إلى جنة الخلد أيها الوالد الجليل
شديد بن غازي المطيري
مدير عام تعليم البنات بمنطقة حائل
مدير عام تعليم البنات بمنطقة حائل
الحمد لله على كل حال.. الحمد الله القائل: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، ومن تبعهم بإحسان.. وسلم تسليماً كثيراً.
مصاب الأمة لا شك كبير، وخطبها جلل.. فقد غيبت يد المنون رجلاً ولا كل الرجال.. رجلاً أنفق عمره في خدمة دينه وأمته.. يذود بعلمه وفقهه عن حمى الإسلام وينافح بعزم الصادقين الصالحين.. عن قضايا أمته في مواجهة تحديات العصر.
لقد رحل عن دنيانا الفانية.. سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. وترك بغيابه في نفوس الأمة جرحاً لا يندمل.. وغصة في القلب.. ودمعة في العين.. لا يمسحها سوى العزاء والإيمان بقضاء الله وقدره.. وسنة الله في خلقه.. إذ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.
يا الله ما أصغر هذه الدنيا أمام حقيقة الموت.. خاصة حين تغيّب هذه الحقيقة عالماً كبيراً وطوداً شامخاً بحجم سماحة الشيخ.. وفقهه وعلمه وزهده وورعه وتقواه.
لقد بكته الأمة كلها على اختلاف ألسنتها ومذاهبها.. حتى لم يعد ثمة مدمع.. واعتصرت بفقده القلوب.. في وقت هي أحوج ما تكون لوجوده وعلمه.. في مواجهة تلك التحديات الكبيرة.. التي تتربص بأمة الإسلام.
لكننا نحن المؤمنين بقضاء الله وقدره.. نجد عزاءنا فيه.. في قادة هذه البلاد.. وفي مقدمتهم والد الجميع خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني.. الذين قطعوا كل التزاماتهم ومسؤولياتهم ليتجهوا إلى الحرم المكي الشريف يوم الجمعة الماضي.. للصلاة على فقيد الأمة وفقيد الإسلام سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز.. طيب الله ثراه وتقبل العزاء فيه.. من تلك الجموع الحاشدة.. التي تداعت من كل حدب وصوب للصلاة عليه.
إن احتشاد قادة الوطن.. وكافة مسؤوليه في تلك اللحظة المهيبة.. في رحاب بيت الله الحرام يعكس بصدق واقع مشاعر الوطن وقادته.. تجاه عَلَم من أبرز وأهم علماء الأمة والسلف الصالح في القرن الراهن.. ويمنحنا العزاء.. في غياب رجل التقوى.. ويقدم الدليل تلو الدليل على سلامة منهج هذه الأمة.. التي ظلت وستظل تهتدي بنور الإسلام الخالد.. وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام فإلى جنة الخلد إن شاء الله.. أيها الوالد الزاهد العابد، وإلى جنة الخلد إن شاء الله.. يا من بقي مدى حياته الحافلة بصالح الأعمال.. يقف مثل سد منيع.. أمام هجمات أعداء الإسلام.. سلام على تلك البصيرة.. التي لم يزدها ذهاب البصر.. إلا سعة في الرؤية وقوة في الاستبصار.
سلام على ذلك الجسد.. الذي قاوم أوجاع المرض بقوة الإيمان.. وقاوم متاعب ومشقات العمل باحتساب الأجر والمثوبة..
سلام على ذلك الوَرَع.. الذي علّمنا سماحة الدعوة.. ونصاعة الحق.. بقوة الحجة، وبياض الدليل، سلام عليك أيها الشيخ الجليل.
فستفتقدك الأرامل.. وسيفتقدك الأيتام.
وستفتقدك الأمة، كل الأمة.
ستفتقدك تلك الخيريات التي وقفت وراءها بصمت.. لا ترجو صيتاً ولا جزاءً إلا من الله سبحانه.
إن القلب ليحزن.. وإن العين لتدمع.. وإنا على فراقك أيها الوالد لمحزونون.
سلام وسلام من قلوب أحبتك في الله ودعت لك في ظهر الغيب بحسن الثواب.. وعظيم الأجر.. جزاء ما قدمته بعلمك وعملك لخدمة الدين والعقيدة الصالحة وستظل تدعو لك على مر الأزمنة والعصور.. فإن كان جسدك قد غاب عنا.. فإن علمك وفقهك سيبقيان بيننا.. نتزود منهما وخير الزاد التقوى.
لقد خانتنا العبارات.. وخنقتنا العبرات.. فلم نعد نجد ما نقوله في مصابنا الكبير.. غير الدعاء للمولى عز وجل.. أن يتغمد الفقيد العزيز بواسع رحمته وغفرانه وأن يمطر عليه شآبيب الرحمة.. وأن يدخله الجنة في صفوف الشهداء إنه سميع مجيب.. وأن يلهم الأمة كلها الصبر والسلوان، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين[1].
- جريدة الجزيرة، الثلاثاء 3 صفر 1420هـ .