فقيد الأمة العربية والإسلامية

د. عبدالعزيز بن عبدالله السنبل
نائب المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم
 
بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره فجعنا بنبأ وفاة المغفور له بإذن الله العالم الجليل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز مفتي المملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء, نعم فجعنا فرحيل عالم فذ وشيخ جليل بمقام ابن باز ليس بالشيء الهين، إنها الفاجعة التي ذهلت لها العقول، وانعقدت معها الألسن، وتفطرت لها القلوب، وذرفت لها الدموع، ولكننا راضون بقضاء الله وقدره، فالموت حق، ومن حان وقت رحيله من هذه الدنيا الفانية فلن يتأخر ثانية واحدة، مصداقًا لقوله تعالى: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34].
نعم لقد استسلمت روحه الطاهرة لنداء رب العزة والجلال، انهمرت الدموع وتعالت الأفئدة داعية له بالرحمة والمغفرة جزاء لما أسداه لأمته العربية والإسلامية التي سخر لها كل حياته، فحياته يرحمه الله تمحورت جميعها حول الدعوة والنصح والإرشاد والعلم والتعليم مسترشدا بالأسلوب الرباني الداعي للحكمة والموعظة الحسنة.
فسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله كان عالمًا فذًا لا يشق له غبار في علوم القرآن والتفسير والحديث والفرائض، وكان مرجعًا للفتوى لكل أبناء الأمة الإسلامية، وله إسهامات علمية شرعية أكبر من أن تذكر في هذه العجالة، ومن أهم مؤلفات الشيخ رحمه الله العقيدة الصحيحة وما يضادها، والتحذير من البدع، والفوائد الجلية في المباحث الفرضية، والشيخ محمد بن عبدالوهاب (دعوته وسيرته).
وإبان حياته رحمه الله تسنم فضيلة الشيخ مناصب جليلة كمنصب المفتي العام، ورئاسة هيئة كبار العلماء، ورئاسة اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإرشاد، ورئاسة المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، ورئاسة المجلس الأعلى العالمي للمساجد وغيرها من المناصب ورغم ضخامة هذه المسئوليات، فإنه لم يتأن رحمه الله حتى في حالات مرضه في استقبال الزائرين والاستماع للسائلين والإجابة على تساؤلاتهم.
ولقد منحه المولى عز وجل حبًا منقطع النظير أعانه على مجالسة طلاب العلم لساعات طوال بعد صلاة الفجر، وبعد صلاة المغرب، يتدارس معهم المتون المطولة بأريحيته المعهودة وتواضعه الجم وعلمه الغزير وحتى منزله، أصبح خلية نحل لا تهدأ من الزائرين وطلاب العلم الذين كان يستقبلهم ببشاشة ورحابة صدر، ويأنس بهم ويلاطفهم دون كلل أو ملل، محتسبًا الأجر والمثوبة من رب العالمين, لقد كف بصر شيخنا وعالمنا الجليل فلم ير بهارج الدنيا وزينتها وزخرفها ولم يأبه لكل ذلك، ولكنه أبصر بقلبه فأنار الله له دروب الخير والحق والعمل الصالح، فعبدالله على بصيرة، وخاف من لقاء ربه فأعد العدة للآخرة فرفعه الله مكانة عالية، وحبب الناس إليه، فلقد أجمعت الأمة العربية والإسلامية على محبة هذا العالم الجليل، وفقدت برحيله حصنًا عظيمًا ومنارة شامخة من منارات العلم والدعوة والإرشاد، ففقيدنا قامة رفيعة في سماء العلم والمعرفة دخل التاريخ من أوسع أبوابه بجده، وإخلاصه وصبره وتفانيه وإضافاته العلمية الشرعية النيرة, لقد عاش ابن باز يرحمه الله زاهدًا في هذه الدنيا محبًا للخير، محبًا للعلم والعلماء، ومخلصًا لدينه وولاة الأمر وبادله ولاة الأمر يحفظهم الله، هذا الحب والتقدير بحب وتقدير مماثل، ووضعوه في المكانة اللائقة بمكانته وعلمه، وهذا هو ديدنهم مع علمائنا وشيوخنا يحفظهم الله ويثبت أقدامهم على طريق الخير والحق والصلاح.
إن عالمًا بهذه الإسهامات وبهذه الميزات يستحق بحق منا جميعًا أن نبكي على فراقه، ونأسى على رحيله، وندعو المولى العلي القدير أن يجعل جميع أفعاله في موازين أعماله يوم القيامة، وأن يحشره مع النبيين والصديقين والصالحين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا.
رحم الله شيخنا الجليل عبدالعزيز بن باز وأسكنه فسيح جناته، وألهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني وأهل الفقيد والشعب السعودي النبيل والأمة العربية والإسلامية الصبر والسلوان، إنا لله وإنا اليه راجعون[1].
  1. جريدة الجزيرة، الثلاثاء 3 صفر 1420هـ.