سماحة الوالد

أ.د. إبراهيم بن مبارك الجوير
 
هكذا عرف في أوساط الناس: كبيرهم وصغيرهم، حكامهم ومحكوميهم، عالمهم وطالب العلم منهم، ذكرهم وأنثاهم؛ (سماحة الوالد) بكل ما تشمله الكلمتان من معاني: السماحة، والأبوة، والفضل، والاحترام، لا يحتاج إلى تعريف آخر، ولا يذكر اسمه؛ يكفي أن تقول: (سماحة الوالد) ليعرف السامع أو القارئ من تتحدث عنه.
مثلما عرف في الأوساط بـ (شيخ الإسلام) عرف كذلك بهذا الاسم، وأجمع الناس - قاصيهم ودانيهم - على فضله، وعلى احترامه، وعلى الوقوف عند كلمته، وكان لذلك الإجماع الأثر الكبير في تجاوز كثير من المحن والفتن، حيث التف الناس حول عالمهم يرون رأيه ويأتمرون بأمره، وما أزمة الخليج منا ببعيد، وكان الناس إذا أشكل عليهم أمر من الأمور لا يصدرون إلا عن رأيه، ولا يستمعون إلا إليه، ولم يكن هذا الموقف مقتصرًا على أبناء هذه البلاد وحدها، ولكني عرفت هذا بين المسلمين في أصقاع المعمورة، وخاصة أصحاب المنهج السلفي السليم.
سماحة الوالد، هكذا بنيت لك المجد والاسم والفضل، وما محبة الناس وإجماعهم بالأمر السهل، وقد قال أحد السلف: "موعدنا وإياكم يوم الجنائز"، بنيت ذلك بعلم أصيل، وتواضع جم، وثقة عظيمة، ونكران للذات، وإكثار من ذكر الله تعالى، فاطمأنت نفسك بذكره، وانصرفت إلى العلم تلقيًا وتعليمًا حتى آخر ساعة من حياتك، وبقيت ذكرى عطرة وعلمًا ينتفع به، وأمة صالحة تدعو لك، لأنها لم تفقدك رجلًا من الرجال، ولكنها فقدت بك العلم والحكمة: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة:269]، وعندما أقرن بين العلم والحكمة فإنما لأؤكد أن العلم قد يكون لدى كثيرين من الناس، وقد يكونون أغزر علمًا، ولكن العبرة بمن يرزقه الله العلم والحكمة، ثم يوفق للعمل الصالح.
أنت يا سماحة الوالد، لم يفقدك عبدالله وأحمد وعبدالرحمن وإخوتهم وأخواتهم فقط، ولم يكن هم المعزين فيك فقط، بل إن الناس يعزي بعضهم بعضًا، ويخفف بعضهم مصابهم في فقدك مصاب بعض، وكل منهم يردد: "إنا لله وإنا إليه راجعون، جبر الله مصيبتنا وعوضنا خيرا منه، والحمد لله على قضائه"، ويرددون: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ.
وكأني بتلك النفوس التي طالما ارتوت من علمك تدعو لك بالرحمة والمغفرة، وأن يخلف الله علينا بعدك، وعيونهم تتطلع إلى بارئهم رجاء وتوكلًا وإيمانًا، فالحمد لله رب العالمين. [1]
  1. جريدة الجزيرة، الأربعاء 4 صفر 1420هـ.