سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز
عبدالله بن عبدالمحسن التركي
وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
نحمد الله سبحانه وتعالى، ونثني عليه، ونشكره على عظيم نعمه، ونصلي ونسلم على عبده ورسوله محمد بن عبدالله، وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد.
فإن خطب المسلمين جلل ومصابهم فادح في فقد سماحة شيخنا ووالدنا الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
لقد كان - رحمه الله - طودًا شامخًا في العلم والزهد والتقوى، وحب الخير للناس له في كل ميدان من ميادين العمل الصالح يد تذكر فتشكر، نمط فريد من أنماط العلماء العاملين الصالحين، يذكر الإنسان بأئمة علماء السلف الذين جاهدوا في الله حق جهاده، ورثوا علم النبوة، تحملوا الأمانة، وجاهدوا في أدائها على خير ما يكون الجهاد، نذروا أنفسهم لنشر دين الإسلام والدعوة إليه، والذب عنه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقامت الحجة بهم على الناس، ورأى الناس فيهم من الصفات والعزم والحزم والتقوى، والعمل الصالح، ابتغاء مرضاة الله، ما ثبت الدين في النفوس والمجتمعات، وأبرز خيرية أمة محمد ﷺ التي أخبر الله تبارك وتعالى عنها بقوله:
كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ [آل عمران:110].
كانت الدعوة إلى كتاب الله وسنة نبيه ﷺ والصبر على ذلك والأمر بالمعروف والنهي عمن المنكر ديدنهم؛ اتباعا لقول الله تعالى:
وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ [آل عمران:104].
نسأل الله أن يتغمد فقيدنا برحمته، وأن يكتب له أجر جهاده وعمله وآثاره العظيمة في مختلف ديار المسلمين، وأن يجعله من أولئك الأئمة الأعلام، لقد كان الشيخ عبدالعزيز بن باز في عصره إمامًا جدد في نفوس كثير من العلماء والدعاة الكثير من القضايا التي جددها أسلافه من أهل العلم وبخاصة ما قام به الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - في العصر الحديث، وفي جزيرة العرب على وجه الخصوص.كان سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - حريصًا كل الحرص على اتباع الكتاب والسنة وبخاصة في قضايا المعتقد، توحيدًا لله سبحانه في ذاته وصفاته وأعماله وأفعاله وعبادته، والدًا لطلاب العلم وبخاصة منهم أهل الحاجة والغرباء، بابه مفتوح ونفسه مفتوحة متواضعًا محبًا للخير باذلًا له حريصا على المؤمنين كبارًا وصغارًا.
مدركًا لأهمية هذه البلاد المملكة العربية السعودية وموقعها المتميز في نشر الإسلام والدعوة إليه، ومثنيًا في كل مناسبة على ما يقوم به ولاة الأمر فيها من عمل صالح، وبذل مستمر في إنشاء المسجد، وطبع للكتب، وتعليم الناس الخير، وعون المسلمين في كل مكان، وقبل ذلك وأهم منه حرصهم على تنفيد أوامر الله وتطبيق شرعه، مواقفه - رحمه الله - مشهودة في الذود عن الدين وأهله، وعن المملكة وأهدافها، وما قامت من أجله نصرًا للدين ودعوة لتوحيد الله وإخلاص العبادة له.
عرفت سماحته منذ خمسة وأربعين عامًا، تتلمذت عليه واستفدت من نصحه وتوجيهه، وقويت صلتي به عندما توليت إدارة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فكان - رحمه الله - حريصًا على الجامعة ورجالها، يسأل عنها وعن مشروعاتها ويحضر مناسباتها، وقل أن يعقد مؤتمر أو ندوة فيها إلا وهو في مقدمة الحاضرين والموجهين والمعنيين.
وبعد انتقالي منها إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد كان شديد الصلة بالدعوة والدعاة، يسأل عنهم ويعينهم ويسعى لحل مشكلاتهم، يهتم بالمساجد والأئمة والجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن، ولا أذكر أني طلبت منه رأيًا أو عونًا أو إسهامًا في مجال خير ينفع الناس ويسهم في ربطهم بالكتاب والسنة إلا وكان مستجيبًا بما يستطيع، ناصحًا مخلصًا، فجزاه الله أحسن الجزاء، وأكرمه لقاء ما قام به في سبيل الإسلام والمسلمين.
سيبقى الخير - بإذن الله وعونه - في أمة محمد ﷺ، وستقوم الحجة على الناس بوجود العلماء والدعاة، أمثال سماحته - رحمه الله - وفي بلاد الحرمين المملكة العربية السعودية، على وجه الخصوص لما حباها الله من مزايا، وما وفق قادتها وولاة الأمر فيها من الاهتمام بالعلم والعلماء، والدعوة إلى الله، ومناصرة المسلمين، والذب عن قضاياهم.
من الصعوبة بمكان أن يفي المتحدث أو الكاتب بالجوانب العديدة والصفات الحميدة التي كان يتصف بها سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، وليس هذا هو الهدف من كتابة هذه الأسطر، وإنما الهدف أن نعرف أهمية العلم والعلماء في حياتنا، وأن نقدر العلم وأهله، فبه تحيا النفوس ويقوى الإيمان ويزداد الصالح، وتبقى الآثار الحميدة ويبتعد الناس عن الأهواء والبدع والخرافات، ويستقيموا على صراط الله المستقيم، الذي دعا إليه خاتم الأنبياء والمرسلين ومن تبعه بإحسان من أهل العلم والإيمان.
وإن تدرك أن فضل الله عظيم على أمة محمد ﷺ، وأن هدايته وتوفيقه هما السبب فيما يحصل للإنسان من علم وتقوى وعمل صالح، وأن العالم بقدر ما تصلح نيته وتستقيم سريرته ويقتفي من سبقه ممن لازم الكتاب والسنة بقدر ما يكتب له القبول ويكثر خيره ونفعه.
إن لسماحة والدنا وشيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز رصيدًا كبيرًا في هذا، وله على طلاب العلم واجب كبير عوان الصالحات له، والبر به، والإحسان إليه، بعد أن انتقل من هذه الدنيا الفانية إلى دار نسأل الله أن تكون له خيرًا ورحمة وفضلًا واسعًا، كما نسأله أن يجبر كسر المسلمين في مصابهم، وأن يجعل في عقبه الخير والصلاح والبر.
اللهم اغفر له، وارحمه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واجمعنا به في دار كرامتك، واكتب له ما تكتب لعبادك الصالحين وأئمة الدعوة المهديين، وعوضنا والمسلمين خيرًا، والحمد لله رب العالمين، ولا حول ولا قوة الا بالله، وصلى الله وسلم على نبي الهدى نبينا وإمامنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه. [1]
- جريدة الجزيرة، الجمعة 28 محرم 1420هـ.