بكى فقدك الإسلام
علي بن يحيى الحدادي
بكى فقدك الإسلامُ يا باز إذ غدا | نعيك في الدنيا تُدوّي قواصمه |
بكاك من الإسلام يا باز أهله | وريعت له أريافه وعواصمه |
فبين منك الموت ما قدرك الذي | أكنّ لك الإسلام والعيش كاتمه |
لقد فقد الإسلامُ منك دريئة | يلوذ إليها والخطوب تُداهمه |
لقد كان في عهد ابن باز ممنعًا | له منه جيش كاسرات ضياغمه |
لئن عظمت فيه الرزية ميتًا | لقد عظمت من قبل فينا مكارمه |
مهلهل أطراف الشّماغ تهلهلت | لموتك أركان الهدى ودعائمه |
وكنتَ لنا عن كلِّ ماضٍ خليفةً | إذا عالم أفضى وغابت معالمه |
وأوجع جرح عن فقيدٍ تحسّه | جراح فقيدٍ ليس تلفى مراهمه |
"غصون" ذوت "والباز" هيض جناحه | فيا لك من عامٍ غزار عظائمه |
هفت نحوك الأرواحُ سبعين حجةً | إذا ما ارتوى جيلٌ أتى مَن يُزاحمه |
كأنَّك يا باز المكارم ساحل | له الموج تهفو شيبه وبراعمه |
وأعلم مَن أفتى وأعدل مَن قضى | وأرحم مَن أفضى وربك راحمه |
إمام هدى أمَّا النهار فصائمٌ | وأما إذا جنَّ الظلامُ فقائمه |
ملازم أذكار الإله كأنها | مشاربه عن شربه ومطاعمه |
نقي سريرات الفؤاد عفيفه | تلوح عليه للصّفاء علائمه |
إذا جلس الشيخُ المبارك مجلسًا | رأيت صنوفَ الخير تجري مكارمه |
فذلك مُستفتٍ وذلك طالب | وذلك مكروب دهته مغارمه |
وذلك نحرير تعصَّت مسائل | عليه فلم تُفلح لديها مفاهمه |
وذلك وفدٌ من دعاةٍ إلى الهدى | وذلك مخدومٌ كبيرٌ وخادمه |
إذا جلس الشيخُ المبارك مجلسًا | فبالخير يجري علمه ودراهمه |
وأفتك من فتك السيوف عبوسُه | وأحسن من حسن الربيع مباسمُه |
وإن ذُكر المعروف يومًا فإنه | لمبتدأ المعروف حقًّا وخاتمه |
فيا عجبًا ممن دعاك بحاتمٍ | فما حاتم؟ ما جوده؟ ما مكارمه؟ |
يُسائل عنك البيت من ذلك الذي | مضى بزحامي كالبحار تُلاطمه |
فقلتُ له: بيتٌ من العلم قد قضى | وكعبة علم هدَّمتها هوادمه |
وذلك قطب المسلمين وشيخهم | وذلك حبر الدين طرًّا وعالمه |
كشأنك يا شيخ المساجد شأنه | لدينا فلا تعجب إذا ما نزاحمه |
تبدت على النعش الجلالة إذ بدا | وهزم صبر النفس إذ قام قائمه |
فلا قلب إلا قد بكى يوم أن بدا | على الناس محمولًا وهلَّت سواجمه |
أحامل أعباء الشريعة مَن يُطق | رؤاك على الأكتاف ثاوٍ وجاثمه |
وداعًا إمام المشرقين وإن يكن | وداعك مرًّا في الحلوق علاقمه |
فقد مات لما مت للدين كهفه | وقد مات حاميه وقد مات خادمه |
سلامٌ على ذاك الإمام ورحمة | فيا طالما فاضت وعمَّت مراحمه |
فما كان إلا أمة من فضائل | وما كان إلا العقد أبدع ناظمه[1] |
- سيرة وحياة الشيخ ابن باز، لإبراهيم الحازمي (4/ 1760- 1763).