فقيد الأمة

عبدالرحمن بن يوسف بن عبدالرحمن الرحمة
 
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ووفده، وبعد:
ففي فجر يوم الخميس السابع والعشرين من شهر الله المحرم لعام 1420هـ، رزئ المسلمون، وانتقصت أرضهم، بعد أن هوى نجم الأمة الساطع، وكوكبها اللامع، الإمام شيخ الإسلام، القدوة الحافظ، علم الأتقياء، محيي السنة، وقامع البدعة، شيخنا وأمامنا عبدالعزيز بن عبدالله بن باز-رحمه الله-، وعلى مثله تبكي العيون حقًا، وعلى فقده تتفطر القلوب والأفئدة، كان -رحمه الله- أمة في رجل، ورجلًا في أمة، عرفته كما عرفه غيري بالشفقة على هذه الأمة، والنصرة لهذا الدين، والنصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، عرفت سماحته منذ زمن بعيد، وأمد طويل، فرأيت فيه الأب الرحيم، والشيخ الكريم، والعالم المسدد جمع أشتات المكارم، وتحلّى بفضائل الأخلاق، فهو بحق أئمة في إمام، لقد عرفته - وعرفه غيري- رقيق القلب، قريب الدمعة، نقي السريرة، طاهر الفؤاد، صافي الروح حلو الموعظة، كريم الخلق، باسم المحيا، ذكّارًا شّكارًا، صوّامًا قوّامًا، عذب الحديث، هينًا لينًا، متواضعًا مخبتًا لله، لا يحقد ولا يحسد، ولا يتكلف ما ليس عنده، يده بالعطاء ندية، وبالخير سخية، فهو بحق مجدد هذا العصر، وغرة هذا الزمان، وحصن الفضيلة، وسيف الإسلام المنافح عن عقيدة التوحيد، والذابّ عن حياض السنة، والدال إلى رياض الجنة والإيمان، والمكافح ضد البدع والمنكرات، وإذا ذكر الصالحون فرحم الله سماحة إمامنا وعالمنا وشيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز.
لا أقول مثل هذه الكلمات إغراقًا في المدح، أو غلوًا في الرثاء، بل هي حقائق صادقة، بالحق ناطقة، يعرفها كل من عاشره وعاصره، وعرفه عن قرب، وسبره عن كثب.
لقد فقدناه ونحن أحوج ما نكون إليه، وإلى محصول علمه الذي قضى في تحصيله وتحقيقه ونشره وتعليقه قرابة تسعين عامًا، فقدناه ونحن أحوج ما نكون إلى نضج عقله وسلامة تفكيره ودلالة نظره، فقدناه رجلًا لا يكاد يعرف الناس له شبيهًا ونظيرًا في أصالة معدنه، وطهارة ذيله، وجودة رأيه، ورباطة جأشه، وعفة نفسه، وغزارة علمه وعمله، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
إن مما تسلى به النفس تشييع الملايين له الذي يدل دلالة قاطعة على وعي هذه الأمة، وتقديرها للمخلصين من رجالها، وللعلماء العاملين بعلمهم من أبنائها، وإنه لشاهد عدل، ودليل صدق على صلاحه وورعه، وصلابة دينه، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدًا، وإنه كان ممن طال عمره، وحسن عمله.
هذا بعض ما نفح به الخاطر عن سماحته، ولقد وفقني الله بفضل منه وجود وإحسان، إلى تأليفي عن حياة سماحته بمجلد كبير وسمته بـ (الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز حياته وجهوده العلمية والعملية والدعوية وآثاره الحميدة)، تطرقت فيه إلى كل جوانب حياته وتعليمه ودعوته، وهو مطبوع على نفقة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود- وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء، أجزل الله له الأجر والثواب على ذلك وغيره من المحسنين الكرام، فالحمد لله على قضائه وقدره، حلوه ومره، رحمك الله يا شيخنا وأسكنك الجنة دار القرار، ومنزل الأبرار، والحمد لله، وإنا لله وإنا إليه راجعون. [1]
 
  1. جريدة الجزيرة، الإثنين 2 صفر 1420هـ.