جلّ المصاب
عبدالعزيز بن محمد آل غزي
رزء لعمرك جلَّ في الأرزاء | ومصيبة الإسلام في العلماء |
وزماننا هذا الزمان محيّر | لذوي النُّهى بتشاجر الأهواء |
لبست براقع أوجه فتلونت | بوجوهها كتلون الحرباء |
فتنٌ كجنح الليل تعصف بالورى | ولأنت كاشفها لدى اللأواء |
جلّ المصابُ مصيبة نزلت بنا | لكن في الخلف الكريم عزائي |
عبدالعزيز محله عبدالعزيـ | ـز وذاك فأل طيب الأسماء |
وكذا الحياة تعاقب ومصيرها | يا سادرًا لمصيبةٍ وفناء |
ويُخفف الآلامَ صدقُ عقيدةٍ | والموت آكد غاية الأحياء |
أمضيت قرنًا قلَّ مَن أمضاه في | هذا السبيل بدعوةٍ وجلاء |
وغدوت فيه البدر حال تمامه | وأضأت كونًا واسع الأرجاء |
ولسوف تبقى رغم أنك راحلٌ | علمًا وذكرًا طاهر الإيحاء |
ولأنت أنت بساعةٍ يعيا بها | صدرًا ووردًا صادق الآراء |
عشت الحياة مجاهدًا ومناصحًا | حتى غدوتَ محطّ كل رجاء |
وحمدت حيًّا في فعالك كلها | وفقدتَ فقد البدر في الدأداء |
ونعاك في هذا التقيُّ وغيره | ونعاك قبل أئمة الحنفاء |
ونعاك مَن في الشرق نعي مودةٍ | ورثاك مَن في الغرب خير رثاء |
وبذاك سرٌّ لو علمتَ بكنهه | لعلمتَ أنَّك فوق أي ثناء |
ولرب صمتٍ في نُعيِّك وقعه | ألمًا كمس النار في الأعضاء |
فبقيت حيًّا في الوقار وميتًا | في موكبٍ قد حفَّه العظماء |
مَن أنت؟ لا بل أنت مَن؟ إن أنت الـ | لا في الوجود مثاله للرائي |
ما جئتَ تطلب في المناصب منصبًا | كلا ولا راوحت في الشّفعاء |
لكنها الدنيا إليك توجهت | فنبذتها إلا كريم رداء |
صدقًا وإخلاصًا وطهر سريرةٍ | بعزيمةٍ وأمانةٍ وصفاء |
ورعًا إذا سال اللعابُ لمطمعٍ | وتقى يذكر في الأُلى الفضلاء |
عوضت في فقد اثنتين كرامةً | فكشفت فيها حندس الظلماء |
وأخذت بالنهج القويم ولم يكن | منك التناقضُ حالة الإفتاء |
رفقًا وتقديرًا وعقلًا نيِّرًا | مسترشدًا في الشرعة الغراء |
وسلكت في نهج الشريعة مقصدًا | حتى بلغت مطالع الجوزاء |
لا تبتغي إلاه مورد حكمةٍ | والشمس لا تحتاج للأضواء |
وغدًا لعمرك في الوجود منارة | وبدا به فردًا على النظراء |
وبذا حللت بكل قلبٍ طاهر | وملكت تقديرًا من الأعداء |
وغدوت للإسلام وجهًا مشرقًا | وكذاك حقًّا سيرة الرحماء |
عشتَ الحياة لغير نفسك صادقًا | ولذاك أقصى مرتقى العلياء |
ورغبت في أسمى الصِّفات فنلتها | وزهدتَ في الأدنى ولستَ تُرائي |
وغدوتَ للمرعي أصدق ناصحٍ | ونصحتَ للراعي بصدق ولاء |
وبقدر ما حزن المحبُّ لفقده | فالقبر سُرَّ بخيرة النزلاء |
وثمار تلك تمثلت في مشهدٍ | جمع الجميعَ بهيبةٍ ووفاء |
جادتك قبرًا حلَّ فيه هواطل | متعاقب الإصباح والإمساء |
وتغشت الرحمات مضجعه الذي | جمع التّقى ومروءة الكرماء |
عش في الجنان مُنعَّمًا بثمارها | عبدالعزيز ببهجةٍ وهناء[1] |
- صحيفة الجزيرة، عدد (9736)، بواسطة: سيرة وحياة الشيخ ابن باز، لإبراهيم الحازمي (4/ 1654- 1658).