ابن باز رحمه الله فقيد الدنيا

د. عبدالكريم بن إبراهيم آل غُضَيّة
عمادة البحث العلمي - الجامعة الاسلامية - بالمدينة النبوية


قال الله تعالى:أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ[الرعد:41].

أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ في قوله: نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا قال: ذهاب العلماء.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية: موت علمائها وفقهائها وذهاب خيار أهلها.
في صباح يوم الخميس 27 من شهر الله المحرم لعام 1420هـ رزئ المسلمون وانتقصت أرضهم، وأفل كوكب من كواكبهم بموت الإمام شيخ الإسلام الحافظ الأوحد القدوة علم الأولياء محيي السنة، قامع البدعة الأب الحنون أبو عبدالله عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله آل باز المولود في شهر ذي الحجة سنة 1330هـ بمدينة الرياض، وكان بصيرًا ثم أصابه مرض في عينيه عام 1346هـ وضعف بصره حتى فقده في عام 1350هـ؛ لكن الله أكسبه بصيرة، وعلمًا ورفعة، ومكانة في قلوب العباد وقبولا حسنا حيث حفظ القرآن قبل سن البلوغ، وعمل به إلى أن توفاه الله، وقد بحث في علومه على العلماء والمشايخ فنال منهم حتى فاقهم، وصار شيخا لأغلبهم.
نزر نفسه للإسلام والمسلمين فحياته تعليم، ودعوة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وسعي بالخير لكل الناس.
فاحتاج إليه السادة والمسودون، والقادة والمقودون، أقرباؤه والأبعدون، العرب والعجم حتى صار محل ثناء وإعجاب من موافقه ومخالفه فصار كل من هم بمعرفة الحق والسنة، وحلول المشاكل المعضلة والقضايا المبهمة يمم الشيخ، فكم من مسألة حائرة كان الشيخ لها، وكم من بيت مشتت بطلاق وفراق كان جمعهم على يدي هذا الشيخ المبارك، وكم من داعية انطلق يمينا وشمالا في العواصم العالمية، وفي الأدغال والأحراش يمشي قويا مؤثرًا لأن الشيخ - رحمه الله - تكفل له براتبه وما يقوته، وكم من جماعة من المسلمين في أقاصي الدنيا ليس لهم ما يجمعهم يسر الله للشيخ - رحمه الله - أن يبني لهم مسجدا ومدرسة، ومركزا ومأوى.. الخ.
وأني لأعجز أن أصف مآثر شيخنا فهو الذي لا يكل ولا يمل ولا تخلو حياته من لحظة واحدة ليس فيها عمل.
فلو تحدثت إلينا مجالس منزله، عن الوفود والمحاويج وطلاب العلم وأهل الهموم والمحبين من رجال ونساء صغار وكبار، أو لو تحدث مجلس تعليمه في المساجد وفي منزله وعبر هاتفه، أو خلال مكاتباته أو تحدثت المكاتب الرسمية والجمعيات الخيرية، فماذا سيقال عن إدارة الإفتاء، وماذا سيقال عن الرابطة، أو مجمع الفقه، او الجامعة الاسلامية أو المنتديات العلمية أو.. أو..
لقد قامت بعض المحاولات في حياته - رحمه الله - بجمع فتاواه التي وصلت وهي في مهدها إلى عشرات المجلدات، فكيف لو سطر كل شيء، لك الله يا ابن باز لك الله في نشاطك، في همتك في بعد نظرك، في جرأتك في وقوفك مع الناس كل الناس.
ولنا العزاء في فقده! أعظم الله الأجر - أمة الاسلام - وجبرنا في مصيبتنا وخلف الله علينا.
ولنا عزاء فيما خلفته لنا من علم وكتب وفتاوى وصل المطبوع منها قرابة الثلاثين كتابا - نفع الله بها - ونعزم - إن شاء الله - أن نخرج الباقي، بل نأمل أن نطبقها ونعمل بها، فهذا البر بك يا شيخنا، لكن مصابك فينا أيها الشيخ الفاضل - رحمك الله - عظيم، وخطب، فلو أن البكاء والأدمع تكفي لتعبيرنا عن محبتك لبكينا، وأنا أعلم أن كل من عرفك سيبكيك.
تبكيه مكة والمشاعر كلها وحجيجها والنسك والإحرام
تبكيه طيبة والسهول ومن بها وعقيقها وجبالها الأعلام
تبكيه كل الأرض حزن واشياق غربًا وشرقًا أمة الإسلام
لقد عرفناك أبًا، معلما، مربيا، عادلا، ورعًا، جوادا، شجاعا، حازما، كريما، يقظا، هماما..
رحمك الله يا شيخ الإسلام، رحمك الله يا أبا عبدالله، رحمك الله يا من بفقدك تنقص الأرض، هنيئا لك - إن شاء الله - أن قمت بما أوجب الله عليك، هنيئا لك أن رفع الله ذكرك، هنيئا لك أن صيّرك الله ناصرًا للدين محييًا للسنة، وقامعًا للبدعة.
نستودعك الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون[1].
  1. جريدة الجزيرة، الثلاثاء 3 صفر 1420هـ .