وداعًا
محمد إبراهيم أبانمي
لقد هُدَّ من حصن الفضائل مرقب | وغيب سيف للدنايا مغيب |
وكانت بحار العلم قبل غزيرةً | وقد جفَّ بحرٌ كان منهن أعذب |
نمرُّ ونطوي كالبساط معاشنا | وبحر الرزايا حولنا ليس ينضب |
ونغفل عمَّا قيل قبل وما به | علمنا وكأس الموت حتمًا سنشرب |
إذا حان يوم المرء ليس يفيده | مشرقة كيما يصحّ ومغرب |
يسير قطار الموت حتى إذا أتى | إليك فحتمًا لو رفضت ستركب |
ويجذب شخصٌ ماله ومتاعه | ووارثه عمَّا قليل سيجذب |
لعمري فلا تُخدع بمالٍ ولا غنًى | فإن تلك سلابًا فعمرك يسلب |
لقد جاءنا قولٌ بكت منه أنفس | كأنَّ لسان الحزن قد قام يخطب |
بأنَّ إمام المؤمنين وشيخهم | ثوى ذاك ما قد كنتُ أخشى وأرهب |
كأنَّ قلوب المؤمنين لحزنهم | وقلبي على جمر الغضا تتقلب |
ولم أكُ قبل اليوم أبكي ولم أكن | جزوعًا فما لي صرتُ أبكي وأندب؟! |
وكنتُ وما للدمع في العين مسلكٌ | فما بالها صارت دماء تسكب؟! |
وكنتُ أرى شمسي إذا تمَّ وقتها | تغيب وشمس اليوم في الفجر تغرب |
وأعذل في دمعي ولم يكُ عاذلي | أقلّ أسًى لكن دمعي أغلب |
أعذل في دمعي وقد هُدَّ معقلٌ | من العلم يُخْشَى وهو لا يتهيب |
فإن يكُ شيخ النادي للعلم يُنسب | فإنَّ علوم الناس للشيخ تُنسب |
ولم يكُ علم الشيخ للشيخ وحده | ولكن كمال الشيخ للناس يُوهب |
وكان خباء العلم عالٍ مشيدًا | وكان ابن باز للخباء المطنب |
إذا قال قولًا ينتفي قول غيره | كأنهما شمس تطل وغيهب |
لقد كان خير الناس علمًا وحكمةً | وما فاقه في العطف أمٌّ ولا أب |
وكان بشرع الله يُعطي ويتَّقي | وكان بشرع الله يعفو ويغضب |
وكان بشرع الله يهدي ويهتدي | وكان بشرع الله في الكفر يضرب |
وكان عطوفًا لينًا في صلابةٍ | فكم ردّ زنديقٌ وكم تاب مذنب |
وكان كريمًا لا ينهنه سائلًا | ويخصب ضيف الشيخ والشيخ مجدب |
له دوحةٌ من عزَّةٍ وكرامةٍ | وليست على مرِّ السنين تشذب |
يفيض وقار الشيخ حلمًا ورقةً | ولكن إذا دِيسَ الحمى يتلهب |
وما زال أهلُ السوء قبل إذا دعوا | أتاهم بسهمٍ لا يخيب فخيبوا |
فما مضى صالوا وجالوا وأزبدوا | وأبرز ما قد كان قبل يغيب |
وظنوا بموت الشيخ موت علومه | ومثل ابن بازٍ ليس بالموت يغلب |
وعلم ابن باز إن مضى فهو رايةٌ | يقوم بها شخصٌ وآخر يذهب |
كذاك أسود العلم إن غاب كوكبٌ | يقوم بنشر العلم في الناس كوكب |
وإن أنسَ لا أنساك إذ كنتَ آمرًا | بقولك بالصبر الذي هو أقرب |
فما لك هذا اليوم بالفعل ناهيًا | عن الصبر أم بالفعل أيضًا تدرب |
إذا كان قولي كله كان أو مضى | فما في حياتي بعدكم لي مطلب |
سقى الله قبرًا بالحجاز سحائبًا | لهن رباب تحتهن وهيدب |
وثنى على قبر ابن باز برحمةٍ | وعفوٍ وغفرانٍ تسحّ وتسكب[1] |
- صحيفة الرياض، عدد (11287)، بواسطة: سيرة وحياة الشيخ ابن باز، لإبراهيم الحازمي (4/ 1806- 1810).