قبوله للشفاعات وقضاؤه للحاجات
إن من أبرز الصفات التي يلاحظها القادم إلى الشيخ ابن باز - رحمه الله - صفة المسارعة إلى قضاء الحاجات وقبول الشفاعات.
يقول الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله السالم: "لقد روى لي صديق أن أرملة تعول أولادها لم تستطع دفع اثني عشر ألف ريـال أجرة سكنها، فعرض هذا الصديق على أحد المحسنين موضوعها، فدفع إليه المبلغ ليُسدد عنها أجرة السكن، وحين ذهب ليدفعه وجد الشيخ ابن باز - رحمه الله - قد سبق إلى سداده". [1]
كما كان يقبل شفاعات الشافعين، ويحث على الشفاعة في الخير، ولم يكن يمر يوم في حياة شيخنا إلا ويقضي فيه عشرات الحاجات، حتى اشتهر بين الناس: أن مَن كانت له حاجة فليذهب إلى الشيخ ابن باز ليقضيها له.
يقول الدكتور ناصر الزهراني: "مَن يعرف هذا الشيخ يقل: هذا رحمة من الله جعله الله في الأرض لتُقضى على يده مصالح الناس وحوائجهم، لن تكون مخطئًا إذا قلت: إن أغلب وقت الشيخ كان في الشفاعة الحسنة لعباد الله، والله ما أظن -بل أكاد أجزم- أن هنالك يومًا من حياة هذا الشيخ لم يُقدِّم فيه شفاعةً حسنةً لأحدٍ، بل هي والله عشرات، بل تصل إلى مئات الشفاعات في اليوم الواحد ...
كان المسلم في أي بلدٍ من بلدان الأرض إذا أظلمت في وجهه الحياة، وضاقت به السُّبل، وبارت الحِيَل، لجأ بعد الله إلى هذا الشيخ؛ ليُنفس كربه، ويُفرج همه، ويحل مشكلته، إما بمساعدةٍ، وإما بخطاب شفاعةٍ، وإما بنصيحةٍ، وكل ذلك بصدرٍ رحب، وأدبٍ جم، ولا يلحقه مَنًّا ولا أذى، وأجزم لو جمعت خطابات الشيخ في الشفاعات فقط لجاوزت الملايين". [2]
وكانت شفاعته - رحمه الله - للجميع، لم يقصر شفاعاته على المقرَّبين منه، أو أبناء مدينته، أو أهل بلده، بل كانت عامةً لكل صاحب حاجةٍ تحتاج إلى شفاعةٍ لأحد المسئولين.
قال الشيخ محمد الموسى: "كان سماحة الشيخ - رحمه الله - باذلًا شفاعته في كل وجهٍ من وجوه الخير، فكان يبذل في ذلك السبيل ماله وجاهه ووقته وعلمه، منطلقًا بذلك من قوله تعالى: مَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا [النساء:85]، وقوله ﷺ: اشفعوا تؤجروا متفق عليه.
وكان - رحمه الله - لا يكلّ ولا يملّ من بذل شفاعته، ولا يرد أحدًا يطلب منه الشفاعة الحسنة كائنًا من كان.
وكثيرًا ما كان محبوه من المسئولين وغيرهم يُشيرون عليه بأن يُخفف عن نفسه عناء هذه الشفاعات، ولكنه لا يلتفت إلى مَن يُثنيه". [3]
فأثناء ولاية الشيخ لقضاء الخرج قال له رجل: إنك أرسلتَ للخرج قاضيًا، فاترك باقي الأمور، ولا تُتعب نفسك في الشفاعات وغيرها.
فأجابه قائلًا: "أما الشفاعة وحاجات الناس فأعملها وقصدي الأول: حديث رسول الله ﷺ: اشفعوا تؤجروا، فإن حصل فخير لي، وإن لم يحصل فالأجر حاصل إن شاء الله.
وأما اقتصار القضاء على بعير وحمار وبقرة ونحو ذلك؛ فلا خير فيه، وليس القضاء على هذا، بل أهم أعماله: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإصلاح والدعوة إلى الله بحكمة، وقضاء مصالح الناس والمسلمين والاهتمام بأمورهم والشفاعة لهم". [4]
وكان يوصي العلماء والدعاة بالشفاعات ومن ذلك عهده المشهور إلى الشيخ شقرة: "يا أبا مالك لا تَمْنَعَنَّ أحداً من الناس شفاعتك".
لستُ بالخِبِّ ولا الخِبُّ يخدعني:
رغم مسارعة الشيخ في قضاء الحاجات وقبول الشفاعات وحثه عليها إلا أنه لم يكن متساهلًا فيها بحيث يخدعه أيُّ أحدٍ، فما كان يقبل شفاعةً إلا من أهل الثقة المعروفين عند سماحته، وإذا جاءه صاحبُ حاجةٍ وشكَّ الشيخ في صدقه طلب منه أن يأتيه بخطاب شفاعةٍ من أحد أهل بلده المعروفين عند الشيخ، أو يبحث عمَّن يزكيه من غيرهم من أهل العلم والفضل. [5]
جاءه ذات يومٍ رجل يزعم أنه رأى رسولَ الله ﷺ في المنام، وأنه أمره أن يأتي الشيخ ابن باز ليقضي له حاجته، فلما سأله الشيخ عن حاجته قال أنه لا يملك إقامةً، وليس لديه عمل أيضًا، هنا فطن الشيخ إلى كذب الرجل، ولكنه لم يشأ أن يُواجهه بذلك؛ فطلب منه أن يبحث عمَّن يزكيه ويشفع له، فذهب الرجل ولم يعد. [6]
حدود شفاعاته:
لم يكن الشيخ - رحمه الله - يشفع فيما وصل إلى المحاكم الشرعية من مشكلات وقضايا، ويرد على ما يصله من رسائل تطلب شفاعته في ذلك بقول: "هذا الموضوع يتعلق بالمحكمة الشرعية، وفيما تراه الكفاية إن شاء الله".
ولا يشفع كذلك في الأوقاف ونقلها من جهةٍ إلى أخرى، فيترك ذلك للمحاكم.
أما ما عدا هذين الأمرين فإنه لا يبخل بشفاعته، ولا يرد سائلًا لها، طالما أنه مستحق لذلك. [7]
يقول الدكتور الشويعر: "شفاعات سماحته لا تقتصر على ما ذكر، فما من موضوع يرى فيه خدمة لأحد مستحق إلا واهتم به، وشفع فيه، وما من باب يرى في طرقه مصلحةً لمن لا يقدر على إيصال صوته إلا شارك في فتحه، باذلًا جهده، وراغبًا في الشفاعة؛ احتسابًا لما عند الله، لأنه من أزهد الناس فيما يتعلق بنفسه، أو بطلب شيء يعود عليه نفعه هو أو أهل بيته.
فمثلًا: يشفع بإيجاد بيتٍ لأرملة لا تملكه، أو لأيتامٍ لم يورث لهم عائلهم سكنًا، ولا ما يقوم بأَوَدِهم.
ويشفع لطلبة العلم، وخاصة الأجانب في مكة والمدينة؛ لإسكان مَن معه عائلة في بعض الأوقاف، ليسكنوا فيها.
ويشفع في إصلاح ذات البين: بين الزوجين المتخاصمين، وبين الآخرين ممن جعلت بينهم شحناء، أو أضرار، أو في صلح ذات البين.
ويشفع لدى ذوي اليسار ممن أفاء الله عليهم في بناء المساجد في داخل المملكة وخارجها، أو بناء بيوت للإمام والمؤذن للمسجد الذي لا يوجد له شيء؛ لأن هذا أدعى للمواظبة والثبات.
ويشفع في شراء الكتب - أو طبعها - النافعة التي تُوزع مجانًا على مستحقيها.
ويشفع لمنح الإقامة لمن يرى فيه رغبة في طلب العلم.
كما يشفع في علاج مَن يزُكَّى عنده ويعرف حاجته، سواء له أو لأولاده وأهله". [8]
ويروي الشيخ محمد بن صالح الزهراني قصة إحدى شفاعات الشيخ، فيقول: "عندما كنتُ في مهمة عمل بجزر القمر وجدتُ أحد الدعاة هناك يشكو من بعض الأمراض، وطلبتُ منه الحضور لبلادنا، فحضر، وذهبت وإياه إلى سماحته - يرحمه الله - وشفع له في أحد المستشفيات العسكرية، وعولج من مرضه، وتكفَّل أيضًا بمصروفه اليومي وسكنه حتى عاد إلى بلاده". [9]
يُوصي مَن حوله بالشفاعة:
وكان يُوصي مَن حوله بإيصال حاجات الناس إلى المسئولين، وإعانتهم على قضاء مصالحهم، وكثيرًا ما يردد على مسامعهم حديث: اشفعوا تؤجروا.
قال الدكتور ناصر الزهراني: "لقد كنت وأنا واحد من آلاف العاملين معه، والمستعينين به بعد الله في حلِّ مشاكل الناس، وتنفيس كرباتهم، كنتُ والله أذوب خجلًا وأقطر حياء من الشيخ من كثرة ما أكتب له، فأتيته في يوم من الأيام، فقبلتُ جبينه الطاهر، وجلستُ عند قدميه، وقلتُ له: يا سماحة الوالد، أنا أتيتُ معتذرًا منك لكثرة خطاباتي إليك، وشفاعاتي عندك، وأنا في غاية الحرج، الناس يُؤملون فيَّ الخير، وأنا وهم أملنا - بعد الله تعالى - فيك، فأرجو أن لا يضيق صدرك بهذا، فإن كان في الأمر مشقة عليك فسوف أختصر الكتابات، فابتسم، وقال: "هداك الله، اشفعوا تؤجروا، جعلكم الله مفاتيح للخير". [10]
وقد شجَّع ذلك الأخ فهد العثمان - المسئول الفني عن تسجيل برنامج نور على الدرب - على إيصال حاجات الفقراء والمساكين إلى سماحة الشيخ، والشفاعة لهم عنده، فكان قبل تسجيل أي حلقةٍ يتحدث مع الشيخ إما عن أسرةٍ فقيرةٍ تحتاج إلى دعم، أو مريضٍ يحتاج إلى تكاليف علاجه، ونحو ذلك، فيجد من شيخنا الاستجابة السريعة، والتشجيع على الاستمرار في عرض حاجات الناس، ويقول له ولغيره: "اكتبوا لنا عن ذلك". [11]
ويستمر على ذلك إلى آخر حياته:
ظل الشيخ - رحمه الله - إلى آخر حياته على هذا المنوال، حتى وهو مريض في المستشفى لم يترك الشفاعات وقضاء مصالح الناس؛ مما جعل أبناءه يقولون له: يا أبانا، أنت في هذه اللحظة وفي هذا المستشفى مريض ومتعب ومثخن بالآلام، وترد على الناس! فقال: "إني أحب مساعدة الناس، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه". [12]
يقول الأستاذ عبدالعزيز بن عبدالله الرشودي: "أثبت - رحمه الله - للجميع بأن المسلم يستطيع أن يبذل كثيرًا ولو كان يُصارع المرض على أبواب الموت، ولا أُفشي سِرًّا إن قلتُ بأنه مرت على مكتبي شفاعة منه - رحمه الله - قد وقَّعها بتاريخ 26 محرم 1420هـ (أي قبل وفاته بيوم واحد).
فأي عطاء ذلك العطاء من رجل يقف مع حاجات الناس وهو على سرير الموت وبين أروقة المستشفى، فيا لله ما أعظمه من إمام". [13]
فقضاء حاجات الناس عند الشيخ ابن باز - رحمه الله - كان له من الاهتمام والعناية ما جعله يستحوذ على غالب وقته، وما ذلك إلا طمعًا في رضى الله تعالى، وامتثالًا لما جاء في الكتاب والسنة، وإحساسًا منه بالمسئولية الملقاة على عاتقه، نسأل الله أن يجزه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
يقول الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله السالم: "لقد روى لي صديق أن أرملة تعول أولادها لم تستطع دفع اثني عشر ألف ريـال أجرة سكنها، فعرض هذا الصديق على أحد المحسنين موضوعها، فدفع إليه المبلغ ليُسدد عنها أجرة السكن، وحين ذهب ليدفعه وجد الشيخ ابن باز - رحمه الله - قد سبق إلى سداده". [1]
كما كان يقبل شفاعات الشافعين، ويحث على الشفاعة في الخير، ولم يكن يمر يوم في حياة شيخنا إلا ويقضي فيه عشرات الحاجات، حتى اشتهر بين الناس: أن مَن كانت له حاجة فليذهب إلى الشيخ ابن باز ليقضيها له.
يقول الدكتور ناصر الزهراني: "مَن يعرف هذا الشيخ يقل: هذا رحمة من الله جعله الله في الأرض لتُقضى على يده مصالح الناس وحوائجهم، لن تكون مخطئًا إذا قلت: إن أغلب وقت الشيخ كان في الشفاعة الحسنة لعباد الله، والله ما أظن -بل أكاد أجزم- أن هنالك يومًا من حياة هذا الشيخ لم يُقدِّم فيه شفاعةً حسنةً لأحدٍ، بل هي والله عشرات، بل تصل إلى مئات الشفاعات في اليوم الواحد ...
كان المسلم في أي بلدٍ من بلدان الأرض إذا أظلمت في وجهه الحياة، وضاقت به السُّبل، وبارت الحِيَل، لجأ بعد الله إلى هذا الشيخ؛ ليُنفس كربه، ويُفرج همه، ويحل مشكلته، إما بمساعدةٍ، وإما بخطاب شفاعةٍ، وإما بنصيحةٍ، وكل ذلك بصدرٍ رحب، وأدبٍ جم، ولا يلحقه مَنًّا ولا أذى، وأجزم لو جمعت خطابات الشيخ في الشفاعات فقط لجاوزت الملايين". [2]
وكانت شفاعته - رحمه الله - للجميع، لم يقصر شفاعاته على المقرَّبين منه، أو أبناء مدينته، أو أهل بلده، بل كانت عامةً لكل صاحب حاجةٍ تحتاج إلى شفاعةٍ لأحد المسئولين.
قال الشيخ محمد الموسى: "كان سماحة الشيخ - رحمه الله - باذلًا شفاعته في كل وجهٍ من وجوه الخير، فكان يبذل في ذلك السبيل ماله وجاهه ووقته وعلمه، منطلقًا بذلك من قوله تعالى: مَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا [النساء:85]، وقوله ﷺ: اشفعوا تؤجروا متفق عليه.
وكان - رحمه الله - لا يكلّ ولا يملّ من بذل شفاعته، ولا يرد أحدًا يطلب منه الشفاعة الحسنة كائنًا من كان.
وكثيرًا ما كان محبوه من المسئولين وغيرهم يُشيرون عليه بأن يُخفف عن نفسه عناء هذه الشفاعات، ولكنه لا يلتفت إلى مَن يُثنيه". [3]
فأثناء ولاية الشيخ لقضاء الخرج قال له رجل: إنك أرسلتَ للخرج قاضيًا، فاترك باقي الأمور، ولا تُتعب نفسك في الشفاعات وغيرها.
فأجابه قائلًا: "أما الشفاعة وحاجات الناس فأعملها وقصدي الأول: حديث رسول الله ﷺ: اشفعوا تؤجروا، فإن حصل فخير لي، وإن لم يحصل فالأجر حاصل إن شاء الله.
وأما اقتصار القضاء على بعير وحمار وبقرة ونحو ذلك؛ فلا خير فيه، وليس القضاء على هذا، بل أهم أعماله: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإصلاح والدعوة إلى الله بحكمة، وقضاء مصالح الناس والمسلمين والاهتمام بأمورهم والشفاعة لهم". [4]
وكان يوصي العلماء والدعاة بالشفاعات ومن ذلك عهده المشهور إلى الشيخ شقرة: "يا أبا مالك لا تَمْنَعَنَّ أحداً من الناس شفاعتك".
لستُ بالخِبِّ ولا الخِبُّ يخدعني:
رغم مسارعة الشيخ في قضاء الحاجات وقبول الشفاعات وحثه عليها إلا أنه لم يكن متساهلًا فيها بحيث يخدعه أيُّ أحدٍ، فما كان يقبل شفاعةً إلا من أهل الثقة المعروفين عند سماحته، وإذا جاءه صاحبُ حاجةٍ وشكَّ الشيخ في صدقه طلب منه أن يأتيه بخطاب شفاعةٍ من أحد أهل بلده المعروفين عند الشيخ، أو يبحث عمَّن يزكيه من غيرهم من أهل العلم والفضل. [5]
جاءه ذات يومٍ رجل يزعم أنه رأى رسولَ الله ﷺ في المنام، وأنه أمره أن يأتي الشيخ ابن باز ليقضي له حاجته، فلما سأله الشيخ عن حاجته قال أنه لا يملك إقامةً، وليس لديه عمل أيضًا، هنا فطن الشيخ إلى كذب الرجل، ولكنه لم يشأ أن يُواجهه بذلك؛ فطلب منه أن يبحث عمَّن يزكيه ويشفع له، فذهب الرجل ولم يعد. [6]
حدود شفاعاته:
لم يكن الشيخ - رحمه الله - يشفع فيما وصل إلى المحاكم الشرعية من مشكلات وقضايا، ويرد على ما يصله من رسائل تطلب شفاعته في ذلك بقول: "هذا الموضوع يتعلق بالمحكمة الشرعية، وفيما تراه الكفاية إن شاء الله".
ولا يشفع كذلك في الأوقاف ونقلها من جهةٍ إلى أخرى، فيترك ذلك للمحاكم.
أما ما عدا هذين الأمرين فإنه لا يبخل بشفاعته، ولا يرد سائلًا لها، طالما أنه مستحق لذلك. [7]
يقول الدكتور الشويعر: "شفاعات سماحته لا تقتصر على ما ذكر، فما من موضوع يرى فيه خدمة لأحد مستحق إلا واهتم به، وشفع فيه، وما من باب يرى في طرقه مصلحةً لمن لا يقدر على إيصال صوته إلا شارك في فتحه، باذلًا جهده، وراغبًا في الشفاعة؛ احتسابًا لما عند الله، لأنه من أزهد الناس فيما يتعلق بنفسه، أو بطلب شيء يعود عليه نفعه هو أو أهل بيته.
فمثلًا: يشفع بإيجاد بيتٍ لأرملة لا تملكه، أو لأيتامٍ لم يورث لهم عائلهم سكنًا، ولا ما يقوم بأَوَدِهم.
ويشفع لطلبة العلم، وخاصة الأجانب في مكة والمدينة؛ لإسكان مَن معه عائلة في بعض الأوقاف، ليسكنوا فيها.
ويشفع في إصلاح ذات البين: بين الزوجين المتخاصمين، وبين الآخرين ممن جعلت بينهم شحناء، أو أضرار، أو في صلح ذات البين.
ويشفع لدى ذوي اليسار ممن أفاء الله عليهم في بناء المساجد في داخل المملكة وخارجها، أو بناء بيوت للإمام والمؤذن للمسجد الذي لا يوجد له شيء؛ لأن هذا أدعى للمواظبة والثبات.
ويشفع في شراء الكتب - أو طبعها - النافعة التي تُوزع مجانًا على مستحقيها.
ويشفع لمنح الإقامة لمن يرى فيه رغبة في طلب العلم.
كما يشفع في علاج مَن يزُكَّى عنده ويعرف حاجته، سواء له أو لأولاده وأهله". [8]
ويروي الشيخ محمد بن صالح الزهراني قصة إحدى شفاعات الشيخ، فيقول: "عندما كنتُ في مهمة عمل بجزر القمر وجدتُ أحد الدعاة هناك يشكو من بعض الأمراض، وطلبتُ منه الحضور لبلادنا، فحضر، وذهبت وإياه إلى سماحته - يرحمه الله - وشفع له في أحد المستشفيات العسكرية، وعولج من مرضه، وتكفَّل أيضًا بمصروفه اليومي وسكنه حتى عاد إلى بلاده". [9]
يُوصي مَن حوله بالشفاعة:
وكان يُوصي مَن حوله بإيصال حاجات الناس إلى المسئولين، وإعانتهم على قضاء مصالحهم، وكثيرًا ما يردد على مسامعهم حديث: اشفعوا تؤجروا.
قال الدكتور ناصر الزهراني: "لقد كنت وأنا واحد من آلاف العاملين معه، والمستعينين به بعد الله في حلِّ مشاكل الناس، وتنفيس كرباتهم، كنتُ والله أذوب خجلًا وأقطر حياء من الشيخ من كثرة ما أكتب له، فأتيته في يوم من الأيام، فقبلتُ جبينه الطاهر، وجلستُ عند قدميه، وقلتُ له: يا سماحة الوالد، أنا أتيتُ معتذرًا منك لكثرة خطاباتي إليك، وشفاعاتي عندك، وأنا في غاية الحرج، الناس يُؤملون فيَّ الخير، وأنا وهم أملنا - بعد الله تعالى - فيك، فأرجو أن لا يضيق صدرك بهذا، فإن كان في الأمر مشقة عليك فسوف أختصر الكتابات، فابتسم، وقال: "هداك الله، اشفعوا تؤجروا، جعلكم الله مفاتيح للخير". [10]
وقد شجَّع ذلك الأخ فهد العثمان - المسئول الفني عن تسجيل برنامج نور على الدرب - على إيصال حاجات الفقراء والمساكين إلى سماحة الشيخ، والشفاعة لهم عنده، فكان قبل تسجيل أي حلقةٍ يتحدث مع الشيخ إما عن أسرةٍ فقيرةٍ تحتاج إلى دعم، أو مريضٍ يحتاج إلى تكاليف علاجه، ونحو ذلك، فيجد من شيخنا الاستجابة السريعة، والتشجيع على الاستمرار في عرض حاجات الناس، ويقول له ولغيره: "اكتبوا لنا عن ذلك". [11]
ويستمر على ذلك إلى آخر حياته:
ظل الشيخ - رحمه الله - إلى آخر حياته على هذا المنوال، حتى وهو مريض في المستشفى لم يترك الشفاعات وقضاء مصالح الناس؛ مما جعل أبناءه يقولون له: يا أبانا، أنت في هذه اللحظة وفي هذا المستشفى مريض ومتعب ومثخن بالآلام، وترد على الناس! فقال: "إني أحب مساعدة الناس، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه". [12]
يقول الأستاذ عبدالعزيز بن عبدالله الرشودي: "أثبت - رحمه الله - للجميع بأن المسلم يستطيع أن يبذل كثيرًا ولو كان يُصارع المرض على أبواب الموت، ولا أُفشي سِرًّا إن قلتُ بأنه مرت على مكتبي شفاعة منه - رحمه الله - قد وقَّعها بتاريخ 26 محرم 1420هـ (أي قبل وفاته بيوم واحد).
فأي عطاء ذلك العطاء من رجل يقف مع حاجات الناس وهو على سرير الموت وبين أروقة المستشفى، فيا لله ما أعظمه من إمام". [13]
فقضاء حاجات الناس عند الشيخ ابن باز - رحمه الله - كان له من الاهتمام والعناية ما جعله يستحوذ على غالب وقته، وما ذلك إلا طمعًا في رضى الله تعالى، وامتثالًا لما جاء في الكتاب والسنة، وإحساسًا منه بالمسئولية الملقاة على عاتقه، نسأل الله أن يجزه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
- جريدة الرياض، عدد (11289)، بواسطة: الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، لعبدالرحمن الرحمة (196،195).
- إمام العصر، لناصر الزهراني (118،117).
- جوانب من سيرة الإمام عبدالعزيز بن باز، رواية محمد الموسى (298).
- عبدالعزيز بن باز عالم فقدته الأمة، للشويعر (147).
- ينظر: إمام العصر، لناصر الزهراني (189).
- ينظر: المصدر السابق (86)، وعبدالعزيز بن باز عالم فقدته الأمة، للشويعر (119).
- ينظر: عبدالعزيز بن باز عالم فقدته الأمة، للشويعر (138،137).
- المصدر السابق (144،143).
- سيرة وحياة الشيخ ابن باز، لإبراهيم الحازمي (265/1).
- إمام العصر، لناصر الزهراني (119).
- ينظر: اللآلئ السنية، لعبدالكريم المقرن (37).
- جريدة المدينة، عدد (13182). بواسطة: سيرة وحياة الشيخ ابن باز، لإبراهيم الحازمي (1/ 243).
- جريدة الرياض، عدد (11295). بواسطة: سيرة وحياة الشيخ ابن باز، لإبراهيم الحازمي (1/ 243).