فاضت العينان
علي بن حسن بن علي الرديني
| قلمي يئنُّ وجرحه ما زالا | والحبر فجَّرها هنا شلَّالا |
| فاضت قرائحُه وحار بأمره | ورمى بأوراقي وسلَّ سؤالا |
| ماذا عساي اليوم أسكب من دمي؟ | والخطب أعظم أن يضم مقالا |
| خطبٌ أراه وأمة مكلومة | ماذا تراه؟ عساه كان خيالا |
| جاءت مع الغسق البهيم مقولةٌ | دارت وسارت فنَّدت أقوالا |
| رحل الهزبرُ وكلنا برحيله | قد فاضت العينان دمعًا سالا |
| حزنًا ولوعة مَن سرى في ليلةٍ | يرنو الضياءَ وليله قد طالا |
| سيف توارى برقه في غمده | بعد العراك وبعدما قد صالا |
| حمل المشاعل في السّواري وابتغى | رفع الظلام فأفحم الضّلالا |
| مَن لي بجامعةٍ تسير بهمةٍ | في ذي الديار جنوبها وشمالا |
| كالبحر ينضح هادرًا متشوقًا | لعناق شطآن تُريد وصالا |
| زهد وعلم كيف لا وتواضع | وسماحة ومناقب تتوالى |
| والليل شاهده على أعماله | وقيامه يتسيّد الأعمالا |
| عقدٌ فريدٌ قد تقلَّد منصبًا | في كلِّ قلبٍ فاشتراه وغالى |
| هم في الدُّنا وضعوك في مُقَلٍ لهم | وهبوك حبًّا فائضًا منهالا |
| أين الجبال الشُّم قد ضاقت بها | قممٌ وقمَّته تتيه دلالا |
| ليل الشتاء تراه أفرط طوله | وترى سحائبه تتيه جمالا |
| حجبت نجومًا في السَّما لكنها | زالت ببدر الباز لما جالا |
| مَن لي بمثلك في الدُّنا متألقًا | لم يعرف التسويف والإهمالا؟ |
| سرت الفتاوى من لسانك بلسمًا | لما أتاك السؤل ينشد حالا |
| فغدوتَ بالفقه المفرد فيهمُو | حاكيت بدرًا بالنجوم اختالا |
| يشكو إليه المعدمون مصابهم | فيجيش جمعًا ثم يغدق مالا |
| وخصومه لا يرعوي عن نصحهم | يدعو لهم بالخير لا يتعالى |
| فغدا بذاك الودّ عند خصومه | ثقة وحاز الفضل والأفضالا |
| وكسبت بالخُلُق الرفيع محبةً | أسقيتناها بالصَّفاء زُلالا |
| هذي الرياض بدت ترى في حلةٍ | بيضاء لما أوقف التّرحالا |
| لكنها بكت الحبيبَ لأنه | قصد الحجاز لكي يرى الأحوالا |
| كل المشارق والمغارب قد بدت | خرساء عند سماعها الزلزالا |
| قد جاء في يوم الخميس بأنه | قد فارق الأحبابَ والأخوالا |
| مات المؤمل والعلوم تيتمت | وشكت أفولًا قد يصير زوالا |
| قد شاء ربي أن يكون لموته | سببٌ وإنا مؤمنون ثكالى |
| حسبي الإله ونعم مَن دانت له | كل الجباه تعبدًا تتخالى |
| نشكو إلى المولى مصابًا هزَّنا | ودهى الدُّنا نشكو إليه تعالى |
| هذي الجبال الشّم في غربيها | حوت الرفات وضمت الأوصالا |
| طلابه زواره أحبابه | نحو المطاف توافدوا أرتالا |
| شيبًا وشُبَّانا تدافع جمعُهم | نحو الوداع ركائبًا ورجالا |
| في العدل واروه الترابَ لبرزخٍ | ترجو الإلهَ له الجنان مآلا |
| عذرًا لأني لستُ في مرثيتي | أوفيته حقًّا ولا استرسالا |
| فالباز كالعلم المرفرف في السرى | فيراه مَن قد آيس التّجوالا |
| يا ربنا الرحمن إني سائل | إياك سؤلا أبتغيه نوالا |
| في جنة الخلد اجتماعًا دائمًا | بالشيخ لا نبغي له إبدالا[1] |
- صحيفة الرياض، عدد (11286)، بواسطة: سيرة وحياة الشيخ ابن باز، لإبراهيم الحازمي (4/ 1745- 1749).