الشيخ الدكتور عبدالوهاب الطريري
يقول الشيخ الدكتور عبدالوهاب الطريري: في (شجون الذكريات: أيام منى في مخيم الشيخ ابن باز - رحمه الله).
- تثير منى شجون الذكريات :
هذه الخيف وهاتيك مُنى | فترفق أيها الحـادي بنــا |
آه وا شوقي إلى ذاك الحمى | شوق محروم وقد ذاق العنا |
وهذه بعض ذكرياتي لأيام منى في مخيم الشيخ ابن باز - رحمه الله - أرسل بعضها عفو الخاطر.
- كان من سعادة عمري أني كنت أجلس أيام منى في مخيم الشيخ ابن باز - رحمه الله، وفيها أفدت أهم ما أفدته منه.
- كنت أرى في هذا المخيم كرم الشيخ، وحكمة الشيخ، وعلمه، وحلمه، وطاقته النفسية الهائلة.
- كان باب مخيمه مفتوحاً كأنما يدعو الناس ويرحب بهم، كان المخيم يمتلئ عن آخره بالناس، ويوضع فيه الطعام لجميع الحاضرين.
- كنت ألاحظ تنوع القاصدين لمخيم الشيخ من كل الجنسيات عرباً وعجماً، وهذا يظهر شخصية الشيخ العالمية.
- في مخيم الشيخ كنت أرى بعض الضعفه الذين يحج بهم الشيخ على حسابه وكأنه يتحرى قول نبيه ﷺ: أبغوني ضعفاءكم. [1]
- كان مخيم الشيخ مقصد أهل العلم، هناك رأيت المشايخ عبدالرزاق عفيفي، وعبدالله بن قعود، وعبدالله المطوع، ونسيب الرفاعي - رحمهم الله، وغيرهم.
- رأيته أول ما نزل المخيم يوم التروية في منى وجلس كان أول ما فعله أن عين مؤذنا للمخيم وأوصاه بتعاهد الوقت.
- كانت الصلاة تقام في المخيم فيؤمنا الشيخ ويلقي كلمات بعد الصلاة غالباً، ثم يجلس للإجابة على الأسئلة.
- وربما تأثر الشيخ وهو يتحدث، ولا أزال أتذكره وكأني أراه الآن رافعا إصبعه يحكي بتأثر قول رسول الله ﷺ: اللهم هل بلغت اللهم اشهد. [2]
ثم قال بصوت يتقطع بالبكاء: ونحن أيضاً نشهد بما شهد به أصحابه أنه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة ﷺ. - كنت أعجب من صبر الشيخ على الأسئلة رغم تكرارها وإلحاف السائلين فيها، وكانت طاقته النفسية وهو يجيب على آخر سؤال كحالها وهو يجيب على أول سؤال.
- كان أكثر الأدلة ترددا على لسانه وهو يجيب على أسئلة الحجاج فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[التغابن:16] لا أكاد أحصي كم يقولها.
- له اقتدار عجيب على تجريد السؤال الطويل الشائك من الأوصاف غير المؤثرة والصمود إلى محل الإشكال، بحيث نفاجأ بقرب تناوله للجواب الذي ظنناه بعيدا.
- أتاه ناس فسألوه عن امرأه وقفت بعرفه ثم جُنَّت هناك، فاستغرب السؤال وأطال التأمل وطلب (حاشية الروض) وبعد المغرب زاره الشيخ ابن عثيمين فذاكره المسألة وتراجعا فيها القول، ولكن غاب عني الآن على أي شيء انتهوا.
- سأله سائل عن النفرة من مزدلفة بعد منتصف الليل، فقال له: جائز، فقال: يا شيخ لسنا كلنا ضعفة، فقال: كل الناس ضعفة.
- سأله سائل فقال: ما حكم ارتداء الذهب المحلق للنساء، فضحك الشيخ وقال: الارتداء لما يلبس على الظهر، ثم أجابه، وكان رأيه الجواز.
- سأله شاب عن الأذان الأول لصلاة الجمعة والقول بأنه بدعة، فاستنكر ذلك، وقال: هذا قول قبيح فيه نسبة الصحابة للبدعة.
- سأله أخي الشيخ علي المري وأنا معه عن طواف الحائض إذا سارت رفقتها، فأجاب بفتوى شيخ الإسلام، أن تتحفظ وتطوف.
- أتى إلى الشيخ شاب ومعه جهاز تسجيل يطلب إجابات على أسئلة من أمريكا فاحتفى به وقام معه للخيمة الخاصة ليسجل له جواب أسئلته، كانت عالمية الشيخ تمتد للقريب والبعيد.
- ربما أعقب الشيخ في الإجابة على الأسئلة بعض المشايخ، وأكثر من كنت أراه يعقبه الشيخ عبدالله بن غديان - رحمهما الله.
- رأيته وقد زاره الشيخ ابن عثيمين بعد المغرب يوم الحادي عشر فرأيت له به حفاوة خاصة، كأني أراهما الآن والشيخ ابن عثيمين على يساره وهو يسأله: هل مر بكم مسائل غريب هذه السنة؟
- في يوم عرفة كنت ترى مسيره تطبيقا عمليا ليوم النبي ﷺ سواء بسواء، لا تكاد تلحظ ثانية تفلت منه دون أن يرحلها بصالح عمل: ذكر ودعاء وإجابة سائل.
- في يوم عرفة يتناول غداءه في المخيم في زحام الناس كأنه يتعبد لله بالمسكنة مع الناس، ويزدحم الناس على سفرته برغم كثرة السفر الموضوعة.
- في عصر يوم عرفة وفي انشغاله بما هو فيه أتى إليه أحد كبار السن بصبي صغير ليسلم عليه فأقبل الشيخ على الصبي وجعل يلاطفه ثم قال: من ربك؟ من نبيك؟ وجعل يدعو له.
يا لله أي سعة في النفس هذه؟ كان الشيخ يتعبد لله بإدخال السرور على قلوب من حوله. - رأيته عند النفرة من عرفة قبل الغروب وهو في الحافلة في غمار الناس مستغرقًا في دعائه، فما أحسبني رأيت حالاً هي أعظم عظة لقلبي أبلغ من حاله تلك.
- دخلت المخيم يوم العيد ضحى فإذا الشيخ بإحرامه وله لهج بالتلبية لأنه لم يرم جمرة العقبة بعد، وكان يرى استمرار التلبية إلى الرمي.
- لقيته مرة بالليل عند جمرة العقبة، فرمقت طريقته في الرمي وتحريه لمكان الوقوف عند الجمرة، كحديث ابن مسعود في صفة وقوف النبي عندها.
- في كل السنوات التي جلست فيها في مخيم الشيخ لاحظت أن الشيخ يتأخر إلى اليوم الثالث عشر، وأحسب أن هذا كان دأبه دائمًا.
- كان اليوم الثالث عشر فرصة للاقتراب أكثر من الشيخ لقلة الحضور فنكون معه كأننا في جلسة خاصة.
- من أكثر ما استفدته منه في هذا المخيم رؤية التطبيق العملي لحسن الخلق والقدرة على احتواء الناس على اختلاف أجناسهم وأخلاقهم وأغراضهم.
- رغم رهق العمل الذي يتحمله وكثرة الأسئلة التي يجيبها وكثرة من في المخيم ممن هم في ضيافته فإني لم أره يومًا متوترًا أو متحفزًا وإنما تراه مسترخيًا عليه السكينة كأنه لا يكرثه شيء، يسع الجميع بره ولطفه.
- عندما تقدم له القهوة في الصباح في المخيم يدعو الناس بنفسه للقهوة والتمر، فتسمعه ينادي: تفضلوا القهوة التمر، ثم يقول متبسطاً لمن في المخيم ليغريهم بأكل التمر: القهوة مُرَّة ولكن يكسر مرارتها حلاة التمر؛ كان يجد سعادة نفسه في إكرام من عنده.
- سأله رجل عن حاج دخل مخيمًا وجلس فيه وأكل معهم وليس منهم، فقال: ما داموا يرونك فهذا إذن منهم. وأحسب أن لكرم الشيخ أثرًا في هذه الفتوى.
- تطبيقه للسنن وفضائل العمل راسخ في حياته تراه يطبقه بشكل عفوي لا تكاد تفلت سنة عن محلها.
- رأيته يكلم بالهاتف مكالمة يبدو أنها مهمة فلما سمع الأذان قال لمن يكلمه: أذن عندنا سنجيب المؤذن ثم نحى الهاتف واستغرق في متابعة الأذان.
- حج الشيخ 52 حجة ولم ينقطع عن الحج منذ عام1372هـ إلا في عام1419هـ لمرضه، وكأنما كان غيابه عن الحج ذلك العام إيذاناً بقرب غيابه عن الحياة. [3]
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه.
- من خطبة حجة الوداع، رواه البخاري ومسلم بألفاظ مختلفة.
- http://www.saaid.net/twitter/314.htm