قصة الشيخ ابن باز مع الملك عبدالعزيز
يقول أحد كبار السن في الدلم للدكتور الشويعر في بداية توظف الأخير عند الشيخ - رحمه الله:
إن كرم الشيخ متأصل عنده في نفسه منذ صغره، بأنه لا يحب أن يأكل طعامه وهو قاضي في الخرج إلا ومعه ضيوف، وإذا جاء إليه من يستفتيه لا يفتيه في موضوع الطلاق أو غيره الذي جاء من أجله إلا بعد الغداء ظهرًا أو العشاء ليلًا حسب الوقت الذي جاء فيه.
في يوم من الأيام - لعله في حدود عام 1363هـ - جاء إليه شخص كان من أخويا الملك عبدالعزيز في موضوع طلاق لزوجته، وكان الشيخ محمد بن إبراهيم قد أفتاه بأنها بانت منه بينونة كبرى، ولا تحل له إلا بعد زوج آخر، نكاح رغبة لا نكاح تحليل، ثم يفارقها بموت أو طلاق، وهي غالية عنده وأم أولاده .
فضاقت عليه الأرض وذهب لبعض المشايخ ولم يفته أحد مكتفين بفتوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، فقيل له: اذهب إلى الشيخ عبدالعزيز بن باز في الخرج فجاء من الرياض في سيارات المشروع، واستأجر حمارًا إلى الدلم، فوصل قرب أذان الظهر، فجاء للشيخ وسلم عليه في المحكمة وأخبره بما جاء من أجله وكيفية الحالة مع زوجته، ولم يقل للشيخ عبدالعزيز بأنه سبق أن أفتاه الشيخ محمد بن إبراهيم.
فقال الشيخ ابن باز: أمرك يتسهّل إن شاء الله لكن بعد ما ترتاح وتتغدى.
أرسل الشيخ رجلًا كان في خدمته يقال له: ابن براك محب للشيخ، إلى صاحب مزرعة يربي أغنامًا، وهو عميل للشيخ، يأخذ منه باستمرار بالدّين، فجاء بذبيحة من عنده كالمعتاد ..
غدى ضيف الشيخ، مع مجموعة من طلاب الشيخ، ثم عرض موضوعه على الشيخ ابن باز فأفتاه فضيلته وأعطاه ورقة بذلك، بأن طلاقه يعتبر واحدة.
وهذه الفتوى هي التي سببت طلب الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بأن يحضر الشيخ ابن باز في الرياض القصة المشهورة، والتي اعتبرها بعضهم خلافًا بينه وبين شيخه الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله، والشيخ أوضح الأمر في جريدة الجزيرة تحت عنوان: قصة خلافه مع الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله، والمقابلة عام 1401هـ.
قال المحاور لسماحته: يعتقد البعض أن هناك خلافًا بين مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم وبين الشيخ عبدالعزيز بن باز –رحمهما الله- في بعض الأمور، حتى يروى بأن الشيخ محمد بن إبراهيم يتضايق كثيرًا من الخلافات الفقهية التي كانت بينه وبين الشيخ ابن باز، لكن ماذا يقول ابن باز نفسه عن هذه القضية: إذ قال سماحته في هذا الجواب:
مبدأ خلافاتي معه - رحمه الله - في مسائل قليلة وكنت أرى رأيًا يخالف رأيه أحيانًا، لقد كان يتضايق من ذلك ويفسره البعض بالخلاف الدائم، أذكر مرة واحدة في حادثة تتعلق بالطلاق الثلاث، فقد أفتى فيها هو، وأفتيت فيها أنا أيضًا بدون علم مني بخلاف ما أفتى به، فتكدر بعض الشيء، فاعتذرت إليه وزال الكدر.
فقال المحاور لسماحته: ما دمنا نتحدث عن الاختلاف في وجهات النظر دعونا نسأل الشيخ عبدالعزيز عن الملك عبدالعزيز وهل اختلف معه؟
فقال: الملك عبدالعزيز رجل فطن، وكان في حاشيته عدد من رجال الدين، وهو حريص جدًا على الشريعة الإسلامية، ولم يكن بيني وبينه خلاف في هذه المواضع، لكنه يحدث أحيانًا أن يكون هناك تباين في وجهات النظر، مثل موضوع الطلاق بالثلاث، والطلقة الواحدة. [1]
من المقابلة يظهر أدب الشيخ وإجماله للموضوع، وإن كان أقر وأشار إلى موضوع الخلاف بينه وبين الملك وشيخه الشيخ ابن إبراهيم - رحمهم الله .
وأما ما حصل في مجلس الملك عبدالعزيز لما استدعاه إلى الرياض، يقول أحد موالي الملك عبدالعزيز واسمه بشير العبدالعزيز، وهو ممن حضر المجلس وكان شاهدًا، بل وكان رسول الملك إلى الشيخ يذكر بشير أن الشيخ ابن باز أعطى رأيه في مسألة اجتهادًا منه على خلاف الفتوى السائدة عند العلماء في عصره. فلما استدعاه الملك عنفه في مجلسه لاعتراضه على من هو أعلم منه من العلماء رغم صغر سنه، فخرج الشيخ رحمه الله من عنده وذهب لمقره الذي يعمل فيه قاضيًا، وبعد فترة من الزمن يقول بشير: استدعاني الملك وأعطاني شيئًا كثيرًا من المال في عدة أكياس، وقال لي: اذهب إليه فاعتذر لي منه، وأعطه المال.
يقول فذهبت إليه حيث يعمل قاضيًا في الخرج، فوجدته في مسجده حيث يقضي بين الناس ويلقي بعض الدروس، وأخبرته الخبر، ونقلت له الاعتذار، فما كان جوابه إلا أن قال: ليس في خاطري شيء على الملك، فهو بمثابة الوالد الذي قد عنف ابنه.
فيقول بشير له: لقد أرسل هذا المال لك.
فيجيبه: إذا حضر العشاء أحضره معك.
يقول بشير: وبعد نهاية درسه الذي يلقيه على بعض تلامذته جيء بالعشاء، وبعد الفراغ منه قال: يا بشير هات ما معك، فأخذ المال وقام بتوزيعه على من عنده من الطلاب، وربما أخذ منه ريالين.
يقول بشير: وعدت إلى الملك وأخبرته الخبر.
قال الملك: يا بشير إن أبقى الله هذا الرجل حيًا فسوف يكون سراجًا لهذه الأمة.
وصدقت والله فراسة الملك، فكان الشيخ سراجًا لنا استنار الناس بهذا النور في مشارق الأرض ومغاربها. [2]
فرحمه الله ورحم الملك عبدالعزيز، ورحم الشيخ محمد بن إبراهيم، وأعلى في الجنان منازلهم.
وصل اللهم وسلم على نبينا وحبيبنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
والشيخ ابن باز - رحمه الله - ليس بينه وبين شيخه إلا كل ود ومحبة بل لا يكاد يذكر شيخه حتى ترى الدمع في عينيه - رحمهما الله، وذكرني هذا بقصة نادرة ما تحصل أو تذكر في كتب الفقه اختلف الشيخ مع شيخه فيها وأقر له الشيخ ابن إبراهيم في علمه وهي مسألة في رضاع الكبير، فلعلي أجعلها في موضوع آخر.
إن كرم الشيخ متأصل عنده في نفسه منذ صغره، بأنه لا يحب أن يأكل طعامه وهو قاضي في الخرج إلا ومعه ضيوف، وإذا جاء إليه من يستفتيه لا يفتيه في موضوع الطلاق أو غيره الذي جاء من أجله إلا بعد الغداء ظهرًا أو العشاء ليلًا حسب الوقت الذي جاء فيه.
في يوم من الأيام - لعله في حدود عام 1363هـ - جاء إليه شخص كان من أخويا الملك عبدالعزيز في موضوع طلاق لزوجته، وكان الشيخ محمد بن إبراهيم قد أفتاه بأنها بانت منه بينونة كبرى، ولا تحل له إلا بعد زوج آخر، نكاح رغبة لا نكاح تحليل، ثم يفارقها بموت أو طلاق، وهي غالية عنده وأم أولاده .
فضاقت عليه الأرض وذهب لبعض المشايخ ولم يفته أحد مكتفين بفتوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، فقيل له: اذهب إلى الشيخ عبدالعزيز بن باز في الخرج فجاء من الرياض في سيارات المشروع، واستأجر حمارًا إلى الدلم، فوصل قرب أذان الظهر، فجاء للشيخ وسلم عليه في المحكمة وأخبره بما جاء من أجله وكيفية الحالة مع زوجته، ولم يقل للشيخ عبدالعزيز بأنه سبق أن أفتاه الشيخ محمد بن إبراهيم.
فقال الشيخ ابن باز: أمرك يتسهّل إن شاء الله لكن بعد ما ترتاح وتتغدى.
أرسل الشيخ رجلًا كان في خدمته يقال له: ابن براك محب للشيخ، إلى صاحب مزرعة يربي أغنامًا، وهو عميل للشيخ، يأخذ منه باستمرار بالدّين، فجاء بذبيحة من عنده كالمعتاد ..
غدى ضيف الشيخ، مع مجموعة من طلاب الشيخ، ثم عرض موضوعه على الشيخ ابن باز فأفتاه فضيلته وأعطاه ورقة بذلك، بأن طلاقه يعتبر واحدة.
وهذه الفتوى هي التي سببت طلب الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بأن يحضر الشيخ ابن باز في الرياض القصة المشهورة، والتي اعتبرها بعضهم خلافًا بينه وبين شيخه الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله، والشيخ أوضح الأمر في جريدة الجزيرة تحت عنوان: قصة خلافه مع الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله، والمقابلة عام 1401هـ.
قال المحاور لسماحته: يعتقد البعض أن هناك خلافًا بين مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم وبين الشيخ عبدالعزيز بن باز –رحمهما الله- في بعض الأمور، حتى يروى بأن الشيخ محمد بن إبراهيم يتضايق كثيرًا من الخلافات الفقهية التي كانت بينه وبين الشيخ ابن باز، لكن ماذا يقول ابن باز نفسه عن هذه القضية: إذ قال سماحته في هذا الجواب:
مبدأ خلافاتي معه - رحمه الله - في مسائل قليلة وكنت أرى رأيًا يخالف رأيه أحيانًا، لقد كان يتضايق من ذلك ويفسره البعض بالخلاف الدائم، أذكر مرة واحدة في حادثة تتعلق بالطلاق الثلاث، فقد أفتى فيها هو، وأفتيت فيها أنا أيضًا بدون علم مني بخلاف ما أفتى به، فتكدر بعض الشيء، فاعتذرت إليه وزال الكدر.
فقال المحاور لسماحته: ما دمنا نتحدث عن الاختلاف في وجهات النظر دعونا نسأل الشيخ عبدالعزيز عن الملك عبدالعزيز وهل اختلف معه؟
فقال: الملك عبدالعزيز رجل فطن، وكان في حاشيته عدد من رجال الدين، وهو حريص جدًا على الشريعة الإسلامية، ولم يكن بيني وبينه خلاف في هذه المواضع، لكنه يحدث أحيانًا أن يكون هناك تباين في وجهات النظر، مثل موضوع الطلاق بالثلاث، والطلقة الواحدة. [1]
من المقابلة يظهر أدب الشيخ وإجماله للموضوع، وإن كان أقر وأشار إلى موضوع الخلاف بينه وبين الملك وشيخه الشيخ ابن إبراهيم - رحمهم الله .
وأما ما حصل في مجلس الملك عبدالعزيز لما استدعاه إلى الرياض، يقول أحد موالي الملك عبدالعزيز واسمه بشير العبدالعزيز، وهو ممن حضر المجلس وكان شاهدًا، بل وكان رسول الملك إلى الشيخ يذكر بشير أن الشيخ ابن باز أعطى رأيه في مسألة اجتهادًا منه على خلاف الفتوى السائدة عند العلماء في عصره. فلما استدعاه الملك عنفه في مجلسه لاعتراضه على من هو أعلم منه من العلماء رغم صغر سنه، فخرج الشيخ رحمه الله من عنده وذهب لمقره الذي يعمل فيه قاضيًا، وبعد فترة من الزمن يقول بشير: استدعاني الملك وأعطاني شيئًا كثيرًا من المال في عدة أكياس، وقال لي: اذهب إليه فاعتذر لي منه، وأعطه المال.
يقول فذهبت إليه حيث يعمل قاضيًا في الخرج، فوجدته في مسجده حيث يقضي بين الناس ويلقي بعض الدروس، وأخبرته الخبر، ونقلت له الاعتذار، فما كان جوابه إلا أن قال: ليس في خاطري شيء على الملك، فهو بمثابة الوالد الذي قد عنف ابنه.
فيقول بشير له: لقد أرسل هذا المال لك.
فيجيبه: إذا حضر العشاء أحضره معك.
يقول بشير: وبعد نهاية درسه الذي يلقيه على بعض تلامذته جيء بالعشاء، وبعد الفراغ منه قال: يا بشير هات ما معك، فأخذ المال وقام بتوزيعه على من عنده من الطلاب، وربما أخذ منه ريالين.
يقول بشير: وعدت إلى الملك وأخبرته الخبر.
قال الملك: يا بشير إن أبقى الله هذا الرجل حيًا فسوف يكون سراجًا لهذه الأمة.
وصدقت والله فراسة الملك، فكان الشيخ سراجًا لنا استنار الناس بهذا النور في مشارق الأرض ومغاربها. [2]
فرحمه الله ورحم الملك عبدالعزيز، ورحم الشيخ محمد بن إبراهيم، وأعلى في الجنان منازلهم.
وصل اللهم وسلم على نبينا وحبيبنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
والشيخ ابن باز - رحمه الله - ليس بينه وبين شيخه إلا كل ود ومحبة بل لا يكاد يذكر شيخه حتى ترى الدمع في عينيه - رحمهما الله، وذكرني هذا بقصة نادرة ما تحصل أو تذكر في كتب الفقه اختلف الشيخ مع شيخه فيها وأقر له الشيخ ابن إبراهيم في علمه وهي مسألة في رضاع الكبير، فلعلي أجعلها في موضوع آخر.
- انتهى جريدة الجزيرة عدد 3090 عام 1401هـ والمقابلة في صفحتين.
- مقدمة رسالة دكتوراه مقدمة للمعهد العالي للقضاء وهي عن الشيخ رحمه الله للدكتور الباحث الشيخ خالد بن مفلح آل حامد وهو يرويها عن والده عن بشير العبدالعزيز. وأما المصادر الأخرى فمن كتابي عبدالعزيز بن باز عالم فقدته الأمة وجوانب من سيرة الإمام نقلتها بإيجاز يسير.