن للطلاب المغتربين:
ومن أعمال سماحته الخيرية أنه ساعد على إنشاء مساكن للطلاب المغتربين، الذين ليس لهم مأوى، وكان سببًا كذلك في صرف رواتب لتساعدهم على التفرغ للعلم، لاسيما وأكثرهم من بلاد بعيدة وجنسيات مختلفة. [13]

الاهتمام بشق الطرق وتوسيعها:
ومن الأعمال الخيرية التي اهتم بها الشيخ –رحمه الله- شقِّ الطرق وتوسيعها، وذلك لخدمة عامة الناس وتيسيرًا لهم، حيث أمر بتوسعة الطريق الواصل بين الدِّلم والمحمدي، وكذلك أمر بتوسيع الطريق المتجه من الدِّلم غربًا إلى وادي تركي المسمى بطريق الشبيلي، فتمَّ نزع ملكية جزء من الأراضي وتبرع المزارعين بالجزء الآخر من أجل المصلحة العامة للطريق[14].
لقد تعددت أعمال الشيخ عبدالعزيز بن باز وجهوده، واتسعت دائرة اهتماماته لتشمل شئون الناس الدينية والدنيوية، فرحم الله الشيخ عبدالعزيز بن باز، وجزاه خيرًا على ما قدم من أعمال وخدمات لخدمة الإسلام والمسلمين، وجعلها جميعًا في ميزان حسناته.
  1. صحيح مسلم: (1/ 378).
  2. ترجمة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، عبدالعزيز بن قاسم ومحمد التكلة (50).
  3. انظر: ابن باز في الدلم قاضيًّا ومعلمًا، عبدالعزيز بن ناصر البراك (29).
  4. انظر: الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، عبدالرحمن بن يوسف (158).
  5. انظر: المصدر السابق (159-158).
  6. جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز، لمحمد الموسى (ص 360).
  7. انظر: ترجمة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، عبدالعزيز بن قاسم ومحمد التكلة (ص 50)، الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، عبدالرحمن بن يوسف (ص 142).
  8. انظر: الإنجاز في ترجمة الإمام عبد العزيز بن باز، عبد الرحمن بن يوسف (143).
  9. جوانب من سيرة الإمام عبدالعزيز بن باز، لمحمد الموسى (ص 47).
  10. المصدر السابق (ص 377).
  11. جوانب من سيرة الإمام عبدالعزيز بن باز، لمحمد الموسى (ص 382-383).
  12. انظر: الإنجاز في ترجمة الإمام عبد العزيز بن باز، عبد الرحمن بن يوسف (146).
  13. انظر: الإنجاز في ترجمة الإمام عبد العزيز بن باز، عبد الرحمن بن يوسف (140).
  14. انظر: ابن باز في الدلم قاضيًّا ومعلمًا، عبدالعزيز بن ناصر البراك (32).