فقيد العالم الإسلامي

عبدالعزيز بن عبدالله العمار
الوكيل المساعد لشؤون الدعوة
 
قال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۝ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۝ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157].
نعم: إنا لله وإنا اليه راجعون، لقد مات علم من أعلام الإسلام في العصر الحاضر، مات إمام من أئمة أهل السنة والجماعة.
نعم: لقد مات الشيخ عبدالعزيز بن باز وصدق الله العظيم: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ [آل عمران:145]، اللهم اجعلنا ممن يريد ثواب الآخرة.
لقد كان وقع النبأ على الجميع مفجعًا وأليمًا، لقد مات الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله- وإن في الديار حنينًا، وفي الصدور أنينًا، وفي العين عبرات، وفي النفوس زفرات، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا اليه راجعون، ولا نقول إلا كما قال المصطفى ﷺ: إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا ابراهيم لمحزونون، وإن الأمة الإسلامية لشيخها وعالمها وإمامها، إمام أهل السنة والجماعة لهذا العصر لمحزونون.
إن خسارة البلاد بفقدان الرجال خسارة لا تعوض، مالم يكن لها من الخلف من يقوم مقام السلف، فإن رجلًا بأمة وإن أمة برجل.
إن العالم يبكي إن فقد واحدًا من العلماء، فكيف لا يبكي الشيخ عبدالعزيز ابن باز وقد ندر مثله، وإننا لنسأل الله تعالى أن يعوض على الأمة الإسلامية من يقوم مقامه في العلم والدعوة والتربية ونشر الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن المؤمن لا يعرف اليأس ولا القنوط، قال تعالى: إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87].
لا أريد هنا بهذه الكلمة القصيرة أن أشيد بشتى مآثر الشيخ - رحمه الله - تلك المآثر التي تستند على إيمان بالله راسخ وعلم واسع وقلب محب للخير، ونور يشع منه الإيمان في كل مكان.
لقد مات الشيخ - رحمه الله - وهو أمة في فرد، وقد نفع الله به البلاد والعباد في أنحاء العالم كله، فقد كان يتحسس آلام الأمة وحاجاتها من الشرق والغرب، وما من بلد في أنحاء المعمورة إلا وقد امتدت يده المباركة لمساعدته، فتجد أثره أنّى ذهبت، وأنّى اتجهت، كان العالم كله أمامه يسأل عن أخبار المسلمين ويتابع أحوالهم، ويشد أزرهم ويجيب استفتاءاتهم.
كان - رحمه الله - حريصًا على نشر العلم وتشجيع طلابه، وذلك من خلال دروسه ومحاضراته وكتبه ورسائله وعمله في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، فقد رأيت كثيرًا من الدعاة في أنحاء العالم الإسلامي تفتخر بأنهم ممن تتلمذ على الشيخ ابن باز - رحمه الله - بل من لم يلق الشيخ يسأل عن فتاواه وآرائه، وقد جعل الله في قلوب الناس له المحبة والقبول.
وأما عن منهج الشيخ في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح، فإنه يمثل بحق منهج أهل السنة والجماعة في الدعوة، وإننا في مثل هذا العصر في حاجة إلى أن نبرز هذا المنهج للدعاة وطلاب العلم؛ لأنه منهج يقوم على الاعتدال والرفق، متوخيًا في هذا منهج المصطفى ﷺ، ومنهج السلف الصالح من هذه الأمة.
ولذا في هذه المناسبة كان لزامًا على طلاب العلم خاصة في الدراسات العليا أن يبحثوا هذا المنهج الفريد في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ذلك المنهج الذي تميز به سماحة الشيخ - رحمه الله.
إن منهج الإمام الشيخ في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج إلى وقفة متأنية ودراسة دقيقة لإبراز هذا المنهج، وهذه دعوة للباحثين والمهتمين بتراث الشيخ الجليل.
إن الحديث عن الشيخ له جوانب متعددة عن تواضعه وكرمه ورحابة صدره وعطفه على الفقراء والمساكين، واهتمامه بقضايا الأمة الإسلامية وتتبعه لها.
أما عن علم الشيخ فإنه فريد زمانه، فهو علم قائم على الكتاب والسنة وعدم التعصب، فإن منهج الشيخ - رحمه الله - في التعامل مع ولاة الأمر بالثناء والشكر على ما يقومون به من أعمال جليلة، والنصح والدعاء لهم بالتوفيق، وهذا منهج السنة والجماعة، إن خسارة الأمة الإسلامية به خسارة عظيمة.
وإني لأعزي خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني، والأسرة الكريمة، والأمة الإسلامية، وأسرة الشيخ، وأهل العلم وطلابه، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعوضهم خيرًا، وأفضل ما يقوله الصابرون: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، فرحمه الله رحمة الأبرار، وعوض الأمة عنه خير العوض.
وإذا أصبت مصيبة تشجى بها فاذكر مصابك بالنبي محمد
فجزاه الله خيرًا، وتغمده برحمته، وجعله مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا. [1]
 
  1. جريدة الجزيرة، الخميس 5 صفر 1420هـ.