لكنما نحن الذين رثانا
عباس بن شعيب بن حسن
قلبي يزيد بحدةٍ خفقانا | والشعر يصرخ يشتكي الهيجانا |
اكتب شجونك فالنحوس تكاثرت | أرسل جواك وصبّر الأجفانا |
جلّ المصاب بفقد عالمنا الذي | وضع المحبةَ في القلوب وصانا |
جلّ المصاب بفقد جهبذ عصرنا | نحرير أمتنا فسله بيانا |
أفنى الحياةَ بغرس بذرة أحمد | فجنى جناها ناضرًا ريَّانا |
زرع العقائد في النفوس فأينعت | وتسامقت وتطاولت أغصانا |
قمع العصاةَ بوعظه فتزلزلت | بهم الفيافي أرغم العصيانا |
شيخ تفرَّد سيرةً وفضائلا | شيخ بكل المكرمات أتانا |
كلماته ذكرٌ وفي سكتاته | ذكرٌ يلظّ به فما أغرانا |
شغلٌ بطاعات وشدّ مآزر | نحو الجنان ونحن في ملهانا |
البون بين حياتنا وحياته | شتان بينهما نعم شتانا |
يقف الفهيمُ لدى تدفق علمه | متأملًا متعجبًا حيرانا |
ماذا يقول فكل حرفٍ ناطق | صدقًا له بالسبق لا هذيانا؟! |
أمثاله تزن العباد رجاحةً | فلتحضروا الأقران والميزانا |
فُجعت به الأكوان تلك عظيمة | ألقت إلينا البؤس والخسرانا |
تبكي عليه سفوحُ كل ثنيةٍ | تهديه كل تنوفةٍ أشجانا |
استأنس القبر الوحيش بقربه | والشجو حلَّ بنا ولم يتوانى |
قد أسبلت أعماقنا عبراتها | وجرى على الخدِّ الحزين أسانا |
آهٍ على شيخ العلوم تصرَّمت | أعماره تاقت إلى مولانا |
كنا نقول "الآن" في أيامه | واليوم حلَّ مكانها "قد كانا" |
رحل الإمامُ فأظلمت أنوارنا | خسفت شموسُ العلم فوق ربانا |
نشجت مشارقنا وناح شمالنا | وبكى جنوب غرب، بل دنيانا |
الكل يأسف ليلنا ونهارنا | إنسٌ وجنٌّ أرضنا وسمانا |
بالذكر سوف يظل دومًا بيننا | والله لا نرضى له النِّسيانا |
الشعر لم يرثي سماحةَ شيخنا | لكنما نحن الذين رثانا[1] |
- صحيفة الرياض، عدد (11295)، بواسطة: سيرة وحياة الشيخ ابن باز، لإبراهيم الحازمي (4/ 1592- 1594).